شعبان عبد الرحمن (*)
«تلك الأهوال التي يكابدها اللاجئون السوريون في رحلة الفرار تحت القصف والمطاردة حتى حدود دول الجوار (تركيا، الأردن، لبنان) يشيب لها الولدان خاصة فيما يتعلق بالمرأة السورية.. فهي لا تفر بمفردها، ولا يطاوعها قلبها علي التخلي عن أطفالها وبناتها،.. وهي تعيش خلال رحلة الشتات هَمَّيْن ثقيلين: هَمّ الفرار والنجاة بالنفس، وهَمّ الأطفال المتعلقين بعنقها، والتي تضحي بالنفس والنفيس فداء لهم لتوصيلهم إلى بر الأمان.
لكن الأهوال تزداد أهوالاً عندما يستقر المقام بها في دولة المهجر أو الشتات؛ إذ تتعرض المرأة - وبناتها بالذات - لهجمات تلك الذئاب البشرية الشرهة من شبيحة الشيطان.. تتعرض لاعتداءات وحشية وهتك للأعراض حتى الموت، كما يتعرض بعضهن لمساومات ومقايضات تحت ستار الزواج، وكأن المسألة باتت بيعاً وشراء من قبل أصحاب النزوات الرخيصة.. وبين هذا وذاك تعيش حرائر سورية اللاجئات مأساة كبرى.. مأساة الحفاظ على النفس والشرف.. ومأساة الحصول على أبسط مقومات العيش طلباً للحياة.. ومأساة البحث عن الأمن من الملاحقات الأمنية في بعض الدول التي تتواجد بها أذرع قذرة للنظام السوري، وملاحقات تجار المحن والكوارث الذين تحجرت قلوبهم وماتت ضمائرهم.. ومأساة القادم المجهول اللاتي لا يعرفن حقيقته ولا يعرفن متى ينبئهن بخبر العودة إلى ديارهن.. لكن بين هذا وذاك، وبين كل تلك الآلام، تتجلى صور نبيلة من الشهامة والنجدة والكرم الراسخ في قلوب أناس يعرفون الله تعالى، ويعرفون واجب النصرة وواجب الغوث؛ ففتحوا بيوتهم، وتحركوا بمساعداتهم وحمايتهم لتلك الحرائر الشرفاء اللاتي فقدن كل ما يملكن، ونجون بأنفسهن وأطفالهن من جحيم «بشار» وزبانيته.
وقد اطلعت قبل أيام على تقارير ميدانية قادمة من مخيمات اللاجئين على الحدود اللبنانية والأردنية والتركية حيث يعيش عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، أقتطف منها عدداً من الوقائع الدامية، ومنها حديث السيدة «أم حسن» بحسرة بالغة عن فتيات اختطفن واغتصبن في داخل سورية، ثم تم رميهن في الشارع عرايا في محاولة لكسر إرادة الثوار! وتحدثت عن فتاة عقدت المأساة لسانها، وعروس لم تعرف شهر العسل، وروت قصة الأم التي حضّرت السم لبناتها اتقاء العار، كما تحدثت عن الجدة التي ابيضت عيناها من الحزن!
وفي الأردن حيث تستغرق رحلة النزوح من سورية عشرة أيام كاملة في طرق وعرة يغلفها الخطر من كل مكان، أفادت إحدى اللاجئات أن قدومها للأردن بدلاً من لبنان الأقرب إلى سورية كان خوفاً من قيام «حزب الله» بتسليمهن لعصابات «بشار» وجيشه.
وفي تركيا حيث يمثل التزايد في نسبة أعداد النساء والأطفال التحدي الأكبر لتركيا في ظل وجود عناصر مندسة يمكنها الترويج لادعاءات تؤدي إلى مواجهات على خلفية انتهاكات تمس الشرف!
وبين هذا وذاك مساومات على الزواج تشبه المساومات التجارية؛ لكن توجد صور أخرى من الشهامة والتكافل والحماية تكاد تخفف من وقع المأساة.
تلك قصة حرائر سورية في عالم الشتات باختصار.. وذلك جانب من أحوالهم التي تسير من سيئ إلى أسوأ حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
________
(*) كاتب صحفي - مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية

