د/ عادل فهمي

كثيرا ما يُتهم الإخوان بأن لديهم فجوة بين النظرية والتطبيق.

 

ومهما طرح الإخوان المسلمون أو غيرهم من أفكار للنهضة، ومهما سطروا تصورات ذهنية لنهضة مصر، فإن الناس منقسمين بين مؤيد ومعارض حتى كادت فكرة النهوض ذاتها تتراجع   أو تختفي تحت ركام النقاشات السطحية، و المناكفات السياسية وتصفية الحسابات التاريخية، والبحث عن كلام يكتب لسد جوع الصحف والفضائيات والمواقع الإعلامية.

وبدلا من النقاش الموضوعي حول النهضة وهي واجب ومسؤولية الجميع في مصر، وكيفية تنفيذها بدأ البعض يترصد للأشخاص في الجماعة وفي الحزب وفي الرئاسة، و تصدت قوى سياسية لتفسير ما صدر من المهندس الشاطر على أنه تراجع عن المشروع، ولم يفكر أحد في ماهية المشروع ذاته.. ولا في حركة الرئيس الذي هو نتاج المؤسسة صاحبة المشروع. إنني لا أرى تفريقا بين الرئيس والمؤسسة والمشروع إلا بقدر ما يكون لدى الرئيس من مهارات فردية لإحراز الأهداف كنتيجة لجهود بقية الفريق وبقدر ما يتحرر من سقف الجماعة إلى أفق الدولة في اتخاذ القرار للصالح العام.

 إن حركة الرئيس على مسارات النهوض حركة دؤوبة ومتوازية .. ولابد من تشكيل صورة كلية وبشكل مستمر لكي يشاهد الناس حقيقة ما يحدث ، فدعونا نعيد تكوين الصورة والموضوع بشكل منهجي وواقعي:

أولا: إن حركة الرئيس على مسارات النهضة ليست خالية من  تراث النهضة بداية من الإمام البنا وحتى الآن، ليست منفكة عن تراكم فكري وثقافي أنجزه خيرة أبناء مصر،. ولو أنصف الخصوم و قرأوا التأسيس الفكري للنهضة من المنظور الإسلامي لعرفوا أنها ليست صفحات تقرأ، ولا جداول وبنود جامدة تسطر، وإنما هو رؤية مرنة ومكثفة مشدودة للكمال الإنساني ومتجهة نحو المستقبل المنشود، مراعية للحالة الواقعية، تأخذ في الحسبان هوية مجتمع وطموحه المستقبلي، وتراعي أحوال كل فئاته وظروفه وقيمه وحتى الأحوال النفسية للشعب. ولما أتيح لها أن تنزل على واقع مصر كان الدكتور مرسي هو مهندس التطبيق للماكيت المرسوم للنهضة في أدبيات الإخوان بل وأدبيات رواد النهضة الإسلامية مثل الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم..!!

ثانيا: إن العبرة  في السياسة دائما بتحقيق الأهداف والغايات وليس بالكلام والتصريحات وكم من مشروعات مخططة بدقة لم تجد حظها من التنفيذ.. فكم كان كلام المرشحون الثلاثة عشر جميلا ومنمقا ولكن أين هو الآن ؟ ولماذا لم نستقبل من أي منهم رؤية لصالح نهضة مصر ؟ بل وجدنا من يشوش على حركة رئيس المنتخب في جهوده لنهضة مصر، وهو يطبق مشروع النهضة ذي المرجعية الإسلامية؟.

عزيزي القاريء النهوض عملية وليس حدث يقع ثم ينتهي، والعملية معقدة تشمل مدخلات ومخرجات وأنشطة، وقد تسير العملية في مسار صاعد وقد تتعثر لأسباب مرتبطة بالواقع المعين، وقد تحدث طفرات لم تكن في الحسبان تعطل أو تسرع مسار النهوض. لكن الذي لا جدال فيه أنه لا نهضة بدون رؤية واضحة، ولا نهوض بدون مشاركة، ولا نهوض بدون إخلاص وحماس للمصلحة العامة، وهذا ما يلمسه الجميع في سلوك الرئيس.

تطبيقا لما سبق نرصد معا جهود الرئيس مرسي على مسار النهوض السياسي والاقتصادي  وسأترك لك عزيزي القاريء لتقرر هل يعد سلوك الرئيس حاليا على مسارات مشروع النهضة  تعبيرا عن المشروع أم لا ؟

1- حين  اتجهت طائرة  الرئيس إلى إثيوبيا و كان الحدث سياسيا شعرنا بأن  لزيارته أبعاد أخرى تتعلق بمصدر المياه الذي هو عصب الحياة في مصر، وحين يتجه لإفريقيا لحل الخلافات ومنع تطبيق الاتفاقيات المائية  الجائرة يعد هذا سيرا مستقيما على مسار النهوض السياسي والاقتصادي في المحيط الإفريقي؟

2- و حين يقرر الرئيس زيارة المملكة العربية السعودية كأول دولة عربية وإسلامية، وقد امتلأت زياراته بالدلالات الدينية والسياسية في علاقات مع الدولة السعودية  التي تعد أكبر حليف استراتيجي لمصر و أكبر دولة تحتضن أكبر جالية مصرية تدر دخلا يقدر بأكثر من 15 مليار سنويا على مصر ؟ أليس في هذا المسار دعما للنهوض الاقتصادي، وترسيخا للعلاقات الإستراتيجية؟ فإذا أضفنا إلى هذه الزيارة التنسيق مع ليبيا والسودان كدول أولى بالرعاية لما فيها من فرص عمل لملايين المصريين أليس  في هذا التحرك سيرا على مسارات مشروع النهضة ؟

3- حين يخرج الرئيس من أسر العلاقات الغربية ويتجه شرقا على طريق الشرق الأقصى الطويلة والمهجورة منذ عقود ليعيد التعارف مع الصين ثاني  أكبر اقتصاد  عالمي، ويستجلب الخبرة تمهيدا لتوطين الصناعة وتنشيط التجارة ، أليس في هذا دعما لمسارات النهضة وتطبيقا حرفيا لعودة مصر لقوتها واستقلال قرارها مع الجهة الشرقية ؟ هل يمكن عزل حركة  الرئيس عن فكره ومرجعيته الإسلامية حين قام بهذا التحرك ؟

4- حين انعطفت طائرة الرئيس ليزور إيران في مناسبة سياسية تتعلق بتجمع نوعي لدول عدم الانحياز، وحين أزال قدرا من الجليد المتراكم على علاقات مصر وإيران، ورغم الإشارات السياسية المثيرة للإعجاب والدهشة في خطاب رئيس مصر، فقد كانت السياسة والاقتصاد حاضرتين في الزيارة لأن الرؤية المصرية  تقوم على المصالح المشتركة، والمنافع المتبادلة والواقعية السياسية، مع التأكيد الحاسم أن مصر لا تقبل الظلم ولا تسمح بتمدد للنفوذ المذهبي الشيعي في الدول السنية. (راجع مواقف القيادات الإخوانية التي أعلنت عن رفضها ومقاومتها لهذا المد وحذرت منه) إذن التنسيق والتعاون يسير على مسار الاقتصاد والسياسة، أليس هذا تطبيقا لكتاب السياسة الإقليمية ومنع قيام صراع من القوى الفاعلة ؟ هل يعد السير على هذا الطريق انحرافا عن مشروع النهضة في بعده الإقليمي ؟

5- حين يسير الرئيس على الطريق المتوسطي ووراءه تراث الحضارات القديمة مشبعا بقيم التعايش الحضاري منطلقا من تاريخ الدولة المصرية الذي يعد تأريخا لحضارات بيزنطة وروما والأندلس وصقلية، مفتتحا عهده بندية مع دول أوربا ثم تنهال عروض الدعم والاستثمار على مصر أليس هذا سيرا صاعدا نحو مشروع النهضة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ؟

6- حين تبعث الولايات المتحدة بخيرة خبرائها ورجالات المال فيها لطلب التعاون والاستثمار في مصر انطلاقا من قناعتها بأن مصر ستكون من أقوى عشرة اقتصادات قريبا هل يعد هذا مكسبا لمرسي ولمصر  أم لا ؟ وهل يعد هذا انحرافا عن مشروع نهضة مصر ؟ وحين تكتمل الدائرة ويزور الرئيس البرازيل ويدخل على طريق أمريكا اللاتينية أليس هذا سيرا على مسار النهضة في تنمية علاقات التعاون السياسي والاقتصادي ؟

إن عقلاءنا بدأوا يرون في الدكتور مرسي مهنجا حكيما وواقعية دافعة للتقدم وتخلصا من الانحياز الفكري لصالح المصلحة الوطنية، ومن رأي الفرد إلى مؤسسية الرئاسة هنا يعد تحرك الرئيس على مسارات النهوض تعبيرا عن مشروع مصر المنطلق من تاريخها وتراثها الكامن في العقل الجمعي المصري.

هذه مجرد مشاهد متجاورة لحركة نهضوية صاعدة ، نأمل أن يكون تحرك الرئيس دائما مستقيما صاعدا في مدارج الترقي، وألا يسمح للماجريات اليومية أن تعوقه عن تحقيق أحلام المصريين في  بناء دولة قوية ناهضة مستقلة ومتعايشة سلميا مع الجميع...!!