ما جاءتنا به الأخبار يحتاج لوقفة تدبر وتأمل وتقديم النصيحة لإخواننا السلفيين :
أولاً : حاجة الأمة لأبناء الدعوة السلفية المخلصين :
حين تختلف الدعوة السلفية وأبناء حزب النور فتتفرق كلمتهم ويختلف صفهم ويتشرذم أحد أهم مكونات التيارالإسلامي إلى قطع أصغر وأقل ، يقف الجهد والإنتاج الدعوي ثم الخدمي بالشارع ، وخسارة الدعوة الإسلامية لجهد أو جهود فريق من أبنائها مما يترتب عليه من قلة رصيد الإسلاميين بالمجتمع .
إن ما أظهرته جولة الانتخابات الرئاسية الماضية ، وتأثر أطياف الشارع بالإعلام المضلل ، وفى المقابل نجاح الإسلاميين فى الوصول لسدة الحكم بعد توحدهم ومعهم أطياف الثورة المختلفة ، وقبل ذلك الغلبة البرلمانية رغم التنافس الشديد بين الحرية والعدالة والنور ، كل ذلك يقدم برهاناً على احتياج الأمة كلها لكل فرد من أبنائها الإسلاميين ، وخطورة انقسامهم خاصة بين الفصيل الواحد ، مع ما نعلمه من نجاح الرئيس بصعوبة وبفارق قليل ضد منافسه الفلولي .
ثم ما نحن فيه من مناخ حرية كنا نصبو إليه ونحلم به ، وما كنا نتمني ذلك لأنه تمكين ، إنما لما يتيحه هذا المناخ من حرية فى الدعوة إلى الله وممارسة حق التجمع والتحدث مع الناس وممارسة العمل الدعوى بطلاقة ودون تضييق مع عموم المجتمع ، فهذا هو هدف الدعاة .
توصيف المرحلة التي نحيا بها وأنها ليست تمكين ، إنما هي مناخ لحرية الكلمة كنا ننشده ، مع عدم القهر والاعتقال لأصحاب الرأي مهما كان رأيهم ، كل ذلك يلقى بعبء وتبعة على الدعاة وأبناء الأمة المخلصين ليتحدوا ، والأمة تحتاج إلى جهودهم .
الناس يحتاجون لمن ينشر بينهم السنن ويعلمهم هدى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وينقل لهم أخلاقه وسلوكه وتراثه ، ويحبب الناس فى شريعة رب العالمين بالقدوة والحكمة والموعظة الحسنة ، وكل ذلك يتقنه إخواننا السلفيون لو اعتصموا بحبل الله واتحدوا على كلمة سواء .
والأمة تحتاج إلى ذلك أشد من حاجتها إلى المسكن والمطعم والمشرب ، لأننا فى الأساس أصحاب رسالة وظفنا الله سبحانه فيها وهى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ، وقولة الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضى الله عنه لرستم قائد الفرس: " الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة " .
إن حفظ دين الأمة الإسلامية عليها ، هو أعظم مهام الخلافة الإسلامية العظمي التي بغيابها وكل الأمر ووسد وألقيت المهمة على ظهر العاملين بالتيار الإسلامي ، فهم بديل قائم ببعض أعباء الخلافة التي منها حفظ الدين .
فمن يفعل ذلك إذا اختلفتم أيها السلفيون وتمزقت كلمتكم وكنتم شتاتاً ، لا تجمعكم كلمة ولا يربط بينكم رابط ونسيتم الفضل بينكم ، يا معشر القراء يا ملح البلد ، ما يصلح الملح إذا الملح فسد .
ثانياً : ما الداعى للتفرق والاختلاف :
لقد تذرع إخواننا السلفيون يوماً ما – أو أياماً – عند اختلافهم مع الإخوان أنهم أصحاب بدع أو عندهم مخالفات عقدية ، مع عدم تسليمي أنا شخصياً بذلك على الإطلاق ، بعد دراسة وتفحص كل المسائل التي أخذها السلفيون على الإخوان مسألة مسألة .
وقد وصلت بعد البحث والدراسة المتعمقة إلى أن أرجح فى مسائل منها رأي السلفيين وأعتقده ، لكن مع عدم تخطيئ الإخوان أو تضليلهم ، ومع اليقين أن هذا الاختلاف فى بعض المسائل لا يقوم ولا ينهض كسببٍ للاختلاف والتشرذم بين الإسلاميين بعضهم البعض ، غاية ما فى الأمر أن الإخوان فى المسألة يوصفوا بأنهم اجتهدوا وأخذوا برأي علماء معتبرين من الأمة ، وغاية ما فى الأمر أن جل المسائل التي اختلفوا فيها قد تعد من المسائل الاجتهادية المختلف فيها .
ولست هنا فى معرض الحديث عن الخلاف بين الإخوان والسلفيين ، ولكني أسوق هنا مثلاً تاريخياً، أفترض فيه أنه لو حتي جاز لكم أيها السلفيون أن تختلفوا مع الإخوان لمثل تلك المسائل التي اختلفتهم فيها معهم فى الماضي ، فما هو المبرر الفقهي والشرعي والمنطقي الذي يتيح لكم التشرذم فيما بينكم ؟
لن تجدوا أصلاً فقهياً واحداً ولا دليلاً تركنوا إليه ولا سبباً منطقياً يسوغ لكم ذلك ، إلا تأصيلكم للعمل الجماعي على أنه من باب المستحبات والنوافل ، وربما المباحات فكونه كعدمه ، وليس على أنه فرض وجهاد فى سبيل الله .
أخشي عليكم أن يكون التعامل فى مثل هذا الموقف ، تعاملاً فردياً أنانياً، تغيب فيه المسئولية ، ويغيب فيه فقه الواقع وما تحتاجه الأمة من علمائها ومن أبنائها المخلصين ، وأحسب أن هذا السلوك التشرذمي الاختلافي يصب فى النهاية نحو النظرة الفردية والفقه الفردي بعيداً عن الفقه الجماعي ، وأظن أن هذا الاختلاف راجع بسبب النظرة الجزئية لا الكلية ، وغياب فقه الصراع بين الحق والباطل وفقه النوازل ، والفقه المترتب على أن الخلافة الإسلامية ضائعة غائبة ولا يقوم للإسلام قائم يدافع عنه ، غياب هذه النظرة وتأصل نظرة فقه العبادات الفردية ومنطق انج سعد فقد هلك سعيد ، أخشى أن يكون هذا الغياب هو السبب فيما نحن فيه .
ثالثاً : حاجة التيار الإسلامي كله للتوحد :
إني أزعم أن الحاجة لتوحد السلفيين ليست خاصة ، بل هي عامة تشمل كل أبناء التيار الإسلامي ، إن الأمانة التي وسدت فى أعناقنا بمجرد العلم : "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً ، فبئس ما يشترون " .
إن أمانة الابتعاث لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، إن حجم التحديات التي تواجه المليارونصف مليارمسلم ، إن حالة الاستضعاف التي تعانيها الأمة الإسلامية ، إن غياب الخلافة الإسلامية وتكالب الأعداء على قصعتنا ، إن انتشار الجهل وغياب العلم وتفشي الرذائل وعلو صوت وصيت أصحاب المنكرات وأهل الفسق والفجور وتوليهم منابر التوجيه والإعلام والثقافة ، كل ذلك يعكس حجم التبعة الملقاة على عاتقنا .
وكل ذلك يرشدنا إلى حجم الدور المطلوب من أبناء الأمة الإسلامية ، على قدر المهمة تكون الهمة ويكون حجم العطاء المطلوب ، وهذا ليس كلاماً خاصاً بالسلفيين وإن كان يشملهم ، وهو أعم وأوسع ينضوي تحته كل العاملين بالتيار الإسلامي ، وكل أصحاب الفكر والرؤية المخلصين لهذه الأمة ولتراثها القرآني والنبوي ولحضارتها الإسلامية الرائعة .
أيها الإسلاميون جميعاً اتحدوا ، وألجموا نزوات الشهوات ، وقاوموا التفرق ، وعيشوا على قدر المهمة والأمانة التي طوقت أعناقكم ، حتى لا يؤاخذكم الله بتقصيركم .... ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد .
رابعاً : دور المخلصين من أبناء التيار الإسلامي :
هذا التشرذم يحتاج لمن يقف له وقفة حق وصدق ونصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين ، يحتاج للعلماء الربانيين على مستوى الشيخ القرضاوي والشيخ السالوس والشيخ محمد بن إسماعيل والشيخ سعيد عبد العظيم والعقلاء من أمثال الدكتور عمر عبد الكافى والدكتور صلاح سلطان والدكتور راغب السرجاني والدكتور عبد الرحمن البر وغيرهم ... إن الأمانة معلقة فى رقبة أمثال هؤلاء ، حتي يأخذوا بيد الأمة للوحدة والاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق .
وإن على هؤلاء أن يرأبوا الصدع وأن يلموا الشتات ، وأن يجمعوا المتفرقين على كلمة سواءٍ ، وإن عليهم أن يبذلوا كل طاقتهم ووسعهم ، وحاشا لهم وكلا أن يكتب التاريخ أن الأمة وأن التيارات الإسلامية وأن الفصيل الإسلامي الواحد كالسلفيين بل جزء منهم كسلفيي الإسكندرية وحزب النور انقسموا وتمزقوا فيما بينهم ، حاشا لهم وكلا أن يكتب التاريخ ذلك وهم أحياء يشاهدون ، فأين دوركم أيها المخلصون .
أسأل الله سبحانه أن يعصمنا من الزلل وأن يجمع كلمة الحق وأهله ، وأن يمزق الباطل وجمعه ، إنه ولي ذلك والقادرعليه .
_________

