د/ أحمد السعيد

سيظل العفن يفوح من قلب وعقل كل من يحقد على هذا الدين القويم, وستظل النار مشتعلة بداخل نفسه حتى تحرقه كمداً وحسرةً على مايحققه هذا الدين من تقدم ورقى بين أهل الأرض جميعهم, حتى صار الدين الإسلامى هو الدين الأكثر قبولاً بين بنى الأرض جميعهم بشكلٍ جعل جيورج جاينزفاين السكرتير الخاص للبابا بنديكتوس السادس عشر يحذر منذ سنين طوال "من خطر المد الإسلامى بأوروبا". وسيلفت هذا العفن أنظار الكثيرين, ولكن سيكون له مردود السحر على السحرة بشكل يزلزل أركان الكفر والطغيان, ولتسألوا الأحداث المثيلة السابقة وكم عدد من دخلوا في الإسلام بسببها.

وللعفن أسبابه الكثيرة التى تجتمع في زمرةٍ عمها الخبث ظاهراً وباطناً. وإليك بعض أسبابها:

1. الحقد الدفين على الإسلام الذى إن ذاد وطغى خرج من مكنون النفس البغيضة إلى رحاب الكون فتظهر الحقيقة التى حاول الكثير إخفاؤها. فعلى سبيل المثال لاالحصر خُصِصِ مؤتمر "أنتويرب" لقضية واحدة هي منع إنتشار المساجد في أوروبا, وفى هذا المؤتمر ظهرت إفتراءات عديدة منها ماذكره زعيم الحزب اليميني البلجيكي فيليب ديونتر حين قال: "لدينا أكثر من 6000 مسجد في أوروبا، وهي ليست دوراً للعبادة فحسب بل رمزاً للتطرف". وفى خضم إنتخابات 2007 الألمانية أعلنت رئيسة الوزراء الألمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر حزبها الديمقراطي المسيحي أنه "يتعين أن ننتبه إلى عدم بناء قباب للمساجد أعلى بشكل واضح من أبراج الكنائس" في الوقت الذى تطالب فيه المثليين جنسياً أن يعلنوا عن هوياتهم  دون تحرجٍ أوخجلٍ.

2. الحقد الدفين على أرض الكنانة وماتحققه من تطورات رائعة ومتسارعة في ظل حكم ذو مرجعية إسلامية بدأ قوياً في شكل قراراته وإصلاحاته وعلاقاته الداخلية والخارجية, ومستمر فى قوته على طول خطواته, مما يعيد لمصر مجدها وعزها وقوتها ومكانتها بشكل لايرضى أصحاب القلوب المريضة والنفوس الخبيثة التى مافتأت تتمنى أن تفشل التجربة الإسلامية في مصر حتى يلصق بالإسلام كل عيبٍ ونقيصةٍ. ويمكن أن نستشهد بما شهد به الأعداء حين كتبت صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية حول هذا السياق وعلى لسان روى كياس محلل الصحيفة للشئون السياسية المصرية: "أن ما فعله أردوغان فى 5 سنوات نفذه مرسى فى ضربة واحدة".

3. إشاعة الفتنة في ربوع العالم الإسلامى عامةً وفى مصر العروبة والإسلام خاصةً, وهو ماظهر فشله في ظل ردود الفعل التى ظهرت في شكل تصريحات من نصارى مصر وغيرهم كأمثال البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي الذى صرح قائلاً: "إن الفيلم يشكل إساءة ليس فقط للإسلام بل لجميع الأديان، والمسيحيون معنيون بهذه الإساءة، وسيعملون لسحب هذا الفيلم", فضلاً عن عدم حدوث أى تجاوزات ضد شركاء الوطن من أهل الكتاب.

4. حب الشهرة والظهور والأضواء, ولتتأمل في تاريخ - عامل الفنادق سابقاً والقس حالياً - المدعو "تيرى جونز" الذى تزعم مع بعض أخباث المهجر هذه الحملة الشرسة على الإسلام ورسوله الكريم منذ عدة أعوام. فلقد حكمت عليه محكمة كلونيا الألمانية بغرامة مقدارها 3000 يورو بسبب إضافته كذباً لقب دكتور إلى إسمه, بل إن إبنته "إيما" وصفته بالمختل عقلياً لكثرة مارأته من أقواله العبيطة وأفعاله المستهجنة. هذه السير "الحميدة" لهذا المدعو جعلته يفر فى أحد ليالى 2008 من كولونيا الألمانية مصحوباً بالفضائح واللعنات, بل وجعلت أفعاله لاتتم إلا من أجل الشهرة والدعاية المأجورة والتى يعتقد أنه سيجنى من ورائها كل محاسن الدنيا وخيرها, وهو بجهله لايعلم أنه جنى بها ومنها الخزى والعار والذل والإنكسار في الدنيا والآخرة. بل وفاق في أفعاله كثير من زعماء الكفر والضلال في العصور المختلفة حتى صار بحقٍ خليفة أبا جهلٍ أو أبا لهبٍ أو أبا أى شئٍ آخر ليس له مصير إلا مزبلة التاريخ وجهنم وبئس المصير "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ".

5. المنفعة المادية والتى يلهث ورائها كل ناعقٍ وكل ذوى شهوةٍ دنيويةٍ حقيرةٍ. ولايخفى عليك أن أعضاء "الكنيسة المسيحية" قد إتهموا سابقاً هذا التيرى الموتور بالتلاعب بالمخصصات المالية للكنيسة وتحويل ستة منازل تابعة لها إلى ممتلكاته الشخصية. ومن خلال التقارير المنشورة في مختلف الجهات الإعلامية والتى تؤكد أن منتج هذا الفعل البغيض إستطاع أن يوظف 100 يهودى لينفقوا خمسة ملايين دولار على مرتزقة هذا الفن الممجوج ومن حولهم من أمثال هذا التيرى ومن يطلق عليهم أخباث المهجر. 

6. العمالة لكل معادى لهذا الدين وهذه الأمة, فمن المعلوم أن المنفذين نصارى والممولين يهود وكلهم ذوى أجندات حقيقية مع مخابرات دول تسعى لزعزعة أى إستقرار بأى قطر إسلامى ولاسيما مصر التى إن نهضت فستنهض معها الأمة الإسلامية قاطبةً, وهو مايخشاه أهل الكفر جميعهم, فكما قال أحد قادة الغرب بعد سقوط الدب السوفيتى وإنهياره"إن أخشى  ماأخشاه أن ينهض ذلك المارد الرابض خلف البحر الأبيض المتوسط". ولايمكن أن ننسى أن من أخباث المهجر من طالب الصهيونية العالمية بالهجوم على مصرنا الحبيبة ليخلصوها - ممن أدعى ظلماً وبهتاناً - بمستعمريها من المسلمين العرب, متناسياً أو غافلاً أو جاهلاً بأنه من القلة التى رفضت أن تدخل دين الله طواعيةً كما فعل الغالبية العظمى من أهل مصر الأصليين والتى جعلت عدد النصارى في مصر لايتجاوز 4.5 مليون نسمة حسب الإحصاءات الداخلية - من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء - وكذلك الإحصاءات الخارجية من منظمات أوروبية وأمريكية غير إسلامية.

وبعد هذا كله يتبقى أن نذكر بعض ماهو واجب علينا إزاء هذا الحدث المفتعل والمنكر. فليس من الضرورى أن يكون رد الفعل من قبيل العنف والقتل والحرق لأن ذلك قد يكون له آثار غير محمودة ونتائج غير محسوبة, وكما قيل:

لو أن كل كلب ألقمته حجراً       لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

ولكن العقل والحكمة وإستغلال الحدث قد يمكننا من توظيفه وجعله سهماً يدك مضاجع الكفر والملاعيين. وهذا يمكن ترجمته في نقاط سريعة منها مايلى:

الواجب الفردى:
1. أن نحسن علاقتنا بربنا, ونلتزم بهدى نبينا, وأن ندور في فلك ديننا, وأن يتجسد فينا ذكرنا الدائم "رضينا بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد نبياً ورسولاً".
2. أن نتذاكر خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم في القول والفعل من خلال دراسة سيرته العطرة.
3. أن ننبذ الفرقة والبغضاء التى تتملك البعض تجاه  البعض وذلك لأتفه الأسباب, وأن نعلى معانى أخوتنا وأصول محبتنا وألفتنا.
4. أن يكون رد فعلنا متزن ودون تهور, وأن نسمو بقيم ومبادئ الحضارة الإسلامية السامية والعريقة في كل أفعالنا وتصرفاتنا وردود أفعالنا.
5. تغليب ميدان العمل والحرص عليه, بدلاً من ميدان القول الأجوف أو الفعل ورد الفعل الأهوج.

الواجب الحكومى:
1. التوجيه الإعلامى الذى يبنى ولايهدم, والذى يوضح ويبين دون أن يطمس ويغور.
2. إرسال البعثات الإرشادية للشرق والغرب لتوضيح فضل الإسلام ورسوله العظيم.
3. توضيح مناقب الإسلام ورسوله الكريم من خلال التاريخ وأحداثه العظام.
4. نشر ماذكره مفكرى وقادة الغرب عن صفات وعبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم.
5. ربط العلم وماحققه من نتائج مبهرة بمعجزات الإسلام المتجددة في كل عصر ومصر فكثير من الناس ولاسيما في ديار الغرب لايعترفون إلا بالحقائق المدروسة والماديات والنتائج الملموسة.
6. العمل حثيثاً على لم الشمل والوحدة بمعانيها المتنوعة بين أقطار ودويلات الأمة.
7. العمل على نهضة الأمة في كل المجالات من خلال مشروع نهضوى يبث الأمل والروح في أركان وأوصال الأمة.
8. بث روح العمل والمثابرة والإرادة في قلوب وهمم الجماهير ليكونوا شركاء - وليس منفذين فقط - في هذا المشروع النهضوى المقترح.
9. بذل الجهد كل الجهد لتغيير قواعد اللعبة الدولية التى بنيت على النظرة الفوقية ضد العرب والمسلمين, والتى تكيل  بمكيالين طالما كنا أحد أطراف القضية أو أصحاب الحقوق فيها.
10.  الوقوف في وجه المخططات الإستعمارية الماجنة والتى تهدف إلى إبعاد الأمة عن طريقها المأمول وهدفها المرسوم حتى تعيش في ميوعة وخنوعة وتبعية بغيضة.
11.  توظيف وسائل الإتصال والتقنية التقليدية والحديثة في الإستفادة والتنفيذ لكل ماسبق من بنود.
12.  ولن يتم ذلك إلا من خلال بناء الفرد المسلم الذى إن صلح, صلحت الأمة وأمرها. وهذا هو أخص مهام أهل التربية من أفراد ومؤسسات.

إن كل ماسبق من أسباب وواجبات تحتاج إلى تفصيل وإسهاب يوضح المعانى الظاهرة  والمستترة من وراء كل بند فيها, ويمكن بعد ذلك وضع الآليات والسبل والوسائل التى تحقق الغايات العظام المتوجبة على الأمة الإسلامية بحكم أنها أمة الخير والسلام والقيادة للعالم أجمع.

إن الحدث جلل والخطب عظيم, وإن الواجبات أكثر من الأوقات, والمطلوب هو بذل الطاقات والإمكانيات في سبيل تحقيق الغايات والأهداف التى نرجو بها رفعة الوطن وعز الدين وسمو قدر رسولنا الكريم بين بنى البشر أجمعين "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ".