ولي حول هذا الموضوع مجموعة من التعليقات :
تمهيد : سبب تضامني مع الألتراس هو أني كنت فى يوم من الأيام كروياً متابعاً متعصباً بشدة فيما قبل سيرى على طريق الإسلاميين عموماً ودعوة الإخوان المسلمين الجهادية الصارفة للهم إلى هموم أكبر وأوسع خصوصاً ، ثم متابعاً منحازاً للفريق الأحمر بعد التزامي ولكن خفت حدة التعصب ، إلى أن جاءت أحداث بورسعيد لتفيقني على هول المأساة وأنه يمكن لإنسان أن يختم له وهو لاهٍ لاعب قد يكتب ضمن مضيعي الأوقات والصلوات ، خاصة والمدرجات تمتلئ فى فترات المغرب والعشاء ويضيع كثير ممن هو فى المدرجات الصلوات لصعوبة أدائها فى تلك الأجواء.
قتلى بورسعيد أو شهداؤها ( والله أعلم بمن يقتل فى سبيله ، والله أعلم بمن يكلم فى سبيله ) ، والإمام البخاري صنف فى صحيحه باباً تحت عنوان : " باب لا يقال فلان شهيد " ، وقصد بذلك عدم تعيين الأفراد والحكم لمعين بالشهادة التي هى فرع من الحكم له بالجنة ، وهو من الغيب الذى لا يعلمه إلا الله إلا ما أطلع عليه الناس من خلال الوحي الشريف ...
المهم أن قتلى بورسعيد أوما اجتمع الإعلاميون على تسميتهم " شهداء" بورسعيد ، وضعوني فى حالة " قرف " من هذا الكيان المستدير الذى يتخبط الناس حوله ويضيعون الأوقات والأعمار فى التعصب من أجله حتى وصل الأمر إلى القتل والذبح بلا رحمة ولا هوادة ولا شفقة ، وهذا الدم الزاكي الطاهر من شبابنا الذين أريقت دماؤهم جعلوني أمتنع ، وكأنها أزمة نفسية عن أي مشهد لهذا الكيان الذى تحول عندي إلى – كريه – .
أولاً : لولا الله ثم دماء الشهداء ما نجحت ثورتنا المباركة :
ينبغى أن يكون معلوماً أن ثورتنا المباركة مرت بمحطات عديدة أنفقت فيها دماء زكية لشباب مصر الأطهار، وأنه فى كل محطة أو مرحلة كان الدم بمثابة وقود هذه الثورة ، حتى وصلنا إلى بدايات الاستقرار الذي نحياه ، برئيس حر منتخب ونصف برلمان والآخر تحت حكم القضاء وحكومة جيدة مع آلية محترمة لوضع الدستور ، مع مناخ مطلق للحرية ما كنا فى بعض فترات ما قبل الثورة نحلم بعشره .
والفضل فى ذلك كله بعد الله سبحانه مالك الملك مدبر الأمر هو لهذا الدم الزاكي الذي أنفق ، ولهذه الأرواح الطاهرة التي أزهقت .
وكان من ضمن هذه الأرواح الزكية ، وكان من المحطات محطة بورسعيد والشباب الطاهر الذين قضوا ضحية الغدر والخيانة ، وكذلك ضحية التعصب الكروي المقيت .
لقد تسبب هذا الدم الحر الأبي المغدور بأصحابه فى انتباه الأمة لحجم المؤامرة الفلولية ، ولطائفة واسعة من أنصار النظام البائد الذين يحيكون المؤامرات بليل ليمنعوا عن البلد الاستقرار والأمان ، وليضعونا فى حالة من الفوضى كما هدد المخلوع : " أنا أوالفوضى " .
فكان أن استمرت الثورة واستمدت وقوداً يصل بها إلى أوجها ويعمق مطالبها ، ويوحد صفها ، ويفضح مؤامرات خصومها ، بسبب محطة خالدة كمحطات سبقتها بدأت بمعركة الجمل ومرت بمنعطفات بورسعيد ومحمد محمود ومجلس الوزراء إلى أن انتهت بانتخابات الرئاسة والتمهيد للاستقرار .
فليس أولي بنا من رد جميل هؤلاء الضحايا المغدورين بالانتقام والقصاص ممن سفك دماءهم ظلماً وغدراً وعدواناً ، فالأمر جد ، ولم يكن هزلاً سوى فى جانب المباراة ، وهو الجانب الذي يطالب الألتراس بإيقافه إلى أن يثأروا لإخوانهم ، وأنا متضامن معهم فى رفضهم لهذا الكيان والسير فيه إلى أن يقتص لزملائهم وأرى معهم كل الحق ، فيما عدا أي اعتداء على منشآت أو تكسير لممتلكات الشعب أو تعطيل المصالح والشوارع فكل هذا مرفوض ينبغى ألا نقع فيه ، إن علينا أن نفرق بين المطلب المشروع والوسيلة غير المشروعة .
ثانيا : ولكم فى القصاص حياة يا أولي الألباب :
هكذا علمنا الله سبحانه فى كتابه الحكيم ، ولطالما تفاخرنا على دول الغرب والشرق ، وكثيراً ما تباهينا على غير المسلمين بموضوع القصاص وحكمة الله فيه وأنه حياة للأمة كلها يردع الجاني ويحيى الأنفس .
فما بالنا تأخر عندنا القصاص ، أتريدون أن " تردموا " على الملف وتكملوا سير اللاهين اللاعبين ؟
وما بالنا والمعلوم بالضرورة عند كل الناس أن أولياء الدم لم يعفوا أحد منهم عمن قتل أهلهم وشبابهم وأبناءهم ، ولم يصفحوا ولم يطلبوا سوى القصاص ، فلماذا التأخير ؟
وإن كان التأخير له أسباب معلومة عند جهات التحقيق فلماذا لا يعلن عنها ، وإن كان هناك مبرر للتأخير سواءاً كان منطقياً أم لم يكن ، فليس من العدل والإنصاف أن نستمر فى اللعب واللهو والدماء التي أزهقت فى مثل تلك المناخات لم يؤخذ لها حقها لا هي ولا أولياؤها ، فكيف تطالبون الناس أن يحضروا ويتناسوا ما حدث لهم من مأساة ، بل ويهاجمهم البعض لرفضهم الاستمرار فى هذا الهزل قبل القصاص ، تلك إذاً قسمة ضيزى .
ثالثاً : العدالة البطيئة هي والظلم سواء بسواء :
وهنا أذكر الرئيس مرسي بالوعد الذي قطعه على نفسه بالقصاص لهؤلاء الشهداء ، وأحذره وأحذر كل مسئول من تاخر القصاص ، فالعدالة البطيئة التي تكلم أولياء الدم فوق كلمهم وتثكلهم فوق ثكلهم هي والظلم سواء لها طعم مر .
أتريدون أن تأتوا بالقصاص لأولياء الدم بعد أن يكونوا قد ماتوا هم أيضاً ؟ هذا التأخر فى القصاص لكل الشهداء فى جميع المحطات ، بدءاً من معركة الخيل والبغال والحمير والجمال ومروراً ببورسعيد ومحمد محمود ومجلس الوزراء ، وقبلها انتهاكات مراحل الثورة الأولي ، كلها تحتاج لوقفة حازمة فاصلة تحدد الفاعل والجاني وتقتص لأولياء الشهداء منه .
والبطء في ذلك ليس فى مصلحة مصر ولا فى مصلحة الثورة ، ولا يخدم استقرار البلد وأمنه ، إن هناك نفوساً تغلى وتفور من هذا البطء الذي يحتاج لقرارات حازمة من الرئيس ومن الجهات المسئولة عن الأمر حتى تهدأ النفوس الثائرة وتقر الدماء المغدورة ويسكن أولياء الدم ولا نجمع عليهم عسرين ولا حزنين .
رابعاً : الأمر لا يشمل شهداء بورسعيد وحدهم ، وهو أكبر من مجرد القصاص :
وهذه رسالة للألتراس وللمسئولين جميعاً ، أن الأمر لا يشمل شهداء بورسعيد وحدهم ، والمبادئ لا تتجزأ ، بل هناك ضحايا كثر قبل وبعد بورسعيد ، فليتوقف اللهو واللعب وتخدير الشعب بقضايا تافهة كصراع الدوري ومن يهزم من ومن يفوز على من وبكم اشترى النادى الفلاني اللاعب العلاني وكيف خطفه قبل منافسه ، وترهات إعلاميي الفضائيات الخاصة المنحرفين الذين يشغلون الناس بصراعاتهم التافهة وقضاياهم الفاسدة وسفاسفهم عن معالي الأمور وعن مصالح العباد والبلاد .
ولتتوقف المباريات والبطولات حتى نحصل على حق جميع الشهداء بدءاً من شهداء معركة الجمل ومروراً بمحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد ،وليس بورسعيد وحدها .
أما الرسالة للمسئولين فمفادها أن نعيد النظر فى مضامين المنظومة الرياضية كلها ونوفرالآليات التي تخدم مجال التنافس الشريف الحقيقي وجعل الرياضة ميداناً للارتقاء بالنفوس والأبدان وتهذيبها ، وليس للتصارع والتقاتل لدرجة إزهاق الأرواح وقتل الأنفس البريئة والكراهية بين أبناء البلد الواحد حتى صار المتخصصون يسمون المشجعين بالشعوب ، فيقولون شعب بورسعيد وشعب الإسماعيلية ، وكأننا أمام حالة دول متصارعة وليس مشجعو فريق كروي يتنافسون بروح دعابة ورياضة .
ومن أهم ما ينبغى أن نيعد النظر فيه المنظومة الإعلامية التي تزكي الخراب والدمار والتفاهة والتقاتل لأتفه الأسباب ، وتورث الكراهية بلا سبب لأبناء الشعب الواحد ...
فلتتوقف المنافسات والبطولات إلى أن نوفر قصاصاً عادلاً لكل الشهداء ، ثم نوفر منظومة رياضية شاملة ترتقى بالأخلاق وتتماشى مع الشرع الحنيف ، لا أن نسير فى الفلك وكأننا لم نتعلم من دروس الماضى ولم نتعظ بمن سبقنا .
خامساً : أين دور المخابرات فى الأدلة الجنائية :
أعود لمناقشة قضية البطء فى تحقيق العدالة ، وأنه سوف يقال أن البطء سببه إتلاف الأدلة الجنائية وغيرها ، وأسائل بعد أن تم عزل مدير المخابرات السابق ، وكلنا – المهتمون بالشأن السياسي- نعلم أن جهاز المخابرات كان من الإحاطة والشمول – خاصة المخابرات العامة – بكل كبيرة وصغيرة بهذا البلد ، وأنهم سجلوا ووثقوا كثيراً من الأدلة ولم تتلف عندهم كما عند غيرهم .
فأين دور المخابرات وأين تسجيلاتهم ، وأين أدلتهم ، وأين وثائقهم ؟ لكل المحطات ولكل الضحايا ....أسئلة تحتاج إلى إماطة لثام وإيضاح ، حتى تهدأ النفوس الحائرة الثائرة .
سادساً : المسئولية السياسية وأثرها على المسئولية الجنائية :
ثم هناك قضية أخرى تتعلق بنقطة لابد أن تراعي فى التحقيقات والقصاص ، وهي أن المسئول السياسي هو مسئول جنائى طالما لم يوفر الأمن ، وحتى لو لم تتوفر أدلة جنائية فى حقه شخصياً ، فهو متضامن محمل بالتبعة والمسئولية بحكم مسئوليته السياسية السيادية .
رسخها الفاروق عمر رضى الله عنه من قبل حين تحدث عن عثرة بغلة فى العراق وخشيته من مسئولية ذلك .
فما بالك والمسئول السياسي كان خصماً لأولئك القتلى والضحايا ، وهي وحدها قرينة تأخذ به ، فلماذا لا يحاكم أمثال حسني مبارك وطنطاوى وعنان وغيرهم بحكم تواجدهم السياسي السيادي فى بؤرة الأحداث كحكام وخصوم ، ولماذا لا يؤاخذون بتهم القتل الجنائى العمد ، والتفريط فى أرواح شباب الأمة .
لعل بضاعتي المزجاة من العلم الشرعي لا تفي بي لأستعرض وأؤصل لإمكانية الأخذ جنائياً بالمسئول السياسي السيادي فى مثل تلك المحطات الأليمة التي مرت بالأمة ، ولعل أحداً من العلماء يجيبنا عن ذلك إن شاء الله .
سابعاً : تأجيل الدوري لن يؤثر على هيبة الدولة ولا الحكومة :
ولا يقال فى مثل الحالة التي نناقشها ، وإن كنا طوفنا فى النقاط بعيداًعن ذلك وبه أختم ، أن تأجيل الدوري سوف يؤثر على الاستقرار وعلى هيبة الدولة وأمنها .
ذلك كله من الترهات .. وأنت إن كنت ذا عزمٍ فكن ذا عزيمة ، لو أن لك كلمة وهيبة تحرص عليها فإت بدم الشهداء واقتص لهم قبل أن تغرق الأمة فى اللهو واللعب ، وتزعم أن هذه مهمة جهازٍ ما فى الدولة وليست مهمتك ، أنت شريك متضامن فى الحكومة ، قل للجهات السيادية أن اللعب واللهو سوف يكونان مثار استفزاز للمصريين طالما لم يقتص للشهداء ، وطالما لم توفر المنظومة الكاملة الكافية لجعل الرياضة والمنافسة الكروية وسيلة للارتقاء بالأمة والنهوض بها وصلاح نفوسها وأبدانها ، وطالما لم توفر هذه المنظومة ، فلا تشغلنا بمثل هذه الترهات والمنافسات الفارغة .
بل إن الهيبة الحقيقية هي فى أن تعطي قراراً تمتلك به أزمة الأموروتنحاز للجماهير فى مطالبها ، القصاص والمنظومة الرياضية العادلة هما وسيلتا الارتقاء والاستمرار ..
أما ما قبل ذلك .. فأنا متضامن مع الألتراس بسلوكي قبل كلامي ، وقد امتنعت عن مشاهدة مباراة السوبر - ولا حتى أرغب فى أن أعرف نتيجتها - كنوعٍ من القرف من المناخ كله ومن اللعبة ذاتها ، ثم كنوعٍ فعال من التضامن مع الألتراس ، واتمني أن يعي المسئولون سلوك الألتراس ويستوعبوه ويوقفوا منظومة الهجوم الإعلامي الشامل الظالم عليهم والتي امتدت للأسف فى جزء منها لبعض محرري جريدة الحرية والعدالة فيما لا أعلم أنه يمثل موقف الإخوان ولا موقف الحرية والعدالة ، بل إن ما تعلمته فى الإخوان والحرية والعدالة على العكس من ذلك .. والله أعلى وأعلم .
-------------

