د/ أشرف نجم*
رغمًا عني وحين قرأت خبر اجتماع الرئيس "محمد مرسي" بأبنائه الطلاب في الجامعات المصرية بكل اتجاهاتهم، وما لف الاجتماع من روح الأبوة والمودة، فاستمع إليهم واستمعوا إليه، وصارحهم وصارحوه، ووجههم ونصحوه.
رغمًا عني حين قرأت هذا الخبر قفزت إلى ذهني تجربة مريرة كنت شاهدًا عليها منذ بدايتها وحتى نهايتها، وكم ضحكت من الألم كلما تذكرتها أو تذاكرتها مع من حولي، لن أحكيها لكم، بل سأدع بطلها المهندس أحمد الريدي- رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة على أيامي– يحكيها لكم، فسأقتبس بعضًا مما كتبه تحت عنوان "ذكريات أيام الشقاوة" قال:
"الموقف ده بقى حدوتة تتعمل فيلم.. كان فيه اتفاق على مظاهرة تتعمل في جامعة القاهرة تضم وفودًا من جامعات تانية بتنادي بالمطالب المعتادة للحركة الطلابية في الوقت ده، وكانت بعد انتخابات غير رسمية لاتحاد طلاب الجمهورية (اللي مالوش وجود رسمي) وانتخبنا "أيمن علي" (الآن هو عضو لجنة الدستور ومستشار الرئيس لشئون المغتربين) رئيسًا لاتحاد الجمهورية.
تقابلنا ليلة المظاهرة للترتيبات وحضر اللقاء أ/ عصام سلطان كضيف لطرح أفكار بناءً على خبرته في العمل الطلابي.. وكعادته في إحداث الفرقعات الإعلامية وغير الإعلامية أدلى بدلوه وكان الدلو مختلفًا المرة دي.. اقترح أن يذهب وفد إلى قصر العروبة أثناء ذروة المظاهرة لطلب لقاء رئيس الجمهورية ممثلاً لطلاب مصر المتظاهرين في جامعة القاهرة، وقال: حاجة من اتنين يا إما هيقابلكم يا إما هيقولوا لكم ياللا امشي أنت وهو من هنا فتقعدوا على الرصيف قدام بوابة القصر وتتصوّروا وتنزل الصورة تاني يوم في "الوفد" وتحتها (مبارك يرفض لقاء طلاب مصر).
الفكرة بدت "نِمْيسة" فتحمسنا لها، وتم الاتفاق أن يضم الوفد: أيمن علي رئيسًا بصفته الجديدة والعبد لله ممثلاً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة اللي شغالة فيها الأحداث وأمين اتحاد طب المنوفية (أو طنطا مش فاكر) ممثلاً لطلابها على أساس ما نكونش كلنا من القاهرة والصديق المهندس أحمد بكوش ليقوم بأعمال التصوير على الرصيف وملحقاته.
تم الحشد المطلوب من القاهرة وخارجها وطافت المظاهرة على كل الكليات في الحرم الجامعي، و"بكّوش" كان بيسخّن بالكاميرا بتاعتي بتصوير لقطات للمظاهرة ولعربيات الأمن المركزي المحتشدة برة الجامعة، وعند وقت معين انطلقنا بعربية وورانا واحد في عربية تانية عشان لو حصل لنا حاجة يرجع يقول للناس.
وكان الاتفاق إن ما يتمّش الإعلان عن التحرك ده إلا بعد وقت كافٍ لوصولنا هناك عشان ما حدش يعترضنا في الطريق.. طبعًا ماكناش قايلين لأهالينا، مراتي كانت طالبة في تجارة وقتها وكانت حامل وما كانتش بتحضر ما تفهمش إيه اللي ودّاها المظاهرة يومها، بعد مرور الوقت المتفق عليه تم الإعلان من مبنى القبة: توجّه وفد من اتحادات الطلاب بمطالبكم للقاء رئيس الجمهورية فإما أن يقابلهم الرئيس أو يطلقوا عليهم النار والله أكبر ولله الحمد)، قالوا الأسماء ومراتي كان هيغمى عليها وطبعًا مافيش وسيلة اتصال.
ركنّا العربية في الجهة المقابلة للبوابة الرئيسية للقصر واتفقنا مع الأخ الناضورجي إن لو المغرب أذّن من غير ما نظهر يرجع يقول للناس إننا معتقلون، وصلنا للبوابة وبكّوش مجهز الكاميرا عشان نتصوّر ونمشي فدار الحوار التالي:
إحنا: سلامو عليكو
أمين الشرطة في كشك الحراسة: سلام ورحمة الله.. أيوة؟
إحنا: كنا عايزين نقابل الريس من فضلك
أمين الشرطة(مشدوهًا): نعم؟
إحنا: الريس.. كنا عايزين نقابله
أمين الشرطة: ومين حضراتكم؟
إحنا: وفد من اتحادات الطلاب
أمين الشرطة: طيب ثانية واحدة
دخل غاب شوية.. وبكوش بيجهز الكاميرا.. وبعدين رجع
أمين الشرطة: إحنا بلّغناه وهو بيستعد عشان يقابلكم
قلت في نفسي: يعني بيلبس الروب؟
وقفنا على جنب نستعرض الاحتمالات وبكوش مُحبَط.. واضح إن اللي هيحصل حاجة تالتة غير الاحتمالين اللي قالهم عصام سلطان.. شوية ولقينا مخبر بالبدلة الصيفي بيجري ناحيتنا من برة القصر وأول ما وصل دار الحوار التالي:
المخبر (في اللاسلكي): أيوة يا فندم أنا وصلت على البوابة وفيه فعلاً 4 هنا
صوت من اللاسلكي (بحدة): هاتهم وتعالى لي فوراً
المخبر: اتفضلوا معايا
وإحنا ماشيين معاه لحد شارع العروبة أيمن قرّب مني وقال بالإنجليزي: إحنا معتقلين بس هنكمّل.. أول ما وصلنا شارع العروبة سلّمنا المخبر أبو بدلة صيفي لضابط بلاسلكي ودار الحوار التالي:
الضابط: إنتو مين؟
أيمن: وفد اتحاد طلاب الجمهورية
الضابط: مين فيكم من جامعة القاهرة؟
العبد لله: أنا
الضابط (بعد ما سدد لي نظرة ذات معنى): طب اتفضلوا معايا
عدّينا الشارع ودخلنا من بوابة على الطرف التاني من شارع العروبة وأول ما دخلنا جم 4 عساكر رافعين الرشاشات وحاوطونا.. الضابط دخل المكتب وسابنا بره.. شوية وطلع واحد بورقة وقلم عشان ياخد أسامينا الرباعية
بكوش (وهو ماسك الكاميرا): أنا مش في الاتحاد
الراجل: مش مهم
خد الأسماء ودخل.. شوية وجه واحد بعربية فولكس فاجن بيتلز بيضاء (ودي كانت مشهورة وقتها لضباط أمن الدولة) بص علينا ودخل.. شوية وطلع واحد تاني ياخد الأسماء الرباعية برضه بس بكوش ماعلّقش المرة دي.. جه واحد تالت من برة بص علينا ودخل نفس المكان.
شوية ونادونا.. دخلنا المكان اللي كلهم كانوا فيه.. واستقبلنا قائد حرس أمن الرياسة بكل أدب، وهو اللي أدار الحوار والباقيين كانوا عامةً بيتفرّجوا.. قبل ما نتكلم خدوا أسامينا تالت.. قال إن فيه نظام للي عايز يقابل الريس وما ينفعش اللي عملناه.. قلنا إحنا مبعوثين من الطلبة المتظاهرين في جامعة القاهرة ومعانا مطالبهم من غير ما نخرج عن حدود اللياقة والقانون.. قال: اكتبوا مطالبكم.. أيمن كتبها.. قال: وقّعوها.. وقّعنا إحنا التلاتة.. قال: والرابع؟.. بكوش قال: أنا مش في الاتحاد.. قال له: مش مهم مادام جيت معاهم توقّع.. وإيه الكاميرا اللي معاك دي؟.. الكاميرا كان فيها الصور اللي سخّن بيها بكوش وأنا كنت قاعد جنبه فأخدتها وقلت للراجل: دي الكاميرا بتاعتي فلو عايز حضرتك الفيلم آهو.. وفتحت الكاميرا فاتحرق الفيلم.. قال: لأ هات الكاميرا زي ما هي.. فادّيتهاله (برضه قلة التكنولوجيا بتنفع يعني لو كانت كاميرا ديجيتال ماكنتش هالحق أمسح الصور).. المهم قعدنا شوية نتكلم في حاجات مالهاش لازمة بس تعاملهم المهذب والحذَر الواضح منهم إدّانا ثقة وشجعنا إننا نركب الحوار.. شوية ودار الحديث التالي:
أيمن: يعني هنقابل الريس ولا لأ؟
قائد الحرس: أنا ادّيت الورقة بتاعتكم لسكرتارية الريس والموضوع عندهم
أيمن: يعني نرجع نقول للناس الريس رفض يقابلنا؟
قائد الحرس (بتوتر): أنا قلت كدة؟ أنا بقول الموضوع مش عندي
أيمن: والرد هييجي إمتى؟
قائد الحرس: دي حاجة خارجة عن حدود علمي
واحد من الضباط الحاضرين: الريس أصلاً مسافر
العبد لله: لأ الريس رجع وده منشور في الجرايد
سكووووووووووت
قائد الحرس: طيب لو مثلاً مثلاً (مرتين) الريس بعت لكم الدكتور/ مصطفى الفقي (وكان وقتها سكرتير الرئيس للمعلومات) عشان يقابلكم ماشي؟
أيمن (بثبات): الناس بعتونا عشان نقابل الريس فلو مش هيقابلنا هنرجع نقول لهم مارضيش يقابلنا بدأ الوقت يمر والمغرب أذّن والأخ اللي بره هيقول للناس إننا معتقلون في حين إننا "راكبين ومدلدلين رجلينا".. قلنا لهم عايزين نصلّي المغرب.. بعد الصلاة قائد الحرس عرض إننا نمشي ونيجي الأسبوع اللي بعده نتابع الطلب فقلنا له: طب شوية كدة هنتشاور ونقول لك.. طبعًا الأمر كان محسوم"؛ لأن معظم الناس اللي في الجامعة كانوا روّحوا.. فاتشاورنا ووافقنا.
إحنا: طب هنمشي بقى؟
قائد الحرس: لا تمشوا إزاي؟ إنتو معاكم عربية؟
إحنا: آه
قائد الحرس: فيه عربية من عندنا هتوصلكم لحد عربيتكم
العبد لله: مالوش لزوم.. لو عايزين نمرتها أديهالكم
الضابط اللي قابلنا في الشارع: آه صحيح.. اكتب لنا نمرتها
قائد الحرس: لازم هنوصلكم
جت عربية بيجو بيضا وقفت قدام الباب وكل اللي كانوا في الأوضه سلّموا علينا بحرارة كأن همّ انزاح من على أكتافهم وركب الضابط قدام وإحنا ورا.. رغم إن المسافة قصيرة إلا إنه كان محتاج يلف لفة طويلة شوية لحد ما يوصل للعربية، كان العسكري اللي بيسوق أرعن في السواقة بالطريقة اللي العساكر متعودين يسوقوا بيها فالضابط قال له: لأ على مهلك لحسن يحصل لهم حاجة يقولوا إحنا اللي موّتناهم.. ولا تَسَلْ عن الابتسامة التي عَلَت وجوهنا.. وطبعًا كان أسعد الناس ليلتها عصام سلطان.
وطبعًا.. لم يقابلوا الرئيس لا في الأسبوع التالي.. ولا في أي وقت.. حتى اليوم.
بعد أن ابتسمتم.. رددوا معي: "الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الظلم إلى نور الإنصاف"
___________
* [email protected]

