محمد السروجي

بكل وضوح دعونا نضع النقاط فوق الحروف ونحن دائماً نتحدث عن المكاشفة والمصارحة والشفافية ، أطرح سؤلاً ثم أجتهد الإجابة عليه ، لماذا الهجوم غير الأخلاقي على الإخوان ؟ ومن المقصود في هذا التوقيت ؟ الجماعة أم الرئيس أم كليهما ؟! لذا أطرح وبوضوح بعض النقاط الكاشفة ومنها :

أولاً : الإخوان جزءٌ أصيل من الجماعة الوطنية المصرية له ثقل وتواجد شعبي لا ينكره أحد ، وأيضاً له رؤى تتفق حيناً وتختلف حيناً آخر مع باقي مكونات المشهد السياسي المصري

ثانياً : مفهوم الشراكة السياسية لدى الجماعة الوطنية بصفة عامة مازال مضطرباً ويحتاج المزيد من التفاهم والتنسيق والإنضاج ، التيار العلماني بجناحيه اليساري والليبرالي يرى أن الشراكة هي التزام الإخوان حرفياً بمطالب ورؤى التيار العلماني وأي خروج عنها يُعد كذباً والتفافاً وهكذا ، والشراكة لدى الإخوان لها مفهوم آخر يتلخص في قاعدة - نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه -،

ثالثاً : المسافة بين الرؤى المطروحة صغيرة جداً إن خلصت النوايا وتحررت الإرادات وهذا يحتاج لعقود طوال لنعيد بناء ثقافة وطنية جديدة غير التي ورثنها من عهود وعقود الاستبداد والفساد والقمع

رابعاً : التيار العلماني أخذ فرصته كاملة عقب قيام الدولة الوطنية في مصر وغالبية العالم العربي منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي حتى الآن، طرح رؤى متعددة مفادها إقامة دول على النمط الغربي ، وبعد عقود من الزمن كانت النتائج الكارثية بانهيار وتراجع مكان ومكانة وثروات حتى شعوب هذه المنطقة من العالم وفي الأخير إفراز نظم حكم عسكرية شمولية فاسدة

خامساً : من الطبيعي جداً أن يتخلى الناس عن هذا الفكر وهذه النظم الحاكمة بل وهذه النخبة الفكرية التي كانت وما زالت صانعة للقرار العربي والمصري ، كان من الطبيعي أن تصطف الشعوب حول نموذج جديد ربما يحقق لها ما لم يحققه التيار العلماني ، من هنا كانت المعركة ، التي كان من الأولى أن تكون معركة أفكار وبرامج وسياسات ، بمعنى أن تكون معارك تمدد وحدود لا معارك تمركز ووجود

سادساً : كالعادة تم استدعاء فزاعة الدولة الدينية والخوف على مدنية الدولة لدرجة مضحكة ومبكية في آن واحد "راجع تصريحات محمد أبو حامد وهو يستغيث بالعسكر للانقلاب على الرئيس الشرعي لحماية الدولة المدنية ، وفي نفس الوقت يصادم مشاعر المتدينين عموماً بقوله في أحد الكنائس المصرية : أن القاهرة أقدس من القدس والهرم أقدس من الأقصى " ، ثم استدعاء فكر الوصاية على الثورة التي خطفها أو سرقها الإخوان ، وتارة فقاعة التكويش بمعنى هيمنة الإخوان على مفاصل ومواقع الدولة في الوقت الذي لم يكن لديهم مسؤلاً واحداً في موقع قيادي في الجيش أو القضاء أو الشرطة أو الإعلام

سابعاً : تكراراً للسابق تم إطلاق مصطلح من النوع الزئبقي "أخونة الدولة "ولا أدري أهو تكرار لمصطلح التكويش أم له مقصد آخر ، أخونة الدولة في غياب مجلس الشعب وعدم وجود أي برلماني إخواني وفي وقت شكلت حكومة قنديل من 34 وزيراً ضمت 4 وزراء إخوان فقط وفي وزارت خدمية قاسية ومؤلمة ، وزارات على الخط الفاصل التي يطاح بهم في أقرب تشكيل وزاري "التعليم العالي – القوى العاملة – الإسكان – الشباب " ، وتارة أخونة الدولة بسبب التغييرات الجذرية في المؤسسات الصحفية الحكومية – 53 إصداراً – التي ظل التيار العلماني مسيطر عليها منذ الخمسينيات دون منازع ما جعلها الأولى في الفساد المالي والإداري بلا منافس ، وحجب قيادات وطنية شابه وقفت في الطابور حتى شاخت من الانتظار "لا يوجد رئيس تحرير واحد من الإخوان "

ثامناً : التيار العلماني يعاني حالة من الاضطراب لدرجة غير مسبوقة فعاش مع نفسه سباق محموم من الفك والتركيب لنفس الكيانات والأحزاب المصرية ضعيفة الأثر والتي تستهلك نفسها ووقتها بسياسة الجري في المحل ، فبدلاً من التواجد الميداني والتواصل المجتمعي والحركة للأمام انشغلوا بتكرار نفس النمط القديم ، تحالفات وائتلافات وتيارات ، تارة باسم التيار الثالث على أساس أن الأول والثاني هما الإخوان والعسكر ، وبعد إزاحة العسكر كان التيار الشعبي بهدف تجميع كل القوى السياسية في تكتل واحد ضد الإخوان

تاسعاً : السجال السياسي مطلوب ومشروع بل هو أهم مظاهر الممارسة الديمقراطية الحضارية ، لكن يبقى السجال في مربعات مساحات الحدود لا مناطق الوجود ، بمعنى الحرص على حق الجميع في الوجود والتنافس المشروع ، لا حرص البعض على إقصاء أو عزل أو حذف البعض الآخر ، هذه هي الديمقراطية المنشودة في مصر الثورة .

عاشراً : التاريخ والواقع يؤشر لقياد جماعة الإخوان للمشهد السياسي الحالي بل لقطار النهوض بمصر الثورة لاعتبارات كثيرة وإمكانات متاحة للجماعة غير متاحة لغيرها على المستوى البشري والتنظيمي والمادي ، وهذا ليس بدعاً لكنه طبيعة الأشياء في كثير من الدول والمجتمعات ، وهذا بالطبع يصب في صالح مصر الثورة طالما كانت هناك شراكة وطنية على أساس منظومة من القيم الديمقراطية التي تدفع بالبلاد للأمام وليس للخلف

خلاصة المسألة ... الشعب المصري متدين بفطرته ولن يستطيع أحد نزع هذه الفطرة منه بل وليس مطلوب هذا ، ويجب أن يتحرر السجال السياسي من عقد الالتزام العقدي على مستوى الشكل والمضمون والممارسات ، بمعنى تبقى المرجعيات والممارسات حرية شخصية وحق مكفول ، ويبقى التنافس سياسياً وطنياً بمقياس وحيد هو الخيار الشعبي والصندوق الانتخابي شرط عدم فرض الوصاية النخبوية أو الدينية معاً .

_____________
كاتب مصري