حازم سعيد :
لن أطيل عليكم فى هذه المقالة فهي أقرب للعاطفة وليست للتحليل بعد الخطاب الموفق الرائع الذي ألقاه الرئيس مرسي اليوم فى عقر دار الشيعة ، والذي هو دليل وبرهان على العزة العائدة لمصر وللمصريين ، والذي هو مدعاة للفخر ، والذي هو موجب لحمد الله وشكره على توفيقه لنا بهذا الرئيس الرجل الشجاع .
ولو أردت تحليل خطاب الرئيس مرسي اليوم فى إيران لكتبت مجلداً ، ولكني هنا أكتفي بإشارات ، تاركاً المجال لعواطف وخواطر وخيال كل قارئ من قرائنا الكرام لينطلق فى فكره وتدبره إلى مجالات أوسع وأرحب مما فى هذه المقالة .
وضوح العقيدة .. والإعلان الواضح عن الثبات على المنهج
لطالما اتهم كثيرون الإخوان بأنهم قوم متميعو العقيدة ، يحبون أن يظلوا فى منطقة الطيف ، وأنهم يختارون من ألفاظهم ما يدع مجالاً للشك ، خاصة فى القضايا الشائكة التي منها العلاقة مع الشيعة .
ولطالما اهتممنا بالرد فى منتدياتنا وجلساتنا الخاصة مع أصدقائنا وأحبابنا من السلفيين وغيرهم ممن ألقوا علينا هذه التهم ، ولم نمل من الرد مع بعدنا الدائم عن الجدل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً لما ندبنا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم من البعد عن ذلك .
والآن قدر الله لنا رئيساً عزيزاً شريفاً حافظاً لكتابه الكريم - من الإخوان - يبين الهوية ويوضح المنهج والثبات عليه ، ولا يمالئ عليه ولا يماري ، ولا يهادن بحجة ساس ويسوس وسياسة ، وهو فى عقر دار الشيعة يوضح المنهج بقوة وعمق وثبات .
ما أروعها كلمات شنفت الآذان ورفعت الرؤوس ، وأسالت منا الدموع ، وأنت تنطق بها صريحة مدوية : " وارض اللهم عن ساداتنا أبى بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين " ... وأين ؟ فى عقر دار الشيعة الذين يلعنون من يطلقون عليهما " صنمي قريش أبي بكروعمر " ليل نهار بمنتدياتهم ومجالسهم .
ما أروعها من كلمات ، وما أعظمه من وضوح وحسم ، وما أبهرك من رجل وقائد وإمام ، ولقد قرأت لبعض مشايخ السعودية اليوم على " التويتر " مقارنة بين موقف الدكتور مرسي وموقفٍ آخر حدث مع أحد أئمة الحرم المدني حين أوقفته حكومة السعودية منذ سنين بسبب أنه دعا لأبي بكر وعمر وترضى عنهما أمام رافسنجاني أثناء زيارته للحرم ، فما أعظم الموقف وأروعه حين تقف أمامهم صادعاً بالحق لا تخاف فى الله لومة لائم .
والرجال مواقف ..
وموقف سوريا هذا وحثك دول عدم الانحياز على نصرة الشعب السوري المجاهد ضد الحكومة الغاشمة الظالمة ، واستعداد مصر بمبادرة واضحة لاتخاذ إجراءات تردع حكومة بشار غير الشرعية وتناصرالشعب السوري المجاهد .
إنه موقف من مواقف العزة ، مواقف المعتصم ومواقف هارون الرشيد التى طالما تمنينها وحلمنا بها .
لقد ذكرتني يا دكتور مرسي وأسلت مدامعي بأحلامي البكر وأنا فى الكلية وأنا أتمني لبلادنا حاكماً عزيزاً له كلمة يقف مثل هذه المواقف الرائعة .
ولطالما ( تمحكنا ) بأردوغان لمثل هذه المواقف ، كان عندنا يوماً ما زعيماً واحداً ، والآن صارا اثنين فبارك الله فى أردوغان وبارك الله فى ثاني اثنين ورزقنا مثلهما عن قريب فى باقى دول العالم وعلى رأسهم سورياً ... اللهم آمين .
إن الرجولة موقف ، ولقد قدمت اليوم درساً فى كيف تكون المواقف يا أيها الرجل النبيل ، فبارك الله لك وجعل كلماتك التي نطقتها فى ميزانك يوم العرض عليه أنك نصرت المقهورين والمظلومين ، ولم تسكت عن الظلم ، بل ودعوت العالم كله لمناصرتهم ، فنعم الرجل أنت ، ونعم الموقف موقفك .
استعادة مصر لدورها الريادي
إن الخطاب الشامل الجامع الذى قاله الدكتور مرسى ، وما حواه من دعوات للأمم المتحدة أن تغير موقفها من الدول الدائمة العضوية وأن توسع مداها ومن دعوته للأمم المتحدة كي تجعل لأفريقيا عضوية بهذه الفئة من الدول ، ومن شكره لدول هي عدوة لأمريكا وإسرائيل ككوريا .
إن كل هذا الكلام يعكس تغيراً واضحاً فى مكانة مصر واستعادتها لكامل هيبتها بل وريادتها ، وإذا أردت دليلاً على ذلك عزيزى القارئ فعد بعينك مرة أخرى لصورة المقال وأنت ترى كيف أن كل زعماء العالم يتوجهون بأنظارهم إلى الرئيس مرسي ويترقبون تصرفه ، فى موقف يعكس زعامة من طراز فريد .
إنها زعامة مواقف وأفعال قبل الكلمات ، إنها زعامة إمام عادل فاقت فى حجمها ونطاقها وظروفها ما كان عليه عبد الناصر فى الستينات أو السادات فى السبعينات من القرن الماضي .
لقد أكدت مصر بهذه الكلمات كامل استعادتها لهيبتها وزعامتها وريادتها ، ليس بين أفريقيا ولا بين العرب والمسلمين فحسب ، بل وفى العالم كله ، ولله الحمد من قبل ومن بعد .
التروي والحكمة والصبر .. درس مستفاد
إن موقف من عارض زيارة الرئيس لإيران ، وهذه الكلمات الرائعة والمكاسب الهائلة التى تحققت بهذا الخطاب بعد ذلك يعكسان وينتجان درساً مستفاداً ينبغى لنا أن نقف معه ونتأمله ، وهو الدعوة إلى التروي والحكمة والصبر والتعقل قبل أن نطلق الأحكام .
فلقد علا صوت المعارضين أن فى هذا تقوية لموقف الشيعة ضد السنة ، وكذلك مناصرة وتأييداً لإيران الظالمة التي تدعم حكومة بشار العلوي الطائفية ليرتكب المذابح ضد السوريين السنة ، ولكن كلمات الرئيس وموقفه المحرج للشيعة جعلا من الزيارة ونتائجها شيئاً رائعاً .
وكانت الزيارة كلها إيجابيات بهذا الخطاب وحده ناهيك عما قيل فى الجلسات الخاصة ، ومالت ورجحت كفة الإيجابيات ، بل وطاشت كفة السلبيات .
إنه درس عملي أزعم أنه ليس فقط لكل من عارض زيارة إيران ، بل لكل من عارض اختيار مرسي رئيساً للبلاد من قبل .
وهو درس عملي لكل من يريد أن يتعلم وينتفع ، أن القرارات الجادة والأمور لا تؤخذ بظواهرها ، بل على كل إنسان كي يعارض ويتخذ موقفاً نقدياً سلبياً إزاء قرارٍ أو شخصٍ ما أن ينتظر ويفكر ويتدبر ويضع نفسه مكان متخذ القرار يضع الخيارات ويحللها ويتروى ويتعقل ويصبر ، لأن الأيام الحبالى تأتي دائماً بأمور على عكس ظواهرها ، وهذا ما فعلته فينا زيارة إيران ، فالحمد لله أولاً وآخراً .
-----------

