حازم سعيد :
 
أما كلمة نجاح فى العنوان فهي أقصى ما أملك أن أكتبه كنوعٍ من السخرية والاستهزاء - المشروعين فى حق أمثال من ذكرت أسماءهم بالعنوان - على صفحات هذا الموقع العف الكريم ، وإلا فإن ما حدث هو عين الفشل بلحمه وشحمه ، وعين الخيبة القوية التى حاقت بمنظمي هذه الفوضى التى شاء الله سبحانه لها ألا تكتمل .
 
لهذا الفشل الذريع الذي تحقق أسباب عديدة نذكر بعضها فى هذه المقالة - بمحاولة إيجاز - :
 
أولاً : تظاهرات بلا دوافع :
حقيقة الأمر أن هؤلاء الداعين لا يمتلكون دوافع جادة وحقيقية لهذه التظاهرات ، ولا يمتلكون مبررات مقنعة ، كل ما فى الأمر أن هؤلاء يرفضون فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية بما لهذا الفوز من دلالات على تواجد الإخوان بصدارة المشهد سواء عينوا وزراء أم لم يعينوا ، فرئيس إخواني كان عضواً بمكتب الإرشاد ورئيساً لأول حزب تؤسسه الجماعة بعد الثورة يعكس بالطبع حكم الإخوان .
الداعون للمليونية راهنوا حين خططوا لها على تواجد العسكري بالمشهد ، وأنه سوف يناصرهم سواءاً بحشود كما كان يحدث قبل إعلان نتيجة الرئاسة أو بعدها عند المنصة بمدينة نصر ، وأن العسكري سوف يتدخل ويزيح مرسي بعد تأزم المشهد ، ولكنهم أسقط فى أيديهم بعد أن أعلن الرئيس قراراته الجريئة القوية بعزل المشير وعنان وما يعنيه من حل العسكري وكذلك إلغاء الإعلان الدستوري المكمل .
لم يجد هؤلاء مبراراً بعد ظهور قوة الرئيس مرسي ، فما كان منهم إلا أن تراجعوا عن دعواتهم بحرق وتكسير واقتحام مقرات الإخوان والحرية والعدالة ، وادعاء سلمية تظاهراتهم ، ولما لم يجدوا مبرراً مقنعاً قالوا أنها لإسقاط حكم الإخوان ودولة المرشد ، وهي الشعارات الجوفاء المطاطة العامة الواهية التى كانت كفيلة بإسقاطهم وإفشالهم .
 
ثانياً : قرارات الرئيس :
لقد أظهر الرئيس وجهاً غير الذى ظنوه عليه بقرارات جريئة ، أعطت دلالات واضحة على عمق وقوة شخصية الرئيس ومؤسسة الرئاسة ، وحولت البلد من الحكم العسكري والانتقالى إلى الحكم المدني بمنتهى الوضوح .
هذه القرارات اليومية الرائعة للرئيس والتى منها إقالة مدير المخابرات وقادة مناطق عسكرية ومدير أمن ، ثم عزل المشير وعنان فى صورة تكريم ، وكان آخر القرارات الرائعة منع الحبس الاحتياطى للصحفيين .
مع التحسن الملموس والملحوظ فى نوعية خدمات - كانت وصلت من السوء منتهاه - كتوقف الانقطاع عن الكهرباء ، هذا كله يقضى على أي دوافع لمعارضة مؤقتة قد تولد خلال المدة القصيرة التي تولى فيها الرئيس مرسي .
تنعدم دوافع المعارضة لأسباب منها الخوف من قوة وسطوة شخصية الرئيس وتملكه للأمور ، وكذلك لأنها تفقد هؤلاء الفشلة  مبرراتهم ، وتجعلهم يغردون منعزلين عن الشعب المصري الذى لا يجد لهم دوافع ولا أسباب .
 
ثالثاً : قصر مدة تولي الرئيس :
وهي المدة التي تفرغ دعاوي هؤلاء من أي مضمون منطقي أمام أي عاقل ، حيث حقيقة الأمر أن الرئيس مرسي لم يكد يستلم الحكم بعد ، وأن ما مكثه فى الحكم لم يتجاوز الستين يوماً منهم شهر بلا رئاسة حقيقية وبلا حكومة ، وكان عبارة عن احتفالات تخرج لطلاب الأكاديميات العسكرية والشرطة .
وهو ما يفرغ الدعوي من أي مضمون كفيل بأن يجلب ولو أنصاف العقلاء ليخرجوا مساندين لها ومناصرين ، فلم يقتنع أحد لا من القوى الثورية ولا من عموم الشعب المصري ليؤيد هؤلاء الفاشلين .
لكي تخرج على رئيس وتعتبره مخطئاً أو مستلزماً للخروج فلابد أنك ظللت مع مظالمه وقتاً بلغ فيه السيل  الزبى ، أما وأنك لم تتنفس بعد هواء حكمه ، ولم تشرب من مائه أو تأكل من طعامه أو ترى البلد فى عهده ، فكيف تخرج عليه ؟! إنها مراهقة سياسية فجة ، وفوضى غير خلاقة دعوا إليها الشعب ورفض دعوتهم وأفشلها وأسقطها .
 
رابعاً : التعامل الحكيم مع التظاهرات :
لقد كان من أهم أسباب نجاح ثورة 25 يناير في إقصاء المخلوع حسني مبارك ونظامه الطاغوتي ، الخطوات الفاشلة التي تعاملوا بها مع الثورة ، بدءاً من الاستخفاف بالقوى الوطنية التي شاركت فيها ، ومروراً بقطع الاتصالات وانسحاب الداخلية وإعطاء الزمام للبلطجية لتخريب أقسام الشرطة ، وانتهاءاً بالقمع الأمني الشديد والذى تجلت أقصى وأقسى صوره فى شهداء الثورة وبلطجة موقعة الجمل ، وهي الأمور التي أججت الثورة وأشعلتها ، وأشعرت الناس أنه لا أمل فى ذلك النظام البائد أبداً ولا في وعوده .
وفى المقابل فإن الصورة العكسية من الرشد والنضج الذي تعاملت بها مؤسسة الرئاسة والرئيس ، ومروراً بالتصريحات الإعلامية والبيانات ومقابلات الرموز الناضجة للإخوان والحرية والعدالة والتي أيدت فيها حق التظاهر السلمي بشروط عدم الإخلال بالأمن العام ، وعدم الاعتداء على المؤسسات العامة والشخصية ، وعدم اللجوء للعنف والتخريب ، وخلاف ذلك فإنه من حق أي أحد التظاهر مهما كانت الأسباب ، بل وشجع بعض الرموز الإخوانية منظمي التظاهرات إلى تشكيل وفود ليقابلوا الرئيس ويسلموه مطالبهم .
أقول إن النضج مر بمحطات منها تعامل الداخلية الناضج مع الحدث وعدم اللجوء لا للرقابة ولا للعنف ولا لاعتقالات أو ضرب أو .....
كل ذلك كان سبباً فى إطفاء النار المتوهمة ، وعدم تأجيج هذه الدعوات أو تحويلها لغضب شعبي ، وهو ما فرغها للمرة الألف من مضمونها وجعلها تبدو فى صورة الفشل الذريع والرهيب ، وحولت أصحابها لمجال للنكات والقفشات ، والتي منها أن بعضهم قال فى منتصف يوم الجمعة أن منظمي التظاهرات قد خرجوا للشوارع وأنهم يمكن رؤيتهم بالعين المجردة ، كصورة من صور الاستخفاف بهم واحتقار عددهم وشأنهم .
 
خامساً : اختلاف الحسابات والمناخ والأجواء عن ثورة 25 يناير :
كل المناخات والأجواء فى ثورة 25 يناير تختلف اختلافاً جذرياً عن هذه الثورة المتوهمة التي فشل منظموها فى أن يقنعوا الناس بها .
وبالحسابات المجردة ، فإننا إن أخرجنا الإخوان من المشهد ومعهم مؤيديهم السلفيين ، وأخرجنا معهم كافة القوى الثورية الراضية الآن بحكم الرئيس مرسى والتى شاركت فى ثورة 25 يناير ، ومعهم كمية الحانقين والذين بلغ معهم السيل الزبى فى ثورة يناير ، وهؤلاء بمجموعهم لو زعمت أن نسبتهم تصل إلى الأربعين فى المائة من المصريين فلن أكون مخطئاً .
أضف إليهم ما يقرب من 50 % أغلبية صامتة مصرية بين أطفال وشباب لم يبلغوا سن الثورة بعد وعاملون بالخارج ، وبين شيوخ ونساء لا يخرجون بالطبيعة فى مثل هذه الاحتفاليات ، مع الأغلبية الصامتة التي كانت أقصى إيجابيتهم أن ذهبوا يدلوا بأصواتهم فى الصناديق ، مع عدم مشاركتهم أبداً فى أي مشاهد ثورية .
فلا يتبقى لهم سوى نسبة عشرة فى المائة ليحاولوا التحرك معها لحشدها ، وبكل الأسباب التي ذكرتها سابقاً لم يستطيعوا أن يحشدوا ولو واحد فى المائة من الشعب .
إن كل ما راهنوا عليه فشل ، فالأجواء تختلف عن 25 يناير ، والظروف تغيرت ، والأرقام مختلفة ، ولا يوجد حنق أو غضب شعبي أمام الرئيس المنتخب بانتخابات نزيهة شفافة - إلا من ممارسات أنصار الخصم شفيق بتزوير جزئى محدود أو بشراء الأصوات - ، والتعامل من قبل الجهات الحاكمة والمتغلبة مختلف ، كل الظروف والأجواء مختلفة ، فما كان لهذه الدعوات سوى أن تفشل هذا الفشل الذريع .
 
وأخيراً : نستطيع أن نخرج بعدة دروس مستفادة منها : 
أنه ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة فأمثال الممول أبي حامد وشركاه ومن مولهم لن يكونوا أبداً مثل النائحة الثكلى التي هي نحن أبناء الثورة الذين جربنا الاعتقال والتشريد والإبعاد والقهر والاضطهاد والقمع والحرمان من الرأي والتعبير عنه والحرمان من الوظائف بسبب الانتماء السياسي ، والحرمان من الدرجات العلمية والترقي بسبب هذا الانتماء ، فما كان لثورة هؤلاء أو لدعاويهم أن تستوى مع ثورتنا المباركة التي أنفقنا فيها من حر أموالنا وأقوات عيالنا وأوقاتنا وأجسادنا ولله الحمد أولاً وأخيراً .
 ومن الدروس المستفادة أنهم أعطوا الفرصة لمصر كي تستقر وتتخلص من هذه المراهقات السياسية التي انتحرت وقتلت نفسها بنفسها بهذه الدعوى الفاشلة ، كما أنهم مهدوا الطريق لحكم الرئيس مرسي وأعطوه استقراراً فوق الاستقرار ، حيث أن فشل هذه المراهقات يعطيه تفرغاً للعمل الجاد المثمر البناء ...
ولقد صبت نتائج اليوم كلها فى صالح الرئيس مرسى والحرية والعدالة والإخوان ، ولو أني فى مكان منظمي هذه الدعوات والتظاهرات لانسحبت من الساحة وأعلنت اعتزال العمل السياسي ، لأنها فضيحة ماحقة وفشل ذريع يستحق أن يسجل فى الموسوعات العالمية للأرقام القياسية ، إنها فضيحة بكل المقاييس ، لا أعلم هل سيدركونها أم لا ؟
-------------