يصعب حصر تداعيات وتفاعلات القرارات الثورية التي أصدرها الرئيس محمد مرسي أمس الأحد (12/8/2012م)، لكن سنعرض في النقاط التالية لأبرزها وأهمها:

1- عزل وتعيين القيادات العليا للقوات المسلحة، يعني للوهلة الأولى أن أهم سمات الحكم العسكري -وهي استقلالية القوات المسلحة عن السلطة المدنية- قد سقطت، الآن أصبح لدينا رئيس مدني يملك إقالة القيادات العسكرية ويترأس مجلس الدفاع الوطني الذي يُفترض أن تكون أغلبيته مدنية في الدستور الجديد، وهذا يعني عودة الجيش نظريًّا وعمليًّا إلى الثكنات.

2- لن يمكن الاطمئنان إلى زوال الحكم العسكري إلا بمعرفة موقف القادة الجدد، وكيف ينظرون إلى الرئيس المدني، هل يعتبرون أنفسهم وارثين لنفوذ سابقيهم، أم أنهم يبدءون مرحلة جديدة ينسحب فيها العسكر تمامًا من المشهد السياسي؟ وهل يقرون فعلاً للرئيس مرسي بأحقية العزل والتعيين في المستقبل؟

3- جمع الرئيس للسلطة التشريعية مع التنفيذية يمثل حركة ذكية؛ لأنه سيتحول إلى عامل ضغط على القوى السياسية حتى لا تعرقل عمل الجمعية الدستورية؛ لأن أي تعطيل لها سيعني تأخير الانتخابات التشريعية، وبالتالي استمرار جمع الرئيس للسلطتين.

4- الدعاوى حول الاستئثار بالسلطة مجرد تُرَّهات لا قيمة لها، فالدستور الجديد أقر بالفعل النظام المختلط الذي تتقلص فيه سلطة الرئيس كثيرًا، ولو كان الإخوان يضمرون نوايا استئثار، لناضلوا من أجل النظام الرئاسي بعد فوز مرسي.

5- النصر الكبير الذي تحقق أمس يحمل في طياته مسئوليات جسامًا، فالآن لم يعُدْ هناك عذر حول تداخل السلطات أو تقلص الصلاحيات، وكل ما في البلد من قصور وسلبيات سوف يُواجَه بها الرئيس والحكومة، دون أن يكون هناك جهة أخرى تشارك في تحمل العبء.

6- أعتقد أن معركة بعض القوى السياسية الآن مع الرئيس مرسي سوف تتركز على أمور، في مقدمتها المطالبة بإعادة انتخابات الرئاسة بعد الدستور الجديد.

7- بدأ العباقرة في التحدث، كلٌّ يُدلِي بدلوٍ كان فارغًا قبل أيام، فإذا بصاحبه يريد أن يقنعنا بامتلاء دلوه دومًا، فيتحدث بعضهم عن معرفة وثيقة باتفاق قديم مع العسكر على الخروج الآمن، بينما يتحدث آخر عن معلومات موثوقة عن انقلاب عسكري وشيك استبقه الرئيس بقراراته.

المشكلة هنا ليست في اتفاق قديم أو جديد، أو في خروج آمن أو غير آمن، إنما نحن نتعامل مع واقع على الأرض يتجلى في انسحاب العسكر من الحياة السياسية، ألاَ يُعدُّ ذلك نصرًا حقيقيًّا بغض النظر عن الطريقة أو التوقيت؟

8- خارطة القوة غير واضحة الآن، فنحن لا نعلم ما هي القوة الحقيقية لبقايا الفلول بدون العسكر؟ هل يتراجعون وينسحبون من المعركة، أم يواصلون التمرد؟ وهل يعني انسحاب العسكر أن جهود إعاقة الرئيس سوف تتلاشى؟ أم تظهر مراكز قيادة جديدة أو ربما كانت قديمة خفية؟

وهل يملك رموز نظام مبارك آليات للتحرك في ثنايا المشهد السياسي؟ وهل تنحل عصابات العادلي وتتفكك منظومة أمن الدولة أم تظل متماسكة؟ وماذا عن إعلام الفلول، ما المعركة التي سيناضل من أجلها في المرحلة القادمة، أم أنه سينسحب أو يغيِّر جلده؟ طبعًا أعني الممولين وليس الأبواق المستأجرة.

9- ليس مستبعدًا أن تُعاود بعض القوى السياسية التجمع والتحالف والتنسيق من أجل إعاقة عمل الرئيس، وحشد الاحتجاجات الشعبية في طريقه تحت شعار المعارضة السياسية المتدثرة بمطالب طائفية.

10- الموقف الخارجي مبهم، إذ لا يُعرف على وجه الدقة توقيت معرفتهم بما حدث، وهل تفاجئوا به مثل غيرهم؟ من الطبيعي حدوث اتصالات بينيَّة تبحث عن تطمينات لا شك أيضًا أنه تم إرسالها، لكن ما يجمِّد قدرة التحرك الخارجي هنا هو التوقيت النموذجي لهذه القرارات الثورية، فلا أحد في الداخل أو الخارج يعرف ماذا سيحدث في الانتخابات القادمة، أو هل يبقى الرئيس أم يرحل؟ لذلك ستظل المواقف النهائية معلقة حتى يستقر النظام على صورته الجديدة بعد الدستور والانتخابات.

11- مع سقوط العسكر ومن قبلهم مدير المخابرات، فإن تحركات أبو حامد وبكري وعكاشة ستكشف مَن الذي كان يقف وراءهم.

12- لو بقي الإعلام الحكومي على حاله، أيْ تبنِّي العداء للقوى الإسلامية والوطنية، فإنّ ذلك سوف يثير علامات استفهام حول: مَن يحرك من؟ وسيطرح تساؤلات حول رأس الحية وذيلها.

13- ما يحرك المؤامرات ثلاثة عوامل: النفوذ السياسي - المال - الخارج..

العامل الأول سقط مع انتهاء حكم العسكر، لكن بقي عاملان آخران يمكن أن يكون لهما تأثير سلبي على المشهد السياسي الداخلي في المرحلة المقبلة، ويحتاج كل منهما إلى إستراتيجية خاصة للتعامل.

14- عملية التطهير لا يمكن أن تتوقف، فهذه فرصة ذهبية، وليكن البدء بالإعلام والقضاء.

15- لا يمكن للإخوان أن يواجهوا المرحلة القادمة بمفردهم، فمن المهم تطوير تحالف الجبهة الوطنية ليشمل عددًا أكبر من القوى والرموز الوطنية المخلصة، هذا إجراء بالغ الأهمية؛ حتى لا ننزلق إلى صراع سياسي أهليّ لا ينتهي.

16- المرحلة القادمة حرجة للغاية، فقد يكون سيناريو الفوضى السياسية أو ما يمكن تسميته "العصيان السياسي" هو السمة الأبرز أو الوسيلة الأمثل لمن يرفض سياسة الرئيس وانتماءه، وهذا أمر يجب التنبه له جيدًا في اتخاذ القرارات وبناء التحالفات، ولنتأمل في تصريحات أبو حامد عن المسئول الأمريكي الذي أخبره أنهم لو نجحوا في حشد مائة ألف ليبرالي أيامًا متتالية ضد الإخوان، فإنّ بلاده يمكن أن تتخذ موقفًا مؤيدًا لهم!

والله غالب على أمره.