لم تفرح قوى الثورة المصرية بأحد في التشكيل الوزاري الجديد مثل فرحها بالمستشار أحمد مكي، وزير العدل الجديد، الرجل الذي يحمل وقار القاضي وهيبة القضاء، وتاريخًا كبيرًا من النبل والصلابة في وجه الطاغية والنظام السابق من أجل استقلال القضاء وحرمته.

وبطبيعة الحال كل فلول النظام السابق والفاسدين في مؤسسة العدالة سيغضبون من اختياره، ويتحسسون رءوسهم وربما خزائنهم والأراضي التي "هبروها" بالتواطؤ مع مؤسسات النظام السابق؛ ولذلك سيحاولون إعاقة الوزير الجديد عن تحقيق آمال الوطن من إصلاح القضاء، وإنجاز استقلاله التام عن السلطة التنفيذية، وإعادة الهيبة لهذه المؤسسة التي تعتبر العماد الأساس لأي مجتمع إنساني متحضر.

الاحتجاج على الحكومة الجديدة كان متوقعًا حتى لو كانوا جميعهم من الأنبياء المرسلين! ففي مصر الآن أصل فلسفي جديد "أنا أحتج إذن أنا موجود". هناك مَن يشحذ أسلحته للاحتجاج والمعارضة على أيّ قرار يصدر بدون معرفة القرار؛ لأن الهدف هو الاحتجاج والاعتراض؛ إمَّا بالرغبة في إثبات الذات أو تسجيل الحضور الإعلامي، وإمّا حسدًا من قِبل بعض من تجاهلهم الاختيار، وإمّا تربصًا بالنظام السياسي الجديد والرغبة المحمومة في إفشاله.

بدون شك فإنّ بعض التحفظات لها وجاهة نسبية، مثل وجود عدد غير قليل من وزراء الحكومة السابقة، وما قيل عن أن بعضهم ينتمي إلى الحزب الوطني السابق، ولكن تلك المسألة أصبحت تحتاج إلى تفصيل ومراجعة، فليست العبرة بأن ينتسب أحد إلى ذلك الحزب، فقد كان أشبه بمستودع إداري ضخم لإنجاز مصالح أو الحماية من بطش السلطة وتنكيلها، والبعض استخدمه للتربح والفساد وكان شريكًا في ذلك كله، ومن ثَمّ ينبغي أن نفرِّق بين حالة الشيخ أحمد الطيب مثلاً شيخ الأزهر وصفوت الشريف، وكلاهما كان عضوًا في الحزب.

وأما الاحتجاج على وجود أربعة أو خمسة من أعضاء حزب الحرية والعدالة، ذراع الإخوان، في الحكومة فإنه احتجاج مثير للدهشة فعلاً؛ إذ إن المنطق الديمقراطي أن يكون الثلاثون وزيرًا بالكامل من حزب الحرية والعدالة، بوصفه صاحب الأغلبية البرلمانية في الشعب والشورى، فالطبيعي أن يكلفه رئيس الجمهورية بإنجاز الحكومة الجديدة، ولكن لما كان هناك تعهُّد سابق من الرئيس الجديد بأن تكون الحكومة الجديدة توافقية، وأن لا يمثل حزبه فيها الغالبية، فقد حرص على الالتزام بذلك واكتفى بخمسة وزراء من بين حوالي ثلاثين وزيرًا؛ أي أقل من خمس الوزارة!

وبدلاً من تقدير هذا الالتزام، يحاول البعض أن يثير زوابع كاذبة عن وجود عدد "كبير" من الإخوان في الحكومة، والذين يغمزون -مثلاً- في اختيار "الصحفي" الإخواني صلاح عبد المقصود وزيرًا للإعلام ويسألون عن تاريخه، لماذا ابتلعوا تعيين "العسكري" قبل عدة أشهر "للصحفي" الوفدي أسامة هيكل وزيرًا للإعلام، وكان بلا أي تاريخ سوى أنه مراسل عسكري مقرَّب من بعض قادة المجلس العسكري؟!

هل الوزارة حلال على حزب الأقلية حرام على حزب الأغلبية؟!

إن على هؤلاء جميعًا أن يؤهلوا مشاعرهم وأفكارهم على مواجهة حكومة الإخوان المسلمين المقبلة بالكامل، ثلاثين وزيرًا إخوانيًّا، سيأتون ديمقراطيًّا بموجب الأصل الدستوري والأخلاقي (التداول السلمي للسلطة)، وإذا أراد المعارضون أن يوقفوا هذا السيناريو ديمقراطيًّا، فعليهم -بدلاً من المهاترات والشو الإعلامي- أن يبدءوا من الآن الإعداد الجيد للمعركة الانتخابية المقبلة لانتزاع مساحة برلمانية تجبر الإخوان على تشكيل الحكومة ائتلافيًّا، وتمنعهم -بقوة الشعب والخيار الديمقراطي- من أن ينفردوا بتشكيلها.

وأما هؤلاء المتعجرفون الذين يقلِّلون من "شخصية" الوزير أو رئيس الوزراء، فأغلب الظن أنهم يعيشون بخواطرهم وحسهم الباطني أجواء نظم القمع والفرعونية السابقة، عندما كان الوزير طاووسًا ويأخذ جزءًا من هيل وهيلمان الدكتاتور الأكبر، ويمكن أن يَقتل حرسُه أو موكبه مواطنًا في الشارع دهسًا ويمضي في حال سبيله كأنه داس على فأر..!

مصر التي ثارت على ذلك الإرث الفرعوني الوحشي المهين تتأهب الآن للتعايش مع الوزير المواطن العادي، الذي يمشي في الأسواق ويقف في إشارة المرور، ويمكن أن يستقل المترو إذا تعطلت سيارته، أو كان المرور متوقفًا في طريقه إلى مكتبه.

المصدر: صحيفة المصريون.