م/ محمد شكري علوان

 تمهيد :-

كثرت الاضرابات والإعتصامات والاحتجاجات في السنوات الأخيرة بصورة أصبحت تمثل ظاهرة يجب الوقوف عندها ودراستها ، ولقد كان لها من الايجابيات الكثير وخاصة في مقاومة ظلم وجور النظام المخلوع ، ونظرا لخطورتها وتأثيرها علي العمل والمجتمع ونحن في مرحلة فارقة من تاريخ مصرنا الحبيب ، حيث من الله علينا بزوال دولة الظلم والنهب،  واسترد الشعب إرادته وحريته ، نشارك بهذه السطور في نشر الوعي تجاه هذه الظاهرة الحساسة .

· يعد الإضراب أحد وأخطر الوسائل التي يملكها العمال والجماهير للدفاع عن مصالحهم المختلفة وخاصة المهنية ، وأصبح عنصرا من عناصر الحريات العامة الأساسية ، ولهذا  تضمنت معظم الدساتير العربية منها أو الغربية حق الإضراب كأحد الحقوق الأساسية للفرد فضلا عن المواثيق والمعاهدات الدولية .

· والإضراب سلاح مخيف أحيانا ، ومخيب أحيانا ، ولا يجوز اللجوء إلى استعماله إلا بحرص شديد، فقد يضر بأفراد المجتمع، وبالتالي يسيء إلى القائمين به عند نظر الرأي العام لقضيتهم ،  فالإضراب خاصة في صورته الجماعية يعتبر اخطر ما يهدد قاعدة سير المرافق العامة بانتظام واطراد وبناءا على ذلك يجب  تنظيمه حماية للصالح العام

·ويعد الإضراب وسيلة فعالة كلما كان قادرا على التأثير ,  الإضراب الجماعي وهو الصورة الغالبة والمألوفة ، وقد يكون الإضراب فرديا ناتجا عن توقف فرد.

 المقصود بالإضراب :-

لغة :-   الكف والإعراض، فيقال أضربت عن الشيء أي كففت وأعرضت.

اصطلاحا :-   يمكن تعريفه بأنه " توقف جماعي ومتفق عليه , عن العمل من جانب عمال احدي  المؤسسات بقصد تحسين الأجر أو ظروف العمل."   أو أنه : توقف جماعي عن العمل، غايته تحسين شروط العمل، أو مساندة حركة اجتماعية وحتى سياسية "  وأيضا  " هو توقف أو امتناع العامل عن أداء مهامه التي وكل بها بدون سابق إذن من موكله أو رب العمل لغرض الحصول على إحدى حقوقه بالعدل ".

 أشـــكــــال الإضـراب

الإضراب مهما كان شكله أو التقنية المتبعة في إجرائه حركة مطلبيه واحتجاجية ، الغرض منها الضغط على صاحب العمل أو على السلطة العامة لتلبية مطالب معينة ،  سواء تم التوقف عن النشاط كليا أو جزئيا أو اضرب جميع عمال القطاع أو فئة فقط منهم، طالت فيه المدة أو قصرت، و يبقى الإضراب آخر إجراء ووسيلة في يد العامل سواء كان تابع للقطاع العام أو الخاص ، يسعى به لبلوغ المكاسب المهنية .ومن أشكال الإضرابات ما يلي :

1- الإضراب التقليدي ( العادي )

هو الشكل الأكثر انتشارا، ويتم فيه انقطاع المضربين عن العمل في نفس الوقت تاركين بذلك مواقع العمل أو الامتناع عن الالتحاق بها بطريقة محكمة ومنظمة، ومدروسة مسبقا من حيث الكيفية والمدة، بحيث تأخذ النقابات فيه جميع الاحتياطيات اللازمة لبلوغ الهدف المقصود منه فتراعي الظروف الاقتصادية العامة والوضعية الاقتصادية للقطاع وأهمية مخزون الإنتاج بالنسبة للطلب والقدرات المالية للعمل كتاريخ الوفاء بالأجور والتعويضات العائلية، كما تلتزم النقابة بضمان استمرارية خدمة الأمن وتشكيل هيئة الطوارئ واتخاذ الاحتياطيات اللازمة لمنع حلول عمال القطاع الخاص محل العمال المضربين بالقطاع العام حفاظا على مناصبهم من جهة ، وتدعيما للحركة الاحتجاجية من جهة أخرى .

2- الإضراب الدائري( الغـلق)

يتم هذا الإضراب بصفة فئوية متتابعة بمعنى أن  تمتنع فئة من العمال عن العمل مدة معينة ومحددة لتليها فئة أخرى بعد استعادة الفئة الأولى لنشاطها أو بمعنى آخر يمتنع عمال قطاع نشاط معين مدة معينة، وبعد استعادة نشاطهم يليهم امتناع عمال قطاع نشاط آخر، فهذا الإضراب لا يوقف تماما عمل القطاع  . ويتخذ هذا الإضراب أحد شكلين :-

 الأول : يتمثل في الإضراب الأفقي الذي يمارسه عمال من صنف مهني معين حيث ينعكس سلبا على عمال الصنف الآخرة التابع للأول،

 الثاني :  الإضراب العمودي الذي يجمد العمل في مصلحة أو قطاع محدد في المرفق دون أن يمس القطاعات الأخرى ، ويهدف هذا الإضراب أساسا إلى إحداث اختلال في تنظيم الإنتاج.

3- الإضراب القصير والمتكرر

هذا الإضراب عبارة عن توقفات عديدة ومتكررة مع البقاء في أماكن العمل ، يتخللها انقطاع تام عن العمل في بعض الأحيان يمتنع فيه العمال عن الالتحاق بمراكز عملهم أو يتأخرون عن ذلك في أوقات منتظمة ، ليستأنفوا العمل بعد ذلك.

4- الإضراب البطــيء

 يسمى بإضراب الإنتاج ويعرف كذلك بالإضراب المستتر أو الجزئي، يتميز هذا النوع من الإضراب في التخفيض والتقليل من وتيرة الإنتاج، ويستمر فيه العمال ممارسة نشاطهم دون أن يتوقفوا كليا عنه، ويتم ذلك وفق مخطط موضوع مسبق لتخفيض الإنتاج حيث يؤخذ فيه كل عامل صفة المضرب من اللحظة التي يبدأ فيها إبطاء الإنتاج والتقليل من فعاليته. وهذا النوع من الإضراب يعد حاليا أكثر ندرة، لأنه يبدو اقل فعالية لتحقيق المطالب العمالية.

5- إضراب الحماس أو الاندفاع

يطلق عليه كذلك بإضراب المبالغة في النشاط، هذا النوع من الإضراب عكس الأنواع الأخرى التي سبق ذكرها والتي تقوم إما على التوقف عن العمل و إما على تخفيض في وتيرة الإنتاج. 

6-  الإضراب عن الساعات الإضافية

يهدف من خلاله الاحتجاج ضد حجم الساعات الإضافية أو ضد كيفيات تعويضها

7- الإضراب التضامني

حين يضرب العمال ضد قرار صادر عن صاحب العمل كأن يتضمن القرار مثلا فصل عامل من منصب عمله بدون وجه حق،

8- الإضراب المفاجئ

 الذي يقوم به العمال بدون أن يشعر به الإدارة أو صاحب العمل، وهذا النوع من الإضراب نجده كثير الاستخدام في القطاع الخاص وهذا خلافا لما يحدث في القطاع العام حيث يجعل الإشعار المسبق ضروري.

9- الإضراب الإداري

الذي يقضي في عدم إتمام الإجراءات الإدارية خلال الحركة الاحتجاجية مع بقاء النشاط الأساسي للمضربين مستمرا.

 

حكم الإضراب عن العمل بين القانون والشريعة

الإضراب عن العمل حق تقرّه القوانين و تحاربه السلطات

لقد عرف ومارس العمال الإضراب منذ العصور القديمة لرفع الظلم الواقع عليهم والحصول على بعض حقوقهم فأضرب العمال في عهد الفراعنة وفي روما القديمة، ولكن ازدادت حركته وأهميته في العصور الحديثة حيث تطورت الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وزادت المشاكل والحاجات الفردية والجماعية والعامة , وقد كانت الإضرابات العمالية تقع في بدايتها من قبل تجمعات العمال المؤقتين والموسمين  والعمالة غير المنتظمة إذ لم تكن توجد نقابات عمالية لتنظم حركة هذه الإضرابات ولأنها كانت محرمة بنص القانون ويعاقب عليها بشدة وظلت كذلك لفترة طويلة ، ولقد مرت الإضرابات العمالية بأدوار متعددة مختلفة , حتى أصبحت وقائع اجتماعية يقر التشريع بوجودها .  وكان هذا من نتائج التطور الفكري والاقتصادي والاجتماعي الاعتراف بحق الطبقة العاملة في حرية العمل وفي التجمع والإضراب لمقاومة الظلم الواقع عليهم وتعسف أصحاب العمل ، ولحماية أنفسهم في العمل والعيش. أقرت بريطانيا للعمال حقهم بالإضراب عن العمل عام 1871 وفرنسا عام 1864 وبلجيكا عام 1866 وهكذا أصبح الإضراب العمالي في الدول الرأسمالية حقا مشروعا معترفا به وان كانت قد وضعت الكثير من القيود عليه وقد تضمنت الكثير من دساتير دول العالم الحق للطبقة العاملة بالإضراب عن العمل.

 تاريخ الإضراب في الإسلام :-

 أورد الحافظ بن كثير في تفسيره عن سعد بن مالك قال أنزلت هذه الآية  { وإن جاهداك على أن تشرك به ما ليس لك به علم فلا تطعهما } قال كنت رجلاً براً بأمي فلما أسلمت قالت يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت ؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بى فيقال يا قاتل أمه ،  فقلت لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء  ، فمكثت يوماً وليلة لم تأكل ، فأصبحت قد جهدت فمكثت يوماً وليلة أخرى لا تأكل،  فأصبحت قد اشتد جهدها فلما رأيت ذلك،  قلت يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً  نفساً ما تركت ديني لشيء ،  فإن شئت فكلى وإن شئت ألا تأكلي فلا تأكلي . وفى هذه القصة إضراب واضح عن الطعام من أم سعد لإجباره على الرجوع عن دينه ، ولعلها تكون أول محاولة للإضراب في التاريخ الإسلامي.

تاريخ الإضراب في العصر الحديث :-

 كانت هناك محاولات عديدة للإضراب منها

1- إقدام المتظاهرات في سبيل منح المرأة حق الانتخاب في إنجلترا على الإضراب عن الطعام خلال الفترة ما بين 1913-1918  ، ومنذ عام 1912 استخدم المواطنون الأيرلنديون وسيلة الإضراب عن الطعام في سبيل الحصول على الاستقلال

2- فيما بين عامي 1917-1919 استخدم الإضراب عن الطعام في أمريكا من جانب المطالبات بحق الانتخاب ومن الممتنعين عن الاشتراك في الحرب بسبب عقائدهم الدينية ممن كانوا معتقلين في السجون.

 حكم الإضــــراب  شرعا 

الإضراب قد يكون صورة من إنكار المنكر بشرط مراعاة الضوابط العامة  للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتي تتم دون تخريب أو استخدام اليد أو القوة .

فالإضراب وسيلة من الوسائل التي يبتغي من خلالها تحقيق أهداف معينة لذا يجب أن يعتبر فيها أمران :-

     1:-  مدى مشروعية الوسيلة.                     2:-  مدى مشروعية الغاية منها .

فإذا كانت الوسيلة مباحة والغاية واجبة فإن الوسيلة تصبح واجبة ، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ،  .أما إذا كانت الوسيلة محرمة أو كانت مشروعة وتتخذ لغاية غير مشروعة فلا خلاف في عدم جواز ذلك ، كمن يسرق ليبني مسجدا ،  فلا يجوز الإضراب لأخذ ما ليس حقا للعامل أو لمنع الغير من الحصول على حقه ،  وكذلك إذا كان يترتب عليه مفسدة عظيمة كتعطيل المستشفيات والصيدليات التي لا غنى للناس عنها لأن القاعدة الشرعية تقول(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) ويقول الشاطبي (إن أحكام الشريعة ما شرعت إلا لمصالح الناس وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله)

ويقول بن القيم   (إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه فثم وجه الله ودينه) ويقول العز بن عبد السلام (إن الشريعة كلها مصالح إما درء مفاسد أو جلب مصالح)  ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها))

وهناك العديد من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق المطالب وقد تكون أكثر فاعلية وجدوى من الإضراب 

أما الانقطاع عن العمل بسبب عدم دفع الأجور والرواتب فهذا جائز لأن رب العمل أخل بالعقد فللعامل أن ينقطع عن العمل حتى يدفع له أجره.

 ويشرح الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية رأيه حول المظاهرات قائلا: "المظاهرات والإعتصامات جائزة من حيث الأصل، وقد تعتريها الأحكام الخمسة بحسب مقصدها ووسيلتها. وعليه فتكون المشاركة فيها بحسب حكمها، فالمظاهرات جمع مظاهرة، وهى: تجمع طائفة من الناس في العلن لتظهر مطلبًا أو أكثر من الحاكم غالبًا، والغرض منها إظهار أن المطلب ليس مطلبًا فرديًّا، وإنما هو مطلب جماعي. فالتظاهر تعاون بين المتظاهرين، وتقوٍّ بين أفرادهم، فالتظاهر مكون من أمرين كل منهما في نفسه يعد جائزًا بمجرده:-

 الأمر الأول: مجرد الاجتماع بالأبدان؛ إذ الأصل في الأفعال نفى الحرج حتى يدل الدليل على خلافه.

الأمر الثاني: المطالبة بتحقق أمر مشروع، أو رفع أمر مكروه؛ فالمظاهرة بهذا وسيلة لهذا، والوسائل تأخذ حكم المقاصد، والأصل في طلب الحاجات من الحاكم أنه مشروع ؛ فولى الأمر قائم لقضاء حوائج الرعية، ولذا رهَّب النبي صلى الله عليه وسلم من احتجاب أصحاب الولايات دون أصحاب الحاجات، روى أحمد أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ وَلِى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْ أُولِى الضَّعَفَةِ وَالْحَاجَةِ احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

والجواز للإضراب مشروط بعدة شروط ومضبوط بعدة ضوابط، منها ألا يكون موضوعه المطالبة بتحقق أمر منكر لا يجيزه الشرع، وألا تتضمن شعارات أو ألفاظا يحرمها الشرع، وألا تتضمن أمورًا محرمة من نحو إذاية الخلق أو الاعتداء على ممتلكات الناس أو الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء.

 وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)، وقوله أيضا (مطل الغنى ظلم ومن أتبع على ملئ فليتبع)، فإذا كان امتناع الموسر عن دفع ما عليه من التزامات مادية ومماطلته في الدفع يحل عرضه وعقوبته ويعد هذا ظلما من جهة الشرع، فما بالنا إذا كان المماطل هو رب العمل فيجب على الدولة التدخل لفض النزاع ومعاقبة رب العمل لأنه ماطل في الدفع أما إذا كانت الدولة هي نفسها رب العمل فيسقط حقها في مطالبة العامل بالاستمرار في العمل.

الأسباب الموجبة  للإضرابات

· سلب العمال أحد حقوقهم المقرة لهم قانونا وعرفا

· عدم جدوى مطالبة العامل بحقه شفهيا أو بالطرق الاعتيادية

·عدم تدخل الدولة لإقامة العدل وتسوية الخلاف

·عدم جدوى الضغط الشعبي  من خلال (المجالس المنتخبة – والجمعيات – الأحزاب) على الدولة و عدم رضوخها عند التهديد بالإضراب.

·وجود فجوة فعلية ما بين الأجر المعطى للعامل ومتطلبات الحياة أي عدم توافر حد الكفاية للعامل .

·عدم تسبب هذا الإضراب عن العمل بإيذاء أحد من المسلمين وعموم الشعب بسبب التوقف عن العمل إيذاء أكبر من الإيذاء الواقع علي العمال، وذلك تبعا لما قرره الفقهاء في قاعدة  (يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام)

وأخيرا ندعوا أبناء مصر الشرفاء أن يتكاتفوا لأداء الواجب تجاه مصر للأخذ بيدها إلي النهضة والتقدم بعد السنوات العجاف التي مرت بها ونصبر ففرج الله آت لا محالة ، ولنحذر دعاة التخريب الذين خربوا البلاد ونهبوا الخيرات ويعودون اليوم لمحاولة هدم المعبد علي من فيه .