اسماعيل حامد
 
تعلمنا في ديننا أن الشيطان هو العدو الأكبر للإنسان " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا" وأنه لن يترك الإنسان يعيش دون غواية " ثم لأغوينهم أجمعين " وأنه لن يترك ميداناً إلا واستخدم فيه تلبيسه للإنسان " لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيدينهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين" فهو مطلع على أعمال بني البشر ولن يتركهم في حالهم " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم" ولذلك حذرنا الله عز وجل منه " ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدوا مبين" ورغم ذلك لم تسلم البشرية من وسوسة الشيطان في أي مجال من مجالات الحياة ، ووجد من ينخدع به وبغوايته وفتنته ، ومن هنا نتساءل : هل للانتخابات الرئاسية شيطان يوسوس فيها ويغوي؟ وما شكل وسوسته في الانتخابات؟ وما أدواته في ذلك ؟ ومَن هم جنوده وأنصاره وبمن يستعين؟ .
 
أحسب أن الشيطان موجود في الانتخابات ومشارك فيها بقوة، فهي مهمة يفرضها عليه واجب الوقت، ألا وهي الولوغ في انتخابات الرئاسة المصرية، والمشاركة فيها بفاعلية، وأحسب أن ميدان الانتخابات الرئاسية لن يكون الشيطان بعيدا عنه، بل هو مجال خصب له، يزين ويجمل ويفتن ، ويخدع ويدلس ، ويخيف ويرهب ، ويعد يمني ويعد، ويضعف ويوهن، وهكذا دواليك حتى لا يترك أحداً إلا وترك فيه تأثيراً ووسوسة وإغواء، ومن هنا تتنوع أساليب شيطان الانتخابات في الغواية، وهذا ما سنقف معه ونراه بوضوح في الأساليب التالية :
 
·       التزيين : فقد يلجأ الشيطان إلى أن يزين الأمر لمرشح رئاسي ويجمل له الأمر ويفتنه بالمنصب هو وأنصاره " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس" وقد يأتي هذا التزيين من خلال مبررات يسوقها له الشيطان، رغم علم المرشح بأن فرصه في الفوز ضعيفة ، ولكنها فتنة المنصب التي تنسيه حقائق الواقع واستطلاعات الرأي، وهذا ما نراه في (10 مرشحين) فرص فوزهم ضعيفة.
·       التدليس : فقد يعتمد الشيطان طريقة الخداع والتدليس على المرشح الرئاسي ويظهر له أنه الأقوى والأنسب والأفضل والأصلح ، حتى يطمعه في المنصب، وهو يعلم أنه غير ذلك، فيكون الشيطان بذلك خادعا للمرشح وخادعا للناخبين الذين يروج لهم أن هذا هو الأفضل، فتختلط عليهم الأوراق ولا يحسنون الاختيار لمن هو الأحق والأجدر بالمنصب فعلا .
·       الترغيب : فقد ينتهج الشيطان طريقته المعهودة " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً " ويظن المرشح أن الفرصة ملك يده وأن الكرسي أصبح قريبا منه، وأنه لا يرى إلا أبواب القصر وهي تفتح له، وأنواره وهي تضاء له ، والشيطان يوسوس له ويعده بذلك قائلا " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"، والحقيقة أن ذلك كله سراب خادع ووعد كاذب من الشيطان .
·       الترهيب : وهي إحدى طرق الشيطان " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه" فيهدد ويرهب ويخيف بسيناريوهات محتملة أو تفسيرات سوداوية أو مؤامرات مرتقبة في حال فوز المرشح الإسلامي، ويريد بذلك إشاعة روح الرهبة في النفوس، من ترشيحه وفوزه وأن مصر ستكون على أبواب مستقبل غامض أو مظلم أو حرب ضروس أو دمار شامل وخراب مرتقب، وهو هنا يضحك على الكثير من العامة بتخويفهم من التيار الإسلامي، وللأسف يستسلم البعض لذلك.
·       التيئيس : وقد يسوس الشيطان في نفوس البعض ويلقي فيهم الضعف والوهن ويصيبهم بالانهزام النفسي واليأس وبخاصة في نفوس الصالحين، وينشر الكلام عن تضاؤل الفرص وصعوبة الفوز وتضييق الخناق وكثرة الأعداء وانصراف المؤيدين، فتكون قياسات الرأي الموجهة المزيفة، وكل ذلك بالباطل وليس حقيقة ، فيصاب البعض بالإحباط واليأس وتنكسر إرادتهم وتضعف عزائمهم، ويتناسى الجميه قوله تعالى " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " .
·       التشويه : فقد يعتمد الشيطان طريقة نشر الإشاعات الكاذبة والأخبار المحبطة " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به" من أجل كسر الشوكة وزيادة الإحباط ، وتشويه صورة الصالحين وتحبيب صورة الطالحين، من أجل خلط الأمور على الناس، ويستخدم في ذلك الإعلام والإعلاميين " وفيكم سماعون لهم" وهؤلاء أثرهم بالغ في النفوس ولهم وقع السحر " سحر أعين الناس واسترهبوهم" .
·       التلغيم : بوضع ألغام بهدف إشغال الناس بقضية بعض الوقت ثم يخرجنا منها ويدخلنا في أخرى، حتى نبقى في دوامة من السيناريوهات المصطنعة لشغل الناس عن القضية الكبرى، ومن هنا كانت ألغام الانتخابات( تشكيل التأسيسية – حصانة اللجنا العليا وممارساتها - إدراج عمرسليمان ثم شطبه – جنسية أم حازم – شطب الشاطر – شطب شفيق ثم قبول طعنه و عودته – الطعن على قانون ممارسة الحقوق السياسية – المادة 28 .. الخ ) وهكذا تكثر الألغام حتى يشغلنا بذلك عن الهدف الأساسي وهو تسليم السلطة إلى رئيس مدني.
·       التفويض : وقد يلجأ الشيطان إلى طريقة اعتماد مندوب له، له كل الحق في الابداع والابتكار في الوسائل والأساليب الإبليسية ، كنموذج أبي الحكم في عكاظ ، عندما شعر هؤلاء المندوبون أن الإسلام قادم في مصر بإرادة شعبية كاسحة، انتهجوا وسائلهم الإجرامية والتي يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى أن يقول الشيطان لمندوبه " حرام عليك اتق الله " لما يقوم به المندوب بشكل أقوى من أساليب الشيطان نفسه .
·       التحالف: في أربعينيات القرن الماضي وضع تشرشل رئيس وزراء بريطانيا مبدأ خطيراً في الممارسة السياسة، حينما أعلن بجرأة في خضم الحرب العالمية الثانية‏ عن استعداده للتحالف مع الشيطان من أجل هزيمة ألمانيا النازية بزعامة هتلر، ويبدو أن بعض الساسة اليوم ينتهج نفس السياسة في انتخابات الرئاسة، فالتحالف مع الشيطان من أجل الفوز أصبح جائزا عند البعض في انتخابات مصيرها أن تغير وجهة مصر المقبلة، التحالف بشكل عام جائز، ولكن حينما يكون على حساب المبادئ فهو إغواء شيطاني .
·       التلبيس : على الدعاة والعلماء، في ترتيب قائمة الأولويات النسبية، وأن يعكس لهم القواعد الشرعية في تفاضل الأعمال، ويلهيهم بالمفضول المرجوح وترك الفاضل الراجح، وهذا من أعظم ما يحرص الشيطان عليه، لأن التلبيس على العالِم إضلال لأتباعه، " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين " ، ولذلك قال شيخ الإسلام : " ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، إنما العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين "، فينبغي للعالم أن يكون أشد حذرا من شراك إبليس ومكائده، وليعلم أن علمه لن يجعله بمنأى عن كيد الشيطان ومكره.
 
هذه بعض الأساليب التي تؤكد لنا أن شيطان الانتخابات حاضر فيها بقوة، ولن يدع وسيلة إلا واستخدمها في خداع الناس بحيله وطرقه، ولن يترك أي وسيلة لتوظيف جنود له من الإنس في كافة المجالات، حتى يستعين بهم في مهمته " يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً"، بل ربما يجد منهم ما لم يكن يتوقعه من مخططات إبليسية في العملية الانتخابية، ولن يقصر شيطان الانتخابات في استغلال أي بادرة تعاون معه من قبل بني البشر.
 
إن واجب المسلم اليوم أن يمارس ما يسميه ابن القيم  بعبودية المراغمة، والتي لا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة، فلا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته له، والتي تتمثل في مواجهة المسلم وصراعه المتواصل مع الشيطان، معاندة له، وعصياناً لتزيينه، وإزاحة لتسلطه، ورفضاً لترغيبه وترهيبه، ورداً لتلبيسه وتدليسه، وتجاوزاً لتلغيمه وتشويهه، حتى يصرفه عن انتخابات الرئاسة خائباً مخذولاً، ولنستشعر جميعا قوله تعالى "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا" ، وإن وقوفنا أمام غواية الشيطان ووساوسه يجعلنا نحقق مقولة رسول الله " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" ، فكونوا مع الحق وأهله في مواجهة الشيطان ووساوسه، وقووا ظهر إخوانكم ولا تطعنوا فيه، وجاهدوا في الله حق جهاده والله معكم ولن يتركم أعمالكم .