م/ محمد أنور رياض
تعلمت من الهندسة أن أهم جزء في أي ماكينة هو المسمار القلاووظ و الصامولة .... المعروف أن أي آلة أو ماكينة إنما هي عبارة عن قطع مصنعة مفككة ثم يتم تجميعها و تربيطها يكون المسمار و الصامولة هو العنصر الفعال في تماسكها... و بالتالي قوة أداءها و ثباته ... و عند حدوث أي تآكل أو تراخي في قوة الربط تصبح الماكينة عرضة للتوقف عن العمل أو التلف و قد يحدث ذلك الخلل نتيجة ضعف واحد من المسامير أو أكثر في غياب من المتابعة أو الإهمال إذ أن الوضع الأمثل للصيانة هو التغيير المستمر لكل مسمار يبدو عليه أول علامة من علامات عدم الصلاحية اتباعا لمبدأ الوقاية خير من العلاج .... و في الهندسة المدنية أيضا فإن البنيان المتماسك هو الذي تتوفر له جودة كل مواد البناء ( اللبنات "الطوب" والأسمنت... الزلط ... الرمل والحديد ) و أي عدم صلاحية لأي من هذه العناصر يعرضه مع الزمن للإنهيار و لذلك كان الحديث الشريف الذي يصف المسلمين بأنهم يشد بعضه بعضا كالبنيان المرصوص و هو شأن عام يجب أن يشعر به المسلم تجاه أخيه المسلم في شتي بقاع الأرض و يزداد هذا الشعور خصوصية في حالة قيام أي جماعة من المسلمين تريد أن تحمل هما أكبر ومشروعا طموحا تتصدي به دفاعا عن جموع المسلمين فإن عليها ألا تكون كالبنيان يشد بعضه بعضا فحسب و إنما تكون أيضا كالماكينة جيدة الترابط إذ أن البنيان من شأنه الرسوخ و الثبات أما الماكينة فمن شأنها الدوران والحركة و الدفع نحو الأفضل و من هنا كانت أهمية المسمار القلاوظ و الصامولة للحفاظ عل كيان هذه الجماعة
ندخل في الموضوع
لا أريد أن أتكلم عن بنيان جماعة الإخوان المرصوص الذي أبدعته عبقرية حسن البنا سيد شهداء هذا العصر و مؤسسها الأول و الوحيد (إذ ليس في أدبيات الإخوان ما يسمي بالمجدد أو بالمؤسس الثاني ) و هو بناء يقوم علي قواعد من الأُسر و ينتهي في قمة الهرم بمكتب الإرشاد وعناصره تعتمد علي جودة وصفات الفرد المسلم و كلها أوصاف يكون أعلاها عند تكامل الشخصية في بعديها الروحي و المادي الذي يتمثل في تقوي الله و حسن عبادته والإخلاص له في السر و العلن و التسلح بمتانة الخلق و مكارمها ثم تنمية قدراتها الثقافية و المعرفية مع سعة الصدر و الاستعداد النفسي و المادي لحمل تكلفة السعي الحثيث لنشر الدعوة و تحمل تكلفة ما يقابله من عنت و صعاب ثابتا و راضيا محتسبا لا تهزه الفتن و لا يملك اليأس إلي نفسه سبيلا.
...إنما موضوعنا عن آلية اتخاذ القرار داخل الجماعة و المسمار الرئيسي الذي يحفظ لهذه الآلية حسن الأداء ....مسمار الشوري ....الأخ الذي يبدأ أولي خطاته داخل الإخوان إنما يجذبه مغناطيس الرغبة في أن يجد ذاته و البحث عن الطريق الذي يؤدي للتصالح مع فطرته التي فطره الله عليها و الفضول في اكتشاف المعني الحقيقي لوجود الإنسان في هذه الحياة ...يدرك الأخ مع أولي خطواته أنه قد انضم لجماعة تستخدم أدوات الإسلام و آلياته في صقل مقوماته و مواهبه مُعظّمة صفات العطاء و البذل ... تهب و لا تغنم ... تصبر علي الأذي و لا تبادر بالعدوان ... تحتسب كل ما تلاقيه فداء ليوم تدبر فيه الدنيا ولا يبقي للإنسان منها إلا سعيه و عمله يواجه به رب كريم ... و من كان هذا شأنه و من كانت هذه نيته و من كان هذا سلوكه فإن رأيه و حركته و سكنته هي لله ( قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين ) الأنعام 162 ... الإخوان تربي كوادرها تربية تطلق طاقاتهم الإبداعية ليكونوا إضافة و سندا وتفتح الطريق واسعا أمام ملكاتهم للتصعيد و الدفع بهم إلي الصدارة في مسار القيادة ومن هنا كان الحفاظ علي عنصر الحيوية التي تميزت به الجماعة البالغ عمرها أكثر من ثمانين عاما .... لا يدرك الكثيرون أن التواصل مستمر بين القاعدة و قمة الهرم و أن طريق الرأي مفتوح لا تعوقه أي إشارة حمراء حتي يصل إلي مداه ....و لكن مفتاح التحكم في ربط صامولة مسمار الشوري هو أن ما تجمع عليه الأغلبية يصبح قرار الجماعة ولا رأي غيره لمن وافقه و لمن خالفه علي السواء... هذا ما يعلمه و يدركه جميع أفراد الجماعة الكبير قبل الصغير و لا قيد علي من يريد مخالفة هذا الثابت سوي أنه في هذه الحالة يعلم علم اليقين و عين اليقين و حق اليقين أنه عندئذ يكون قد أصبح خارج السرب حتي و إن ادعي أنه هو السرب نفسه ولا يحق له أن يستند إلي تاريخ أو فضل فالجميع أصحاب تاريخ و الفضل لله أولا و أخيرا. حدث ذلك أيام البنا وأيام من بعده ... أيام اليسر والعلنية وأيام العسر من الملاحقة و التضييق والمحن... و استوي في ذلك من كان في الساقة ومن كان ملئ السمع والحيثية.... كل من حاول النيل من ربط المسمار و الصامولة انتهي به المصير خارج الجماعة وسط محاولات و مراجعات تنتهي بالأسف له و عليه و لكن ظلت الجماعة متماسكة ببنيانها و مساميرها المربوطة بإحكام و ستظل عناية الله تسدد خطاها لأن يد الله مع الجماعة و لا يأكل الذئب إلا من الشاة الشاردة...

