لم يمض يوم واحد من شهر نوفمبر دون أن تسجل الطرق المصرية حادثاً مروعاً يحصد الأرواح أو يترك عشرات المصابين بين الجروح والكسور والعاهات المستديمة.
وصباح اليوم السبت، أضافت محافظة الوادي الجديد فصلاً جديداً إلى مسلسل الدم المستمر، بعد أن انقلب أتوبيس نقل حكومي على طريق القاهرة-الداخلة بالقرب من منطقة غرب الموهوب، ليصيب 30 شخصاً بينهم أطفال رضع وكبار سن، تراوحت أعمارهم بين عامين و70 عاماً.
هذا الحادث ليس استثناءً، بل هو القاعدة في دولة تحولت طرقها إلى مقابر مفتوحة، ومواطنوها إلى وقود رخيص لإهمال حكومي ممنهج يتستر خلف شعارات التنمية الزائفة.
حادث الوادي الجديد: إصابات خطيرة وضحايا من جميع الأعمار
انقلب الأتوبيس التابع لإحدى الشركات الحكومية وعلى متنه حوالي 50 راكبًا قادمين من محافظات مختلفة كالبحيرة والجيزة والفرافرة، ليسقط 30 مصاباً بإصابات متفاوتة الخطورة.
شملت الإصابات اشتباهاً في كسور بالعمود الفقري لشاب يبلغ من العمر 16 عاماً فقط، وكسور في الذراع والضلوع، وجروح قطعية عميقة، وحالات ارتجاج، وكدمات وسحجات متفرقة.
من بين المصابين أطفال رضع لا تتجاوز أعمارهم العامين، ونساء وكبار سن في العقد السابع من العمر.
تم نقل الجميع إلى مستشفى الداخلة العام، الذي يعاني أصلاً من ضغوط هائلة ونقص في الإمكانيات، ليتلقوا رعاية طبية في منظومة صحية منهارة لا تستطيع حتى توفير الأدوية الأساسية.
السبب الأولي للحادث، كالعادة، يعود إلى "انفجار الإطار الأمامي نتيجة السرعة الزائدة"، وهو سبب متكرر يكشف عن غياب الرقابة الفنية على المركبات وانعدام المحاسبة.
نوفمبر الدموي: سلسلة حوادث لا تنتهي
لم يكن حادث الوادي الجديد حدثاً منفرداً، بل هو حلقة في سلسلة دموية متصلة شهدتها مصر خلال شهر نوفمبر الجاري.
ففي الثاني من نوفمبر، شهدت محافظة القليوبية حادثين منفصلين على طرق شبين القناطر، أحدهما أسفر عن وفاة قائد سيارة وإصابة آخر، والثاني أصاب ستة أشخاص.
وفي الحادي عشر من نوفمبر، لقي سائحان مصرعهما وأصيب آخرون في تصادم أتوبيس سياحي مع سيارة نقل على طريق رأس غارب-الغردقة. وفي الثالث عشر من نوفمبر، قُتل شخص وأصيب سبعة آخرون على طريق مرسى علم-القصير.
هذه الحوادث ليست سوى ما تم رصده إعلامياً، بينما تشير التقديرات الرسمية إلى أن متوسط عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق في مصر يبلغ 18 حالة يومياً، أي حوالي 5600 قتيل على الأقل حتى نوفمبر، 25% منهم أطفال.
إهمال ممنهج وغياب المحاسبة
تتحمل الحكومة المسؤولية الكاملة عن هذا النزيف المستمر على الطرق.
فرغم الحديث الدعائي عن "مشروعات البنية التحتية" و"الطرق الحديثة"، تبقى الحقيقة أن معظم الطرق الداخلية والإقليمية تعاني من سوء الصيانة، وانعدام الإنارة، وغياب العلامات الإرشادية، وانتشار الحفر والتشققات.
كما أن الرقابة على حالة المركبات والحافلات العامة شبه معدومة، إذ تسير على الطرق أتوبيسات حكومية متهالكة بإطارات بالية وفرامل معطلة، دون أي محاسبة لأصحابها أو السائقين.
وبدلاً من معالجة الأسباب الجذرية، تكتفي الحكومة بعبارات روتينية عن "فتح تحقيقات" و"اتخاذ الإجراءات القانونية"، دون أن يرى المواطنون أي نتائج ملموسة أو محاسبة حقيقية لمسؤول واحد.
من يحاسب على آلاف الأرواح الضائعة؟
يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: من سيحاسب على دماء آلاف المصريين الذين يُقتلون سنوياً على الطرق؟ من سيعوض الأسر التي فقدت معيليها، والأطفال الذين أصبحوا معاقين، والشباب الذين تحطمت أحلامهم على أسفلت الإهمال؟
إن استمرار هذه المأساة يكشف عن فشل ذريع في إدارة ملف السلامة على الطرق، وعن انشغال السلطة بالدعاية والمشروعات الاستعراضية على حساب حياة المواطنين وأمنهم اليومي.
حتى يتم وضع خطة جادة تشمل الصيانة الدورية للطرق، والرقابة الصارمة على المركبات، وتطبيق عقوبات رادعة على المخالفين، ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال، ستبقى الطرق المصرية مقابر مفتوحة تلتهم الأرواح يومياً دون رحمة

