حازم سعيد :

مجموعة من الأحداث مرت علينا خلال الفترة الماضية تعاملت معها حكومة الجنزورى المؤقتة بما يعطيها درجة صفر ( أو فشل ذريع ) بجدارة ، ويعيدنا هذا التعامل إلى ما قبل الثورة ، ويؤكد أن العقول العتيقة التى جاؤوا بها لتحقق النهضة ما هى فى نطاقٍ كبيرٍ منها إلا عقول قديمة عقيمة بالية لا تستطيع أن تدرك الحرية ولا قيمتها لأنها نشأت وتربت وترعرعت وشاخت على الاستبداد واستمراء الاستعباد ، لا سيما والجزء الأكبر كانوا كهنة النظام السابق وسدنته .


أخص بالذكر من الأحداث :  موضوع القضية الملفقة للناشطة أسماء محفوظ والتى هى عبارة عن بلاغ كاذب من مترصد لجميع النشطاء الذين يعارضون المجلس العسكرى وهي القضية التي سارت فى ملفات المحكمة بسرعة رهيبة ودون أي إعلان إلى أن حصل الجانى المدعي على حكم بحبسها لمدة سنة كاملة مع المنع من السفر وتحول الحكم لواجب التنفيذ فى مدى 48 ساعة !!!

وكذلك قضية ضباط الشرطة الملتحين وكيف أحالتهم الداخلية للاحتياط لأنهم أرادوا الاقتداء بسنة النبى صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً منشور التربية والتعليم الذى فيه تعليمات واضحة للمدرسين وأوامر إلزامية بعدم الحديث بأي صورة سلبية أو إيجابية عن العهد البائد ، ثم منشورات الأمن الوطنى وتحركاته ببعض المحافظات وعلى رأسها البحيرة فى مديريات الشباب والرياضة والتربية والتعليم وخلافه ، وقضية تهريب الأمريكان ....


كل هذه القضايا ، التى قد يحسبها المتأمل فردية تحتاج منا للوقفات القادمة :


أولاً : المشترك الذى يجمع كل هذه القضايا هو الاعتداء على الحرية ، والتى ما جاءت ثورة 25 يناير المباركة إلا لتغعظيم شأنها ، ومنع الاستبداد والتعسف والظلم والجور بأي صورة من الصور ، ولقد تعاملت الحكومة مع الأحداث سالفة الذكر تعاملاً عقيماً ، منتهكةً لقيمة الحرية ، وهذا هو الرابط الذي يجمعها .
ما لجهاز الأمن والواجب المنوط به من تخليصنا من التردي الأمني الرهيب والبلطجة والعنف والسرقة بالإكراه وانتشار السطو المسلح وانتشار السلاح بدون ترخيص و ... ما لكل هذا ولحية فرد شاء أن يطلقها أو أبى ، لماذا تتدخل الداخلية فى هذا الملف بهذا العنف بحجة الحفاظ على المظهر الانضباطى لرجال الشرطة ، آلمظهر أهم عندكم من تلك القضايا الكلية الهامة ؟!

لم يتدخل مسئولو الداخلية بهذا العنف إلا لأنهم يتعاملون بنفس العقليات البالية العقيمة .


ووزارة التعليم ، لها الحق فى أن تنبه على عدم الحديث عن العهد البائد بصورة إيجابية ، نعم ، فإن الثورة ما قامت إلا لتنسف كل سمعة الفاسد الظالم الغشوم والحكم الجائر الذى قدمه لنا الطاغية مبارك على مدار ثلاثين سنة ، نعم لوزارة التربية والتعليم أن تمنع أبناءنا من تعلم ذلك النفاق الذى حوته كتب التاريخ خاصة كتاب الصف السادس الابتدائى ، وتمنع تمجيد عصر مبارك ، لأن هذا ما جاءت به الثورة ، أما أن يتعدى الأمر فتلزم المدرسين بألا يتحدثوا عن ذلك العهد بشكل سلبى ، فإن فى هذا نقض للثورة وما جاءت من أجله ، لقد ثرنا على الظلم والجهل والاستبداد ، فكيف لا نبين لأجيالنا الناشئة ذلك ، ليأتى جهابذة من أعدوا المنشور ليقولوا عن تلك القضايا أنها قضايا اجتهادية لم يتعارف المجتمع على قيم مشتركة فيها ، كيف ذلك يا أيها المتخلفون ، إن مجرد فعل الثورة شهادة وإجماع من المصريين على سلبية وفساد الحكم السابق ، فكيف تنقضون هذه الشهادة وهذا الإجماع ، وتدعون أن ذلك مسألة اجتهادية لم يجمع المصريون عليها ؟؟؟؟؟!!!!!!
أعلم أن السبب فى ذلك أنكم عقليات بائدة متخلفة عاشت حياتها تسبح بحمد أولئك الطغاة الظالمين ، وطالما قمتم بالاقتيات على فتات موائدهم ، وطالما عشتم تتمنون نظرة ، بل إشارة ، بل مكالمة هاتفية من سكرتير أحد مسئولي النظام السابق لتصبحوا وتضحوا وتمسوا متحدثين مفاخرين بها .. لقد عشتم عالة منافقين ، وتريدون تطبيق فشلكم علينا ، وهذا ما لن يكون إن شاء الله .
نفس الكلام يمكن تطبيقه على موضوع منشورات وزيارات جهاز الأمن الوطنى للمديريات والمؤسسات وخاصة بالبحيرة .


إن القيمة التى ينتهكها هؤلاء هى قيمة الحرية ، وإن معالجتهم للقضايا والمسائل بغل أيدى الناس والحجر على فكرهم وعقولهم لهي الجريمة النكراء الشنيعة والتى تثبت أن هناك من بنى جلدتنا من لم يفهم فلسفة الثورة ولا قيمتها ولا أهدافها ، ولا ما أنفق من أعمار وسجون ومعتقلات وسحل وضرب ومصادرة أموال ثم دماء شهداء من أجله .
إننا حصلنا على حريتنا ولن نتنازل عنها بعد اليوم ... تلك هى الرسالة واضحة وقصيرة ومختصرة نرد بها على تلك العقليات الرجعية البائدة .


ثانياً : نعم .. هي عقليات قديمة بالية تتعامل بنفس المنطق ونفس النهج الطغياني القديم ، وهم لا يستطيعون غير ذلك ، وهذا هو التسلسل المنطقي ، رجل تربى فى بيئة فاسدة عطنة ، كيف لا يفسد ولا يعطن ولا يتوقف اجتهاده ، لقد تقولب حول نفسه ودخل دائرة مغلقة لا يستطيع الانفكاك عنها .
إن الرجل الذى قتل مائة نفس وأراد الله له التوبة أمر بالرحيل لأرض أخرى وبيئة أخرى حتى تسمو نفسه لما أراده من الخير بعيداً عن تلك البيئة الآسنة التى قتل فيها المائة نفس .
كذلك فلابد لإصلاح بيئتنا المصرية ، وحل مشاكلنا وقضايانا والتعامل معها على الوجه اللائق ، من أن نغير البيئة ، وتغييرها هنا لن يحدث إلا بتغيير هذه النماذج الفاسدة التى تشبعت بمنهج الطغاة السابقين ، وتريد أن تقولبنا حوله وإن غيروا الأسماء .
لابد أن تذهب حكومة الجنزورى بعقلياتها البائدة إلى غير رجعة ، ونأتي بآخرين لم يتلوثوا بوزارات العهد البائد ولا فساده ، لابد من أناس جدد يستوعبون فكر الثورة ومنهجها وإطارها الذى ينبغى أن تسير فيه ، والفساد الذى جاءت لتهدمه .
لابد من حكومة جديدة قوامها من الأغلبية الثورية والمنتخبة بقرار أكثرية ثلاثين مليون مواطن مصري ، وهي الأغلبية التى انتفضت من قبل على الظلم والفساد ، وتمتلئ بالكفاءات والخبرات والعقول الابتكارية القادرة على التعامل مع المواقف المختلفة بإيجابية واتزان وتجديد وإبداع .هذا هو الحل ولا حل غيره .

 

ثالثاً : أما عن أسماء محفوظ فإنى أحذر إخواني من عدم الوقوف بجوارها حيث الحرية لا تتجزأ ، وإن اختلفت أفكارنا ومنطلقاتنا الأيديولوجية ، لأننا اشتركنا على ثابت عظيم وهو تعظيم قدر الحرية والثورة على من ينتهكها ، وعانت أسماء من الظلم والاضطهاد من قبل النظام السابق ، وتختلف هي مع المجلس العسكري بوضوح ، وتتحدث عنه بشكل غير لائق نختلف معه كإخوان ( حيث نختلف مع المجلس تارة ونتفق تارة ، ولكن فى الحالتين لا نشتم وأيضاً لا نقدس )، أقول أنه على الرغم من كلامها عن المجلس بصورة غير لائقة أحياناً فإن ذلك لا يبرر لا للمجلس العسكرى أن يضطهدها أو تلفق لها القضايا أو تحاكم أمام قضاء عسكرى ، ولا للإخوان ألا ينصرونها كباحثة عن قيمة الحرية والعدل فى المجتمع المصري .
إن ميزة ثورتنا ونماءها وعظمتها أنها أعلت شأن القيم المشتركة بين الفرقاء ، واستطاعت على مدى ثمانية عشر يوماً أن تقهر موروثات النظام السابق من نوعية فرق تسد ، وكان ميدان التحرير وعواصم المحافظات أكبر شاهد على هذه الوحدة التى أسفرت بعد التوكل على الله عز وجل عن نجاح هائل للثورة برحيل الطاغية الفاسد المخلوع ، فلابد من استرجاع هذه المشاهد وإعادة إنتاجها فى مناصرة كل صاحب قيمة حق وخير ، وإن اختلف معنا فى الأيديولجية أو التصور والتفكير .

 

رابعاً : أما عن ضباط الشرطة الملتحين فلى معهم عدة نقاط :
1. هى حريتهم الشخصية فى أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ( ناهيك عن أن يكون واجباً عليهم ) ، وهم أقدر الناس على اتخاذ قرارهم فيها ، فيؤجرون على الإتباع إن شاء الله ، ولا يجوز خذلانهم من ناحية ، كما لا أتصور أنه توقيت الانتفاض والحشد من أجلهم هذا من الناحية الأخرى .
2. نعم هى ليست قضية الساعة التى نحارب من أجلها مع التسليم بأفضلية ما قاموا به ، ولكن هناك من الحرمات التى تنتهك والدماء التى تسفك والقضايا الجلل – وأنا هنا لا أقسم الدين لقشور وفروع – وإنما أؤكد على مراعاة فقه الأولويات ، خاصة والزخم الذى قد تحدثه بعض القضايا يشغل عن علاج أخرى .
إن إعادة الأمن بالشارع ، وإعادة هيكلة الداخلية بنبذ الفاسدين وضم جدد لم يتربوا فى مناخات الظلم والعنجهية ، وترسيخ قواعد الحق والعدل ، وإعادة الثقة لرجل الشارع بالشرطة ، ونزول الشرطة بكفاءة وبكامل فروعها وأقسامها للعمل بالشارع ، كلها أولويات الوقت وقضايا الساعة التى يجب أن نتلفت حولها ولا يشغلنا غيرها ، مع التسليم بحق الملتحين فى أن يلتحوا ، خاصة وهم يفعلونها اقتداءاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3. لا أستطيع فهم ولا تصور هذه المعاملة القاسية جداً من مسئولى الداخلية ومنطق الأشاوس فى تعاملهم مع الضباط الملتحين ، خاصة واننا لم نر مثل هذا الحزم والعزم فى استبعاد العناصر الفاسدة الطاغية ، وتطهير الداخلية منهم ، ولا فى إعادة الأمن والأمان للشارع ، يزداد جرم المسئولين حين يحيلوا ضابطاً للاحتياط فيفقد دخله وأمنه الوظيفى واستقرار بيته لأنه التزم بسنة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ( واجبة كانت – كما أعتقد – أو مندوبة كما يقول البعض ) .

 

خامساً : أما منشورات التربية والتعليم وتغول الأمن الوطني فتأكيد على إن الثورة لم تصل لكثير من مؤسسات الدولة بعد ، خاصة الداخلية ، وهو ما سبق وحذرنا منه حين أنشأوا على عجلة ذلك الجهاز البديل عن سالفه سيئ السمعة قمئ الذكر المسمى بأمن الدولة .
وهو تأكيد أيضاً على ما ذكرناه فى بداية المقال عن العقليات البائدة الفاسدة التى تربت فى ظل عهد الطغيان فتستمد حياتها من مستنقعه الآسن ، إن الجلالة ( وهو اسم الطائر أو الحيوان الذى تربى على أكل النجاسة ) حين نريد أن نطهرها فإننا نستبعدها عن البيئة النجسة التى تربى لحمها عليها وننميها مرة أخرى على الطاهر لمدة من الزمان فصل الفقهاء فى تحديدها حتى يطهر لحمها ويحل الاستفادة منها ، وهؤلاء كالجلالة تربوا فى المستنقعات وعلى نجاسات النظام البائد ، فلابد من تطهير أجسادهم وعقولهم بعزلهم تماماً وإراحة الداخلية والتعليم وغيرهما من مؤسسات البلد منهم لفترة من الزمان ، فإما يطهروا ، وإما يعفوا للأبد .

 

وأخيراً فإن شكل التناول الذى قدمه الجنزورى وحكومته لهذه النوعية من القضايا يضاف إليها تهريب الأمريكان وما ينطوى عليه من فساد وخيانة وذلة وصغار يثبت فشل هذه الحكومة وضرورة إقالتها واستبدالها بحكومة منتخبة من الأغلبية البرلمانية سواءاً اختارت هذه الأغلبية أن تكون الحكومة منها ، أو اختارت الشكل التوافقى فلها كل الحرية ، ولكنها أصبحت ضرورة وواجب وقت ، وعلى من بيدهم أزمة الأمور بالبلد أن يعوا ذلك ويدركوه جيداً ، لأن ما تتبعه هذه الحكومة الفاشلة من سياسة الإسرائيلين واليهود والمعروفة بالأرض المحروقة سوف يكلف مستقبلنا ومصير بلدنا وأبنائنا الكثير ، وسوف يتسع الخرق على الراتقين ، ولن تستطيع حكومة ترث هذا الإفساد مهما بلغت كفاءتها أو قدراتها أن تعالج ما يفسده هؤلاء .. فاتقوا الله في مصر .. واتقوا الله فى مصير أبنائكم ..


=======
[email protected]