د/ محمد صبحي رضوان

هناك حقيقة مستقرة في النفوس وراسخة في الأفهام أن التقدم الحضاري بمفهومه الواسع لايمكن أن يتحقق إلا إذا توافر في  النظام الذي يدعيه شقين لا ينفك احدهما عن الآخر وهما التقدم المادي والتقني والمعرفي والثاني  السمو في الجانب الروحي والأخلاقي والمعنوي , وما عليه الغرب الآن لايمكن أن نسميه حضارة بمفهومها الصحيح وإنما هو تقدم مادي تقنى فقط . ولا يوجد نظاما الآن على وجه الأرض يحقق الحضارة بشقيها إلا النظام الإسلامي, (بعيدا عن حال المسلمين الآن).

ولم يغفل برنامج حزب الحرية والعدالة هذه الحقيقة  فقد أشار إليها بوضوح في النص التالي :

- إن الناس حين يشرعون في وضع برامجهم للإصلاح يعنون بالمسائل المادية والعلاقات الظاهرة والأمور التنظيمية والإدارية والتشريعية وهى أمور ضرورية وحتمية للإصلاح والتقدم لا غنى عنها، بيد أن هناك مسائل جوهرية يجب ألا تغفل  وهى الجوانب الفكرية والإيمانية والروحية والأخلاقية والوجدانية، فهي التي تشكل حقيقة الإنسان وأسمى خصائصه، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، ولكن بالروح والمادة يكتمل الإنسان، ومن ثَمّ نرى أن إصلاح الباطن لا يقل أهمية عن إصلاح الظاهر، وهذه حقيقة خالدة قررها القرآن الكريم: { إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ } [الرعد: 11]

ثم إن حزب الحرية والعدالة وضع برنامجا يلبى حاجات الإنسان المادية ويرتقى به في الجوانب الأخلاقية وهو برنامج جدير بأن يعطى ( بضم الياء ) الفرصة للتطبيق خاصة وأن بعض البرامج قد أعطيت الفرصة في العقود الماضية فلم تجر على مصر إلا الوبال والدمار كما هو واضح للعيان .

وقد آثرت في هذه السلسلة أن اكتب في رؤية الحزب للجانب (الاخلاقى والوجداني) تاركا الجانب (المادي والسلوكي والحلول العملية والتشريعية) لمشكلات مصر لسلسلة أخرى وقبل ذلك كله أتمنى من القارئ الكريم أن يطلع على برنامج الحزب إجمالا لتكتمل الرؤية لديه.

في البداية نص البرنامج على ما يلي :

 - برنامج حزبنا يعتمد على تزكية النفوس وتطهير القلوب وترقية المشاعر وتهذيب الطباع بالدعوة إلى الالتزام بالعبادة ومكارم الأخلاق وحسن المعاشرة والمعاملة والتذكير بالله واليوم الآخر حتى تستيقظ الضمائر وتتكون المراقبة الذاتية، وتستقر قيم الخير في النفوس وتنفر من الشر ودواعيه، إضافة لتكوين المناخ الصالح الذي يحض على الاستقامة والصلاح، وتقديم القدوة الحسنة، وتوظيف المدرسة والبيت والمسجد والكنيسة وأجهزة الإعلام في ذلك.

وفى موضع آخر يرى البرنامج أن من أهدافه:

- بناء الإنسان المصري بناء متكاملا روحياً وثقافياً وعقلياً وبدنياً بما يحفظ عليه هويته وانتماءه وكرامته، وينمى قدرته على المبادرة والإيجابية والإنتاج .

ثم يرى الحزب أن ذلك الأمر لا يقتصر على المسلمين فقط بل على الإنسان أيا كان سواء فردا أو جماعة مسلم أم غير مسلم وذلك من خلال :

- وهذا المنهج ليس خاصاً بالمسلمين دون غيرهم ولكنه منهج تعتمده الأديان السماوية وبخاصة المسيحية التي تعنى بالأخلاق والمعاملة اعتناءً فائقاً . وهذا المنهاج لا يعنى بالإنسان فرداً فقط، ولكن يعنى به أيضاً في أسرته باعتبارها المجتمع الأصغر الذي يمثل لبنة في المجتمع الوطني الكبير فيضع الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الأسرة الصالحة التي تتوزع فيها الواجبات والمسئوليات توزيعاً عادلاً يقوم على قيم الحب والوفاء والإخلاص والبناء.

ثم يؤكد الحزب على نظرة الإسلام للحياة على أنها متكاملة الجوانب كما أن الله عز وجل خلقها للعمل والكد وعلى فهمه للإسلام كدين شامل قد انتظم حياة الناس جميعا وذلك من خلال:

- ويرى الحزب أيضاً أن الحياة وحدة واحدة لا تتجزأ، يؤثر كل جانب فيها في الجوانب الأخرى ويتأثر بها فالسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والإعلام والتعليم وغيرها، يؤثر كل منها في الآخر ويتأثر به، ولا يمكن مباشرة أي منها في جزيرة معزولة عن الأخريات، كما أنها جميعاً تتأثر بالرؤية والتصور والمبادئ والمرجعية التي يؤمن بها الشخص أو الحزب الذي يمارس النشاط.

كما أكد الحزب على نظرة الإسلام للإنسان باعتباره مخلوق مكرم اسجد الله عز وجل له ملائكته وفضله على سائر خلقه وسخر له الكون بكل ما فيه وذلك من خلال النص التالي:

- احترام حقوق الإنسان فهو أكرم مخلوق على ظهر الأرض، سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض، وأهم هذه الحقوق هو حق الحياة والكرامة الإنسانية والحريات العامة.

وأجاب البرنامج على من اختلط الأمر عندهم حول مفهوم السياسة والعمل السياسي  والذين بنو حجتهم في أن الدين مقدس والسياسة ملوثة ( بفتح الواو أو أوكسرها )  فلا يجوز أن نخلط المقدس بالملوث وهذا كلاما خاطئا ومغلوطا فلو سلمنا جدلا أن السياسة ملوثة فهي بحاجة إلى من ينظفها ولا يوجد أفضل من قيم الدين لذلك فأوضح البرنامج ذلك من خلال:

- رؤيتنا للسياسة :  فبينما يرى الكثيرون أن السياسة هي فن الكذب والنفاق والتلون والخداع حتى وصفها بعضهم بأنها عملية قذرة ينبغي على كل من يحرص على نظافة سمعته وسلامة مبادئه أن ينأى عنها.

يرى حزبنا أن السياسة هي فن إدارة الدولة وتدبير أمور الناس، بحيث تحقق الأمن والعدل والكفاية والقوة والمنعة والتقدم والخير والحق والفضيلة لجميع الناس.

وهذا كله لا يمكن إنجازه إلا بارتباط السياسة بالمبادئ والأخلاق والصدق والوفاء والأمانة والإحسان، والضمير الحي الذي يزجر أصحابه أن يأكلوا الحرام من المال، أو يعتدوا على المال العام، أو يقبلوا الرشوة باسم الهدية أو العمولة أو يعتدوا على حقوق الإنسان أو يقوموا بتزوير الانتخابات واغتصاب السلطة أو يولوا المناصب للأقارب والمحاسيب . فالأهداف العظيمة عندنا لا تتحقق إلا بوسائل نظيفة، ومن ثم نرفض مقولة ( الغاية تبرر الوسيلة)، ونرفض مقولة ( السياسة عملية قذرة ) وإنما نمارسها لننظفها ونطهرها، ونسمو بها إلى مستوى الأعمال والأخلاق الراقية.

وفى الباب الخاص بالدولة في برنامج الحزب يؤكد أن الإنسان الصالح هو قوام الدولة ,  وعلى الدولة أن تعطي له حقه الطبيعي فيما يتعلق بالمساواة والعدل والحرية وفى هذا المعنى ينص البرنامج على:

- الحرية والعدالة والمساواة منح من الله للإنسان، لذا فهي حقوق أصيلة لكل مواطن بغير تمييز بسبب المعتقد أو الجنس أو اللون مع مراعاة ألا تجور حرية الفرد علي حق من حقوق الآخرين أو حقوق الأمة، وتحقيق العدل والمساواة هو الهدف النهائي للديمقراطية في النظام السياسي الذي نطالب به.

كما يربط الحزب بشكل واضح بين الجانب الأخلاقي وممارسة العمل المهني لذلك يرى الحزب أن:

- الأمانة والحرص على المال العام خلق أصيل يجب أن يتوافر في كل من يعملون في مؤسسات الدولة، والأصل في تولي المهام الكفاءة والخبرة. ويركز على نشر وتعميق الأخلاق والقيم والمفاهيم الحقيقية لمبادئ الإسلام كمنهج تعامل في حياة الفرد والمجتمع، والتي قررتها أيضا سائر الأديان السماوية.

ولكي يتم الربط بين الجانب الخلقي والعمل المهني لابد من استحضار قيم الإسلام ومرجعية الشريعة لتكون المرجع والضابط والحاكم لكل تصرف وبالتالي يوضح البرنامج الفرق بين الدولة الإسلامية وغيرها فينص على: 

- والفرق الأساسي بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول هو مرجعية الشريعة الإسلامية التي تستند على عقيدة الأغلبية العظمى من الشعب المصري، وعلى الحضارة الواحدة للأمة كلها، والشريعة بطبيعتها إضافة إلى الجوانب العبادية والأخلاقية تنظم مختلف جوانب الحياة للمسلمين بيد أنها تنظمها في صورة قواعد عامة ومبادئ كلية ثم تترك التفاصيل لهم للاجتهاد والتشريع بما يناسب كل عصر ومختلف البيئات وبما يحقق الحق والعدل . كما أن هذه الدولة مسئولة عن حماية حرية الاعتقاد والعبادة ودور العبادة لغير المسلمين بنفس القدر الذي تحمى به الإسلام وشئونه ومساجده.