د / أحمد السعيد :
يتشابه الطغاة قديماً وحديثاً فى طبائعهم ومكنوناتهم الخبيثة, والتى تتهاوى فى دنائتها ووضاعتها لدرجة تدنو من الأرض ، إن لم تلتصق بها أو تخترق طبقاتها للدلالة على دنائة النفس ولتبرهن على سقوطها فى معانى السوء الأخلاقى والطبائعى.
وحتى لانخرج عن موضوع المقال والذى يدور حول فراعين مصر وتشابههم وتناقضهم فى الخصائص والطباع والهيئات ، فإن من حقائق التاريخ والواقع يمكن الجزم بأن فرعون مصر الحديث هو قريب إن لم يكن لفرعون القديم أخاً.
فلقد رضع من نفس ثدى الظلم والطاغوت, وتربى تحت يد ذات معلم الفساد والإستبداد.
و يمكن تلخيص نقاط التشابه فيما بينهما طبقاً لرؤيتهم ومرادهم كطواغيت وضيعة وساقطة فيمايلى:
- كلاً منهما رأى أنه ربنا الأعلى من خلال الأقوال والأفعال.
- كلاً منهما يرى لنا مايرى من الرأى الأصوب الذى لايخطىء أبداً.
- كلاً منهما يرى أنه لايأمر إلا بالخير ولاينهى إلا عن كل سوء.
- كلاً منهما إتخذ أهل مصر شيعاً من باب فرق تسد.
- كلاً منهما يستضعف طائفة ً من أهل مصر بين تقتيلٍ وإعتقالٍ أو نفىٍ وتشريدٍ.
- كلاً منهما إعتقد أن البلاد والعباد من أملاكه الخاصة الواجبة التوريث والتعبيد.
- كلاً منهما إتخاذ من البطانة التى ذادته سوءً على سوءه.
- كلاً منهما نهب وسرق وسطى على مقدرات الأمة وقدراتها, وجعلها نهباً لأتباعه وأزلامه وأذنابه.
- كلاً منهما يتشابه فى كبره وجبروته وعناده, على الرغم من إمهال الله لكلاً منهما لعله يذ َّكر أو يتذكر. وهذه الصفات الخبيثة كانت سبباً لهلاكهما وخزيهما.
- كلاً منهما هو لمن خلفه أيةً ٌ بينةً ٌ واضحة ً لمن طغى وبغى وأدبر وإستكبر.
بينما تتوحد هذه الفراعين من خلال وجهة نظر عوام الناس فضلاً عن حكمائهم وعقلائهم, فى أن كلاً منهما يحارب دين الله ودعوته دون إستعدادٍ لموتٍ أو رحيلٍ أو خوفٍ من الجليل.
ويتناقض الفرعونين فى أمور عدة منها:
- أن فرعون مصر القديمة جاهد فى قتل موسى بجريرة النفس المصرية التى قتلت على يديه سابقاً, دون النظر إلى أنه سليل بيت الفرعون وربيبه ومن كاد أن يكون قرة عينٍ له ولزوجه. فكانت له الوطنية عنواناً كما كانت له إدعاء الألوهية داءاً. بينما فرعون مصر الحديث باع البلاد والعباد, وفسد وأفسد الحياة والممات, أملاً فى أن يستمر فى عرشه وجاه وعلى كرسيه المغرى والمثير.
- لم يذكر التاريخ أن فرعون القدم أفسد شباب الأمة وغدر بحيويتها وعنفوانها ليستمر حاكماً ظالماً مستبداً كما فعل فرعون عصرنا الغابر.
- كانت حاشية فرعون موسى من الحكمة فى أن قالوا له وهو يواجه كلمة الله ونبيه ومعجزاته " قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ".بينما كانت حاشية فرعون العصر الحديث من الغباء الذى إتسم به فرعونهم, فطلبوا الفناء والإبادة لأهل مصر المنتفضين فى وجه والمطالبين برحيلة وسقوطه, فأرسلوا البغال والحمير والدواب والهوام فى عصر التكنولوجيا والكمبيوتر لعلهم ينالوا من أهل خيام التحرير ويعودوا معهم إلى عصر الديناصورات البحرية والبرمائية.
- حاول فرعون الزمان القديم التوبة فى وقت اللاتوبة فقال وهو على حافة الهاوية المتلاطمة الأمواج " آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". بينما فرعوننا المعاصر لايزال يعافر ويناضل فى سبيل الكذب والخديعة والنفاق والعناد الغبى الذى جبل عليه, ولاندرى هل يموت وهو على هذه الحال أم يكون فى حالٍ أشد منها سوءاً أو أفضل منها حسناً.
- نهاية الفرعونين كانت من خلال مراد الله وجنده الذين سخرهم لهذا الغرض. ولكن إختلفت الجند بين القديم وإغراقه فى الماء البحرى, والحديث وإغراقه فى محيط وبحار وأنهار التكنولوجيا الحديثة وطغيانها وجبروتها.
- لم يكن لفرعون القديم محاكمة بشرية تدين طغيانه وفساده, بينما فرعون القرن الحالى له محاكمات على جرائم عديدة تتنوع قى فداحتها وقذارتها, فذادته خزياً فوق الخزى, وهوت به قى وادٍ سحيق. مع الإيمان بأن المحكمة الإلاهية أشد وأعظم.
- نسيت أن أذكر أن إسم فرعون القديم مجهولٌ ومختلفٌ فيه. بينما حديثهم عانى وسيعانى من الطرق الحديثة فى توثيق المعلومات والحقائق والتى ستذكر دائماً للقاصى والدانى والحالى والمستقبل أن إسم فرعون مصر الحديث والمخلوع هو حسنى مبارك.

