05/06/2010
وائل الحدينى :
شهدت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى التي جرت فى غيبة الشعب المصري ، إنتهاكات مروعة ، وتزوير فاضح ، مما مثل صدمة للمشاركين فيها ، سواء بالرصد أو المراقبة أو التصويت.
ولا يخفى أن الإنتخابات فى مصر لا تحظى بأي شفافية ، إلا ما شهدته بعض مراحل الإنتخابات البرلمانية السابقة ، وذلك لعدة أسباب ، تم تجاوزها فيما بعد بالتعديلات الدستورية المعيبة التي كرست (بشكل نظري) من سيطرة الحزب الوطني (الهرم) على الحياة السياسية ، وعزلت ماعاداه ، لكنها للحقيقة لم تكرس نفوذه !.
ولا يمكن الزعم أن الحزب الوطني يعتبر حزباً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه ، فهو لا يعدو كونه مجرد تجمع لمجموعات مصالح برعاية السلطة ، يرتبط ببقائها ، وينفرط عقده بزوالها أو أفولها أو ذهابها .
الصدمة التي انتابت المراقبين لعملية السطو ـ تلك ـ ترتبط بعدة نقاط :
· التدخلات الإدارية المتوقعة ، والإنتهاكات والإحتكاكات وعمليات التسويد المألوفة ، تجاوزت الحدود المتعارف عليها .
· القضاة شاركوا فى العملية بإيجابية ، بسلبيتهم الواضحة تجاه المعوقات والإنتهاكات التي تعرض لها المرشحين والمندوبين والمصوتين على حد سواء ، واختزلوا دورهم فقط فى عمليات الفرز التي كانت محصلة نهائية لعملية تزوير فاضح سيطرت على كل مراحل العملية ، ربما بشكل غير مسبوق .
·اللجنة العليا للإنتخابات أختيرت للقيام بالدور الذي قامت به والذي أدته بطريقة لم يتوقعها الحزب الحاكم نفسه ، والذي تؤكده الشواهد التالية :
1. صمتها على المعوقات التي تزامنت مع فتح أبواب الترشيح .
2. عدم إحترامها لأحكام القضاء الإداري .
3. تدخلها كطرف أصيل لصالح الحزب الحاكم وتبني مطالبه فيما يخص دعاية وشعارات المنافسين .
4. المشاركة فى لعبة ( الوكلاء والمندوبين) ، وهي فانتازيا متكررة ، حيث لا يحصل سوى أنصار الحزب الحاكم على تأشيرات (مأموري المراكز) ، بينما يحصل أنصار الخصوم على تأشيرات من الشهر العقاري ترفضها الشرطة ، وبذا يتم إخلاء مراكز الإقتراع سوي من مندوبين للنظام ، وموظفين تابعين للجهاز الإداري للنظام ، فى حراسة شرطة النظام ، وكلهم لا تتوافر لديه الضوابط والأخلاقيات التي تمنعه من التزوير ، بل يقبل عليه بشهية فاشستية لا تنتهي إلا بنهاية آخر ورقة بيضاء داخل اللجان .
5. عدم تجاوبها مع شكاوي يوم الإقتراع وزعمها أكثر من مرة بعدم وجود شكاوى من المرشحين ،فى الوقت الذي كان فيه بعضهم قد أعلن إنسحابه ، والبعض الآخر تمكن من الحصول على أحكام قضائية بإلغاء الإنتخابات .
6. لم يطرح أحدهم على نفسه سؤالاً : لماذا لم يفز الإخوان بأي مقعد ، رغم نجاح 75% من مرشحيهم في آخر انتخابات قبل إلغاء الإشراف القضائي ، ويقابله سؤال آخر : لماذا يفوز الحزب الوطني بكافة المقاعد ، رغم أن نسبة نجاح مرشحيه لم تتعدى 30% في آخر انتخابات قبل إلغاء الإشراف القضائي .
7. لم يطرح أحدهم على نفسه سؤالاً : كيف ينجح مرشحي الإخوان في حشد عدة آلاف أمام لجان الفرز ، في الوقت الذي لم يستطع فيه أحدهم الفوز سوى بعدة مئات من الأصوات ، ويقابله سؤال آخر : كيف يحصل مرشح الوطني في معظم مراكز الاقتراع على 860صوت من 880 ، ويحصل مرشح الإخوان في المقابل على 8 أصوات .
8. لم يطرح أحدهم على نفسه سؤالاً : ماذا تعني المشاهد التي نقلتها العديد من المواقع لعمليات التزوير في بث حي ومباشر ، هل يعتبر ذلك تلفيقاً ، ولماذا لم يحصل الوطنى على صورة واحدة تدين خصومه ؟!
حماقة نتينياهو وإنتهازية الوطني:
· لن أتوقف كثيراً حول أهمية الإنتخابات بالنسبة للحزب الحاكم ، بإعتبارها معبراً للإنتخابات الرئاسية ، فالحزب تحكمه رؤى وأفكار ، وتحصنه ممارسات وتحميه قوانين وحالات ، ولا تؤسس هذه الإنتخابات لأي تهديدات يمكن أن توقف مسيرته الإستبدادية .
باعتقادي أن الحزب لم يكن يملك تصوراً واضحاً لكيفية إدارة العملية الإنتخابية فى هذا اليوم ، لكن حادثة أسطول الحرية وإلتفات العالم كله إليها ، ارتبط بقرار سريع وغير مدروس بتمرير التزوير الذي تملك الدولة أدواته .
فوسائل الإعلام خاصة الكبيرة منها ، والوكالات الشهيرة غابت عن المشهد الذي يمكن أن يمثل مغنماً لها فى أوقات غير هذه ، بينما اكتفت بعضها بالمتابعة الروتينية ، وبعضها الآخر بمشاهدات مغلوطة لمراسلين يفتقدون للحرفية ، ويرتبطون بالمصالح مع جهاز الدولة فأتت تغطياتهم تفتقد للصدقية أومجرد الحيادية .
كما أعتقد أن قرار الرئيس بفتح معبر رفح ـ رغم الترحيب به ـ جاء كضربة قاصمة للخصوم ، حيث صرف الأنظار نهائياً عن جريمة كبرى كانت ترتكب فى ذلك التوقيت ـ فى حق شعب صاحب حضارة وتاريخ ، فاختلط الإنساني بالإجرامي فى توافق غير مسبوق أيضاً .
· لم يكن نقل مشهد يجلس فيه صفوت الشريف وأحمد عز أمام مجموعة من الشباب ذوي القمصان البيضاء ، ويعتمر كل منهم سماعة هاتف محمول وأمامه جهاز كمبيوتر ، يعبر عن إهتمام الحزب بالإنتخابات ، فهو لا يعدو كونه مشهداً (هزلياً) مصمم ـ بجهل ـ لوسائل الإعلام ، أما النظرة التي كان يرمق بها نجل الرئيس الحضور ، فهي لا تعدو كونها دليلاً على الفكر الجديد الذي نادى به وفجره ، وكشفته فى نفس الوقت ممارساته الواقعية ، والتي أكدت أنه لا يملك المؤهلات الكافية للتصعيد إلى رئاسة حزب كرتوني من أحزاب المعارضة ، وأنه لا يزيد عن كونه ابن الرئيس واللافته التي تجمع لوبيات المصالح .
·أحمد عز قاد العملية برمتها وأكد أن الرجل القوي فى النظام ، وأنه لايؤسس مكانته على أي قيم أو ضوابط ، وأنه لا يملك فكراً سوى أبجديات التزوير ، بينما بدا صديقه الذي كان يستعد لعبور الحالة المصرية كملك متوج مشرفاً على ما حدث ، أما باقي قيادات الحزب فهم مجرد دمى تفتقد للرؤية أو الحافز القيمي ، كوزير الصفر المُنّظر صاحب التاريخ .
من المسئول :
يمكن القول أن مسئولية ماحدث تتوزع على كل الأطراف :
الحزب الوطنى : الذي زور الانتخابات ، والذي قضى على أي أمل فى التغيير ، و كرس من حالة الإستبداد والإحباط ، وقضى على طموحات شعب وأخلاقياته وأطاح بقيمه ، وانتهى به إلى صورة اقرب إلى هزال شعب ، وبقايا حضارة وتاريخ .
الشعب : الذي شاهد التزوير والتزييف ، وتعود عليهما واستسلم لهما وشارك فيهما عامداً ، واصبح يبيع صوته وصمته ومستقبل أبنائه بفتات عملة مالية فقدت الاتزان والتأثير والاحترام .
الإخوان :الذين غلبّوا أبعاد المشاركة في الحياة السياسية ، بدون التركيز على البحث عن وسائل لفرض قيم النزاهة والشفافية على النظام ، وتقييد ممارساته ، وكذا بمساهمتهم فى كفالة الشعب الفقيرالذي تخلى عنه النظام والدولة ، دون الاهتمام بجوانب التوعية والتثقيف الجماهيري والحقوقي له .
الكيف وليس الكم ، واقتناص الضمانات ولو قهراً من الفاشستيين الاحتكاريين ، وتثقيف الشعب وتوعيته ، وإعادة ضبط بوصلته بوعي ، لابد أن يقدم على أي استحقاقات أخرى للشعب ، فى هذه المرحلة .
إنتخابات الشورى مجرد خمس دقائق ـ خسرها الحزب الوطني ـ فى مباراة طويلة لو يعلم المشاركون .
والمزور سيحفر التاريخ قبره غداً .
عاد الضابط ـ الذي زور وزيف ـ ألى أهله وأولاده يحمل عاراً ، بعد أن زور وهدد وانتهك وظلم ، وأخطأ فى الذات الإلهية ، وعاد القاة السياسيون على أوزار التزوير وغفلة الشعب ، يؤسسون لاستبداد التطاول والنهب لأرزاق الناس وطعامهم ، وثروات البلد وكنزها ، وعين الله ترقب ، وفزعة يوم الحساب تنتظر .
جفت الصحف ، ورفعت الاقلام ، وثبت الوعد .

