6/12/2009
د. محيي حامد
إن الأمة تتعرَّض اليوم لأشرس هجمة، تستهدف دينَها وهويتَها وخصائصَها الحضارية والثقافية جمعاء، هجمة طالت مناهج التعليم بالتحريف، كما طالت الأجيال الإسلامية بالتخريب، وطالت عاداتنا وتقاليدنا بالإفساد، هجمة تستهدف العالم الإسلامي بالإذلال والإخضاع والتحكم به وبمقدراته، هجمة تسعى إلى صناعة حكومات وأنظمة حكم ومجالس نيابية مذعنة وخاضعة لسياساتها وقراراتها، وصولاً إلى فرض المشروع الأمريكي الصهيوني على المنطقة بكاملها، وإن مواجهة مخططات المشروع الأمريكي الصهيوني- سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم إعلامية أم تعليمية- غَدَا فرضَ عينٍ على كل فرد من أفراد هذه الأمة.
في هذه الظروف التي تحيط بالأمة الإسلامية محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، قد يتبادر إلى ذهن البعض عدة تساؤلات عن رؤية الإخوان المسلمين للإصلاح ومتطلباته ومقوماته الأساسية في ضوء منهجنا الإسلامي وتاريخ الأمة الإسلامية والواقع الحالي لها، وهذا الأمر يتطلب إيجاز ما كُتِب عن الإصلاح في وثائق الإخوان المسلمين ورسائل الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله؛ حتى يمكن استخلاص المفاهيم والواجبات اللازمة لتحقيق الإصلاح المنشود للأمة الإسلامية.
أولاً: مفهوم الإصلاح:
ويمكن تلخيص ما ذُكر عن مفهوم الإصلاح وتحديده؛ بأنه وظيفة إنسانية أصيلة، لا تنفك عن الإنسان ولا ينفصل عنها، مرتبطة بتكليفه الحياتي في الأرض، فبقدر الإنسانية يكون الإصلاح، وبقدر تقلُّصها في النفوس يكون الفساد، فلا إصلاحَ إلا بالإيمان.
إن الإصلاحَ صفةٌ أصيلةٌ للذين يحملون لواءَ دعوته في كل زمان ومكان، وليست فعلاً مؤقتًا مرتبطًا بظروف خاصة أو ردًّا لفعل الآخرين.
والإصلاح نقيض الإفساد، ولقد كانت رسالات الله دعواتٍ إصلاحيةً، والله يخبر عن نبيه شعيب عليه السلام وهو يشرح لقومه حقيقةَ رسالتِه الإصلاحية بقوله: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾ (هود).
والإصلاح في مسماه الشرعي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾ (آل عمران).
ثانيًا: منهج الإسلام في الإصلاح:
لقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم أوضاعًا سياسيةً واجتماعية واقتصادية فاسدةً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وفي كافة هذه المجالات قام منهج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتغيير الذي أحدثه في المجتمع المحلي والإقليمي والدولي على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، والتركيز الشديد على الجوانب التربوية وتكوين الشخصية المؤمنة بحق الملتزمة بصدق؛ لإصلاح فساد الأنظمة من ناحية، وضمان تحقيق الوحدة الشاملة من ناحيةٍ أخرى، وصولاً في النهاية إلى عودة الأمة المسلمة لتتبوَّأ مكانتها القيادية على المستوى العالمي، لتعديل مسار النظام الدولي، والأخذ بيده إلى طريقِ الحرية والعدالة والمساواة والرخاء.
ثالثًا: أسس الإصلاح عند الإخوان المسلمين:
ومما سبق ذِكْرُه في تحديد مفهوم الإصلاح ومنهج الإسلام في تحقيق ذلك؛ يمكن استخلاص المفاهيم والخصائص الأساسية للإصلاح عند الإخوان المسلمين في ضوء ما ورد في رسائل الإمام المؤسس رحمه الله:
1- إن هذا الإصلاح الإنساني يسعى لتكريم الإنسان ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: من الآية70)، ويقبل من الحضارة الإنسانية ما لا يخالف مبادئ الإسلام وسلوكياته، كما أنه يضيف إلى الحضارة الإنسانية ما تسعد به البشرية ﴿يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)﴾ (المائدة).
2- إنَّ المهمةَ الأساسيةَ للإخوان المسلمين والهدف الأسمى الذي إليه يقصدون وعليه يعملون؛ هو تحقيق الإصلاح الشامل الكامل الذي تتعاون عليه الأمة جميعًا وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل، فالبشرية لن تسعد حتى يكون الدين كله لله ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)﴾ (الأنعام)، ويوضح الإمام البنا رحمه الله فكرة الإخوان المسلمين الإصلاحية فيقول: ".... كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتُهم كلَّ نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثَّلت فيها كلُّ عناصر غيرها من الفكر الإصلاحي، وأصبح كلُّ مصلح غيور يجد فيها أمنيتَه، والتقت عندها آمالُ محبِّي الإصلاح الذين عرفوا وفهموا مراميَها" (الإخوان المسلمون والحكم).
3- إن المنهج الإسلامي منهج تغييري يبدأ بتغيير ما في هذه النفس البشرية ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11)، وإن إصلاح الواقع لا بد أن يسبقه ويصاحبه إصلاح النفس، ومهما بذلنا من جهود وأوقات في إصلاح الواقع ومحاربة الفساد لن نجني لها ثمارًا إلا إذا أفلح المصلحون في تغيير أنفسهم، وكانوا قدوة لغيرهم في عملية التغيير.
ويشخص الإمام البنا رحمه الله الداء والدواء لتحقيق الإصلاح المنشود فيقول: "هذه بعض الأمراض التي ألمَّت بهذه الأمة، والعلة ليست من النوع البسيط الذي يسهل التعامل معه بالأسلوب البسيط، وإنما العلة من النوع المعقد الذي نَمَا واستشرى خلال قرونٍ ونتيجة ظروف، وأساس هذه العلل وغيرها الانصراف عن منهج الله... البعد عن كتابِ الله وسنة رسوله... وإذا لم تقم في الدنيا (أمة الدعوة الجديدة) تحمل رسالة الحق والإسلام فعلى الدنيا العفاء، وعلى الإنسانية السلام".
4- إن الإصلاح الإسلامي تقوم به الأمة مجتمعة، فلن يتحقق الإصلاح إلا إذا تحملت الأمة مسئولياتها، وحركة الإصلاح في المجتمعات تحتاج إلى جهود كل المُصلحين والدعاة المخلصين، أصحاب الهمم العالية، والنفوس المؤمنة، والعزائم القوية الذين يتقدمون الصفوفَ ولا يتراجعون، ويضحُّون بأنفسهم ولا يضنون، وينفقون من أموالهم وأوقاتهم ولا يبخلون، فأولئك هم الفائزون في الدنيا والآخرة... ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: الآية 23)، ويحدد الإمام البنا رحمه الله مكانة الإصلاح في غاية الإخوان المسلمين: "... أما غاية الإخوان الأساسية، أما هدف الإخوان الأسمى، أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم؛ فهو إصلاحٌ شاملٌ كاملٌ تتعاون عليه الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل" (رسالة المؤتمر السادس).
5- إن السبيل إلى تحقيق الإصلاح الشامل يحتاج إلى كفاحٍ طويل وصراع قوي شديد بين الحق والباطل وبين المصلح والمفسد، كما يتطلَّب أيضًا العمل المتواصل والجهاد المستمر والتضحية بكل غالٍ ونفيس؛ فالمؤمن في سبيل تحقيقه الغايةَ التي من أجلها يعمل قد باع نفسه وماله لله؛ فليس له فيهما من شيء، وإنما هما وقف على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس... ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية 111)، وإن التدافع بين الحقِّ والباطل من سنن الله في النصر والتمكين... ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ﴾ (البقرة: من الآية 251).
6- إن النهج السلمي في الإصلاح يرفض أسلوب الانقلاب العسكري أو الثورات الهوجاء، ويحقق المفهوم الصحيح للجهاد لإعلاء كلمة الله والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: من الآية 125) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ (الحج).
ويحدد الإمام البنا رحمه الله أصول منهج الإخوان المسلمين في الإصلاح: "... إن للإخوان المسلمين منهاجًا محدودًا، يتابعون السير عليه، ويزنون أنفسهم بميزانه، ويعرفون بين الفينة والفينة أين هم منه، فإذا سألتهم عن أصول هذه المناهج النظرية: ما هي؟ فإني أجيبك في صراحةٍ تامةٍ: هي الأصول والقواعد التي جاء بها القرآن الكريم. فإذا قلت: وما هي وسائلهم وخطواتهم العملية؟ أقول لك في صراحة كذلك: هي الوسائل والخطوات التي أُثِرت عن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، ولا يَصْلُح آخر الأمة إلا بما صلح أولها" (رسالة "هل نحن قوم عمليون").
7- إن التدرج في الإصلاح يأخذ في الاعتبار تحقيق كل المتطلبات اللازمة للنهوض بالأمة من هذه الانتكاسة الحضارية في كل المجالات، فيبدأ بتحقيق الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينات، ويبدأ من الفرد فالأسرة فالمجتمع فالدولة التي تنشر الخير، وتوحد المسلمين وتقوم بالإصلاح وِفق مراحل متدرجة حتى تعود الأمة للقيام بواجبها الحضاري على المستوى العالمي كما عرفه التاريخ في دولة الخلافة الراشدة، ولقد شرح الإمام البنا رحمه الله موقف الإخوان المسلمين من الهيئات والحكومات من أجل تحقيق الإصلاح: "فهذه رسالة الإخوان المسلمين, نتقدم بها, وإنا لنضع أنفسنا ومواهبنا وكل ما نملك تحت تصرف أي هيئة أو حكومة تريد أن تخطو بأمة إسلامية نحو الرقي والتقدم, نجيب النداء، ونكون الفداء. ونرجو أن نكون قد أدينا بذلك أمانتنا وقلنا كلمتنا، والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". ويوضح رحمه الله السبيل الضروري واللازم لتحقيق الإصلاح؛ فيقول: "ولسنا نعتقد أن تحقيق هذه المطالب من الهَيِّنات بحيث يتمُّ في عشية أو ضحاها، كما أننا نعلم أن كثيرًا منها أمامه من العقبات المتشعبة ما يحتاج إلى طول الأناة وعظيم الحكمة وماضي العزيمة, كل ذلك نعلمه ونقدره, ونعلم إلى جانبه أنه إذا صدق العزم وضح السبيل, وأن الأمة القوية الإرادة إذا أخذت في سبيل الخير فهي لا بد واصلة إلى ما تريد إن شاء الله تعالى, فلتتوجهوا والله معكم" (رسالة نحو النور).
8- إن المشاركة في الحياة السياسية بكل أشكالها ومستوياتها خطوةٌ على طريق الإصلاح؛ ولذا كانت المشاركة في الانتخابات بصورها المتعدِّدة خيارًا إستراتيجيًّا لإحداث التغيير المنشود بالنهج السلمي الدستوري، والذي عبَّر عنه الإمام البنا بقوله: "أما وسائلنا العامة فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدةٍ وإيمان، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح، ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية".
9- إن المنهج العملي للإصلاح لا يقتصر فحسب على نظريات للإصلاح، ولكن خطوات عملية تقدم قدوة من الأفراد ونماذج من المؤسسات لحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفق المنهج الإسلامي، وذلك ليس مرهونًا بالوصول للسلطة، ولكن في كل مرحلة من مراحل الإصلاح قبل الوصول.
10- يحدد الإمام البنا رحمه الله مقومات الإصلاح في أمور أربعة:
- بناء النفوس وتشيد الأخلاق وتكوين الرجال.
- إعداد الأمة لكفاح طويل عنيف وصراع قوي بين الحق والباطل.
- تربية الشعوب على الجهاد والسخاء بالتضحيات.
- إعداد أصحاب الهمم والعزائم الصادقة القادرة على قيادة الأمة نحو الإصلاح.
فيقول رحمه الله: "إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ- كما ذكر الإمام البنا رحمه الله- تحتاج من الأمة التي تحاول هذا، أو من الفئةِ التي تدعو إليه على الأقل إلى قوةٍ نفسيةٍ عظيمة تتمثَّل في إرادةٍ قويةٍ لا يتطرَّق إليها ضعف، ووفاءٍ ثابتٍ لا يعدو عليه تلوُّنٌ ولا غدر، وتضحيةٍ عزيزةٍ لا يحول دونها طمعٌ ولا بخلٌ، ومعرفةٍ بالمبدأ وإيمانٍ به وتقريرٍ له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره، وكل شَعْبٍ فَقَدَ هذه الصفات الأربع- أو على الأقل فقدها قوَّادُه ودعاة الإصلاح فيه- لهو شعبٌ عابثٌ مسكين لا يصل إلى خيرٍ ولا يُحقِّق أملاً، وحسبه أن يعيش في جوٍّ من الأحكام والظنون والأوهام".
11- إن الإصلاح الشامل مطلبٌ وطنيٌّ وقوميٌّ وإسلاميٌّ، وإن الشعوب هي المعنية أساسًا بتحقيق الإصلاح الذي يهدف إلى إنجاز آمالها في حياة حرة كريمة ونهضة شاملة وحرية وعدل ومساواة وشورى.
12- إن الإصلاح يحتاج إلى جهاد وتضحية وبذل وعطاء؛ ولذا يقول الإمام البنا رحمه الله: "من الجهاد في الإسلام- أيها الحبيب- عاطفةٌ حية قوية تفيض حنانًا إلى عزِّ الإسلام ومجده، وتهفو شوقًا إلى سلطانه وقوته، وتبكي حزنًا على ما وصل إليه المسلمون من ضعفٍ، وما وقعوا فيه من مهانة، ومن الجهاد في سبيل الله- أيها الحبيب- أن يحملك هذا الهم الدائم والجَوَى اللاحق على التفكير الجِدِّي في طريق النجاة، وتلمُّسِ سبيل الخلاص، وقضاءِ وقت طويل في فكرة عميقة تمحّص بها سبيل العمل وتتلمَّس فيها أوجه الحيل، لعلك تجد لأمتك منفذًا أو تصادف منقذًا".
13- إن التضحيات الكبيرة التي تلازم طريق الإصلاح تحمل في طياتها فوائد عديدة ومكاسب كثيرة، ربما لا تدرك الآن ولكنها تتجلَّى بوضوحٍ مع مرور الوقت الزمن، وما تعرَّضت له هذه الدعوة المباركة من أذًى وتضييقٍ ومحنٍ، باعتقالٍ أو تشريدٍ أو مصادرةٍ للأموال والشركات أو غير ذلك؛ فهذا كله قد أفاد الدعوة وزادها قوةً وأثرًا، وجعل لها هذه المكانة في قلوب الناس، وإن المواقف الصعبة والأزمات تصنع الرجال وتصقلهم، وتجعلهم أهلاً للتمكين والنصر، ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة).
14- إن الابتلاء هو سنة ماضية ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾ (العنكبوت)؛ ولذا فإن صاحب الدعوة ماضٍ في طريق الإصلاح ثابت على مبدئه آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر ناصحٌ للأئمة المسلمين وعامتهم، صابر على الابتلاء، يبذل ويعطي حتى يلقى الله تعالى وهو عنه راضٍ.
15- إن الصبر والثبات والرجوع إلى الله عزَّ وجل وحسن الصلة به والتوكل عليه من عوامل النصر والنجاح بإذن الله تعالى... ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)﴾ (آل عمران).
16- إن الأمل والثقة واليقين بوعد الله يملأ القلوب همةً وعزيمةً، وعملاً واجتهادًا، وتضحيةً وفداءً، ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ (النور: من الآية 55)، وكما يقول الإمام البنا رحمه الله: "لا تيأسوا؛ فليس اليأس من أخلاق المسلمين, وحقائق اليوم أحلام الأمس, وأحلام الأمس حقائق الغد, ولا زال في الوقت متسعٌ, ولا زالت عناصر السلامة قويةً عظيمةً في نفوس شعوبكم المؤمنة، رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعف لا يظل ضعيفًا طول حياته, والقوي لا تدوم قوته أبدَ الآبدين, فاستعدوا واعملوا اليوم؛ فقد تعجزون عن العمل غدًا".
ـــــــــــــــــــــــــــ
* عضو مكتب الإرشاد.

