16/06/2009
كثر الحديث عن تمكين المرأة والتمييز الإيجابي للمرأة، على المستوى العالمي ومؤتمرات بكين وبكين+ 5، وانعكس ذلك على الحياة العامة في الأمة العربية، فسميت نساء في بعض مجالس الشورى المعينة، أو عُيِّنَت وزيرات في بعض الحكومات، أو أُصدرت قوانين لتمكين المرأة من المشاركة في المجالس النيابية، كما في مصر؛ بما عُرف بقانون "كوتة" المرأة في مجلس الشعب المصري.
وفي إيجازٍ أعرض بعض واجبات المرأة المسلمة نحو المجتمع:
اعتاد الناس أن نحدثهم عن حقوق المرأة في الإسلام، كما اعتادوا أن نقارن حقوق المرأة في المجتمعات الغربية وحقوقها في المجتمع المسلم؛ لنحبِّبَ إلى النساء الالتزام بالإسلام الذي يُحييهنَّ الحياةَ الطيبةَ التي وعد الله بها الذكر والأنثى من المؤمنين.. ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾ (النحل)، ولا بأس من هذه المقارنة، إلاَّ أنَّ تناول مهامِّ المرأة في المجتمع المسلم ومن منظور الواجبات؛ هو أعظمُ أثرًا في نفس المرأة المسلمة التي تسعى إلى مرضاة ربها والفوز بالجنة والنجاة من النار.
والآية الجامعة توضِّح هذه الواجبات في كلمات محكمات، قليلة العدد، بيِّنات المعنى.. ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)﴾ (التوبة).. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل كل مجالات السعي البشري؛ فالمعروف: هو كل ما يعرفه الشرع ويأمر به ويمدحه ويُثني على أهله، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، والمنكر: هو كل ما يُنكره الشرع وينهَى عنه ويذمُّه ويذمُّ أهله، ويدخل في ذلك جميع المعاصي.
وأول الواجبات الإيمان بالله ونصرة رسوله، ولحكمة شاءها العليم الخبير كان أول عضو في المجتمع المسلم هي خديجة عليها السلام، التي ساندت وأيَّدت وأدخلت السكينة على رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما كانت سمية رضي الله عنها من السابقات إلى الشهادة في سبيل الله.
والمرأة المسلمة عمومًا عليها واجب إقامة ودعم وتقوية المجتمع المسلم.. ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ (الممتحنة: من الآية10).
كذلك فإن سمات المجتمع المسلم هي سمات رجاله ونسائه على حدٍّ سواء.. ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)﴾ (الأحزاب).
وللمرأة في المجتمع المسلم بيعة كما للرجل بيعة.. ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)﴾ (الممتحنة).
المرأة في المجتمع المسلم قدوة للمؤمنين والمؤمنات على حدٍّ سواء؛ فهي رمزٌ لمقاومة الظالمين حتى لو كانوا أقرب الناس إليها وأعظمهم سلطانًا عليها.. ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)﴾ (التحريم)، كما أنها رمزٌ للعفة والطهر.. ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ (12)﴾ (التحريم).
ومن مهامِّ المرأة نحو المجتمع المبادرة بالنصيحة؛ فهذه أم سلمة رضي الله عنها كانت المبادِرة بالمشورة والنصيحة لإنقاذ الأمة، فكما روى البخاري عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد صلح الحديبية: "قوموا فانحروا ثم احلقوا"، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحدٌ دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله؛ أتحب ذلك، اخرج لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة، حتى تنحر بُدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يُقتل غمًّا، فكان لنصيحة أم سلمة إنقاذٌ للأمة بأسرها.
ودفاع المرأة عن نفسها ضد الأعداء أمرٌ مشروعٌ.. أخرج "مسلم" في صحيحه عن "أم سليم" زوج "أبي طلحة" أنها اتخذت خنجرًا يوم (حنين)، فلما سألها رسول الله صلى الله عليه سلم قالت: "اتخذته إن دنا مني أحد المشركين بقرت بطنه"، ولم ينكر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك خرجت "نسيبة بنت كعب" في حروب الردة في عهد "أبي بكر" رضي الله عنه حمايةً للمجتمع المسلم، فباشرت القتال بنفسها، وعادت وبها عشرات الجراحات بين طعنة وضربة.
الجهاد في سبيل الله، وهو ذروة سنام الإسلام، يصير واجبًا إذا وَطِئت أقدام العدو أرض الإسلام، فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، والعبد بغير إذن سيده.
والغزو في سبيل الله فضيلة للمرأة إذا كان لمداواة الجرحى وتطبيب المرضى، كما أخرج "مسلم" و"أحمد" و"ابن ماجه" عن "أم عطية" الأنصارية قالت: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى".
وكذلك روى البخاري وأحمد عن الربيع بنت معوّذ قالت: "كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونردُّ القتلى والجرحى إلى المدينة"، والمدينة حينئذٍ هي موطن المجتمع المسلم.
هذه بعض مهامِّ المرأة نحو المجتمع؛ أسوقها تنبيهًا إلى عظم الواجبات الملقاة على المرأة نحو المجتمع، فالمشاركة في الشأن العام وإرشاد المجتمع والدفاع عنه؛ واجبٌ على المرأة يستلزم التضحية بالجهد والمال والنفس، وكلٌّ في موطنه وحسب ظروفه.
فكل ما ذكرت من واجبات مطلوب في المجتمع الفلسطيني، وكثير مما ذكرت مطلوب في بقية مجتمعاتنا العربية، ولا يكفي في مصر تشريع أعرج يخص المرأة ببعض مقاعد في البرلمان المصري، ويبقى قول الحق تبارك وتعالى مبينًا للمرأة والرجل واجبهما نحو المجتمع في كل زمان ومكان: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)﴾ (التوبة).
ـــــــــــــــــــــ
* الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين.

