تشهد منصات التواصل الاجتماعي في مصر منذ أيام موجة متصاعدة من القلق الشعبي، بعد انتشار منشورات ومقاطع فيديو تدعو إلى اتخاذ "إجراءات احترازية صارمة" بسبب الوضع الوبائي في البلاد، بينما بدا كثيرون وكأنهم أمام مشهد يُذكّر بأجواء جائحة كورونا الأولى.

 

وفي ظل هذا التوتر العام، خاصة بين أولياء الأمور، تصاعدت الادعاءات والمعلومات المضللة، وتداول البعض تحذيرات من تفشي "متحور جديد" لكورونا، فيما روج آخرون لشائعات عن تعطيل الدراسة، وهو ما عزز حالة الارتباك والقلق لدى ملايين المصريين.

 

ويستعرض هذا التقرير أبرز الادعاءات المتداولة حول الوضع الصحي، استنادًا إلى المصادر الرسمية والتصريحات الموثوقة وآراء الأطباء المتخصصين، لتقديم صورة واقعية تميّز بين الحقائق والمبالغات على الفضاء الرقمي.

 

منشورات تثير المخاوف وتتهم بالتعتيم

 

بالتزامن مع تصاعد القلق، انتشرت على المنصات الرقمية منشورات وصور مجمّعة حصدت آلاف المشاركات، تزعم ظهور "متحور جديد شديد الخطورة".

 

وترافقت هذه المنشورات مع اتهامات للجهات الرسمية بممارسة "التعتيم وإخفاء الحقيقة"، مما فتح الباب أمام موجة جديدة من الجدل الشعبي، وزاد من مستوى التخوف العام لدى المواطنين.

 

خطب دينية ومقاطع مضللة: هل حذّر الأزهر من متحور جديد؟

 

انتشرت على مواقع التواصل مقاطع فيديو - خصوصًا عبر "تيك توك" - تزعم أن خطبة الجمعة الأخيرة خُصصت للحديث عن "المتحور الجديد" والتحذير من "حرمانية ذهاب الأطفال المرضى للمدرسة"، في ظل أمراض متداولة بين طلاب المدارس.

 

وجرى تداول هذه المقاطع، التي حصدت مئات آلاف المشاهدات، مرفقة بصور لوزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، إضافة إلى مطالبات من أولياء الأمور بإلغاء التقييمات الأسبوعية والشهرية حماية للطلاب.

 

لكن التحقق أظهر أن الخطبة الموحدة لأكثر من 160 ألف مسجد داخل مصر جاءت بعنوان "كن جميلا ترَ الوجود جميلا"، ولم تتطرق نهائيًا للوضع الصحي، وذلك وفق النص المنشور على موقع وزارة الأوقاف.

 

أما الجامع الأزهر—الذي يخضع لقرارات مشيخة الأزهر فقط—فخصص خطبته الأخيرة بعنوان "كف الأذى عن النفس والغير من شعب الإيمان"، وألقاها الأمين العام لهيئة كبار العلماء عباس شومان.

 

وخلالها أوضح شومان أن من يصاب بنزلات البرد والأمراض المعدية "يلزمه شرعًا اتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم الإضرار بالآخرين"، محذرًا أولياء الأمور من إرسال أطفال مرضى إلى المدارس، معتبرًا ذلك خيانة تخالف قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".

 

شائعات تعطيل الدراسة: ما حقيقتها؟

 

تداولت منصات التواصل خلال الأيام الماضية منشورات ومقاطع فيديو تزعم صدور قرار بتعطيل الدراسة في مصر الأسبوع المقبل، بهدف تعقيم الفصول واتخاذ إجراءات للحد من العدوى بين الطلاب. لكن فحص الادعاءات يؤكد أنها غير صحيحة.

 

فمديرية التربية والتعليم بالقاهرة أصدرت بيانًا رسميًا أكدت فيه انتظام الدراسة في جميع مدارس المحافظة، باستثناء 324 مدرسة فقط تم تخصيصها كلجان انتخابية.
كما نفى مدير مديرية التعليم في الجيزة وجود أي نية لتعطيل الدراسة، موضحًا أن الفصول ودورات المياه تُعقم يوميًا بعد خروج الطلاب، وأن العام الدراسي يسير بشكل طبيعي.

 

الادعاء الأخطر: هل ظهر متحور جديد لكورونا في مصر؟

 

رصد فريق التحقق تداول منشورات على منصتي "فيسبوك" و"إكس" تزعم رصد متحور جديد لفيروس كورونا داخل مصر، وتحذر من عودة محتملة لقيود الجائحة.

 

في المقابل، يؤكد أطباء ومتخصصون أن أغلب الإصابات المنتشرة حاليًا تنتمي إلى فيروسات معروفة، مثل:

 

  • الإنفلونزا الموسمية

 

  • فيروس التنفس المخلوي  (RSV)

 

  • فيروسات تنفسية منتشرة سنويًا في هذا التوقيت.

 

ورغم ذلك، نشر بعض الأطباء على مواقع التواصل منشورات تشير إلى أن ما يصيب طلاب المدارس قد يكون متحور كورونا الجديد المعروف باسم "نيمبوس " (NB.1.8.1)، موضحين أنه يظهر بأعراض شبيهة بسلالات أوميكرون السابقة.

 

وذكر أحد الأطباء في منشور له: "المتحور سريع الانتشار لكنه مش أخطر من اللي قبله، ويحتاج فقط الهدوء والمتابعة والرعاية السليمة، وهي أهم من أي خوف أو تهويل".

 

الصحة : لا متحورات جديدة في مصر

 

وزارة الصحة بحكومة الانقلاب نفت تمامًا ظهور أي فيروس جديد أو متحوّر غير معروف داخل البلاد.


وأوضح المتحدث الرسمي حسام عبد الغفار في تصريحات متلفزة: "نرصد ارتفاعًا في الإصابة بالفيروسات التنفسية، لكنها لا تختلف عن معدلات العام الماضي".

 

وأكدت الوزارة في بيان رسمي أن الوضع الوبائي للفيروسات التنفسية في مصر مستقر تمامًا.

 

وأشار عبد الغفار إلى أن شعور بعض المواطنين بأن الفيروسات المنتشرة أقوى من السابق يعود إلى انخفاض المناعة نسبيًا لدى كثيرين، نتيجة عدم التعرض لسلالات الإنفلونزا لعدة سنوات بعد جائحة كورونا، مؤكدًا أن "الحديث عن زيادة الوفيات بين الأطفال بسبب الإنفلونزا شائعات لا أساس لها".

 

حقيقة متحوّر "نيمبوس" عالميًا

 

تشير تقييمات منظمة الصحة العالمية إلى أن المتحور NB.1.8.1  مصنف ضمن فئة المتحورات "تحت المراقبة"، وليس ضمن المتحورات المثيرة للقلق.

 

وتؤكد مراجعات المنظمة أنه يسجل انتشارًا متزايدًا في بعض الدول، لكنه لا يظهر أي خصائص غير معتادة من حيث شدة المرض أو خطورته.

 

كما لم تسجل أي دولة ارتفاعًا في:

  • دخول العناية المركزة

 

  • الوفيات المرتبطة بالمتحور.

 

وظهر المتحور لأول مرة في يناير 2025، وتشير المنظمة إلى أن اللقاحات المعتمدة لا تزال فعّالة ضده.

 

الوضع الوبائي عالميًا: لا طفرات ولا موجات استثنائية

 

تظهر البيانات المنشورة على لوحة معلومات منظمة الصحة العالمية أن الاتجاهات العالمية لكوفيد-19 لا تشير إلى أي "موجة غير مسبوقة" أو انتشار مرتبط بمتحور خطير جديد.

 

كما توضح البيانات أن 65 دولة فقط تواصل الإبلاغ عن حالات كوفيد-19، فيما دمجت دول أخرى مراقبة الفيروس ضمن منظومة رصد أمراض الجهاز التنفسي الموسمية.

 

وخلال 28 يومًا حتى 2 نوفمبر 2025، سجّل العالم نحو 122 ألف حالة فقط، بانخفاض يقارب 40  ألف حالة عن الفترة السابقة، وهو ما يعكس استقرار الوضع الوبائي عالميًا وعدم وجود أي نمط انتشار غير اعتيادي.

 

خلاصة المشهد

 

رغم حالة القلق المتصاعدة على منصات التواصل، إلا أن الأدلة الرسمية والطبية تزعم عدم وجود متحور جديد خطير في مصر، وأن الوضع الوبائي مستقر، بينما تعود معظم الإصابات إلى فيروسات موسمية معتادة.

 

لكن العديد من الأطباء الممارسين يؤكدون أن التعامل مع الأوضاع الوبائية لا يحتمل المجاملة أو التهاون، فإخفاء أي متحور جديد—إن وُجد—أو التقليل من حجم انتشار الأمراض التنفسية، لا يهدد صحة الأفراد فحسب، بل يضع مستقبل الطلاب والمنظومة التعليمية والاقتصاد والمجتمع كله على المحك. فالتجارب العالمية خلال جائحة كورونا أثبتت أن التأخر في المصارحة أو التباطؤ في اتخاذ القرارات الحاسمة يضاعف الخسائر، بينما تبقى الشفافية والاستباقية حجر الزاوية في حماية المواطنين.

 

ومن ثمّ، فإن حكومة الانقلاب - باعتبارها الجهة التي تمتلك أدوات الرصد والقرار - تتحمل مسؤولية مباشرة في تقديم معلومات دقيقة للرأي العام، وإدارة المخاطر بشفافية، وعدم المغامرة بصحة الملايين. فالمصداقية في الأزمات ليست ترفًا، بل هي ضمان الاستقرار الذي أضاعه السيسي بالاهتمام بالمشروعات العملاقة ونسيان أو تناسي احتياجات الشعب المصري في الصحة والتعليم والغذاء والحياة الكريمة.