في موقف يكشف حجم الانهيار في الخطاب الديني الرسمي بمصر، خرجت دار الإفتاء المصرية بفتوى تبيح التعامل بالربا وتبيح عوائد البنوك، في انحراف خطير عن الثوابت الشرعية، وتناقض صارخ مع إجماع علماء الأزهر لعقود. الدكتور محمد الصغير، الداعية الأزهري وعضو مجلس الشورى السابق، فضح هذا التبديل الفقهي واعتبره "شذوذًا لا يُعتد به"، و"تزويرًا على الدين"، مؤكدًا أن ما تفعله المؤسسة الرسمية اليوم هو تمكين للباطل تحت ستار الخلاف الفقهي، بينما هو خروج صريح عن الإجماع وقواعد الفتوى الراسخة.
الصغير: هذا ليس خلافًا معتبرًا بل انحراف وتضليل
أكد الدكتور محمد الصغير أن فتوى دار الإفتاء الأخيرة ليست من باب "الخلاف الفقهي المعتبر"، بل هي مخالفة صريحة للأحكام القاطعة التي أجمعت عليها الأمة الإسلامية، وخصوصًا مؤسستها العلمية الكبرى: الأزهر الشريف. وشدّد على أن أول من عرض عليه أمر عوائد البنوك كان الأزهر نفسه، وقد جاءت فتواه قاطعة بتحريمها، واستمر هذا الموقف حتى عهد الشيخ جاد الحق، قبل أن يقوم الدكتور سيد طنطاوي بانقلاب فقهي شهير، فتح باب التبرير الربوي من بوابة "الواقع الاقتصادي"، لا من باب النصوص أو مقاصد الشريعة.
تزوير باسم الشرع وفتاوى مقابل الرضا السياسي
ما تقوم به دار الإفتاء اليوم، بحسب الدكتور الصغير، ليس اجتهادًا بقدر ما هو تزوير فقهي لصالح السلطة. ففتوى تحليل الربا لا تخدم إلا النظام المالي المرتبط بالبنوك الربوية التي تمتص دماء الفقراء وتراكم الأرباح للمقربين من النظام. والكارثة الأكبر أن هذه الفتوى تمنح غطاءً شرعيًا كاذبًا لممارسات هي في جوهرها حرب على الله ورسوله كما ورد في صريح الآيات.
ويضيف الصغير: "من الخطورة بمكان أن نسمع اليوم من يقول: (الأمر فيه خلاف)، وكأن الخلاف يبرر ترك النصوص القطعية وإجماع الأمة! الخلاف لا يُتخذ ذريعة لتطويع الشريعة لخدمة البنوك وأرباب السلطة."
الأزهر الحقيقي بريء من فتاوى النظام
في سلسلة تغريدات نشرها الدكتور الصغير، وعد بعرض وثائق وصور من فتاوى كبار علماء الأزهر التي حرّمت بشكل قاطع عوائد البنوك واعتبرتها من الربا المحرّم، مؤكدًا أن هذه الفتاوى قد جُمعت في كتاب خاص عنوانه: "فتاوى علماء الأزهر في المسألة"، دلالة على وحدة الرأي الشرعي قبل أن تتلوث المؤسسة الرسمية بعلاقة التبعية المطلقة للنظام.
وأشار إلى أن هؤلاء العلماء الذين أفتوا بالتحريم لم يكونوا دعاة تشدد، بل رجال علم وفقه حقيقيون، أمثال الشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ عبد الحليم محمود، رحمهم الله، والذين أجمعوا أن عوائد البنوك هي عين الربا الجلي.
دار الإفتاء تفقد مصداقيتها: من فتاوى الدم إلى فتاوى الربا
دار الإفتاء التي كانت بالأمس تُصدر فتاوى تجيز القتل خارج إطار القانون وتُشرعن للإعدامات السياسية، باتت اليوم تُحلل ما حرمه الله بنص صريح. فالمؤسسة التي سكتت عن بيع الوطن، وقتل المعارضين، وسجن العلماء، لم يعد غريبًا أن تُحلل الربا اليوم، فهي تمارس دور "الموظف الديني" التابع للأجهزة لا المفتي المُجتهد الأمين.
وما تقوم به دار الإفتاء من "تزييف للفتوى" ما هو إلا جزء من الدور الوظيفي للمؤسسات الدينية في نظام انقلابي لا يعبأ بالشريعة إلا ما يخدم استمرار حكمه.
ختامًا: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين فما حدث ليس مجرد فتوى خاطئة، بل جريمة بحق الفقه الإسلامي، وتزوير لضمير الأمة، واستهانة بعقول الناس وأرواحهم. الدكتور محمد الصغير لم يهاجم الدار لمجرد الاختلاف، بل دافع عن الإجماع الفقهي والتاريخ الشرعي الذي شوهته دار الإفتاء بتحليلها الصريح للربا.
وفي زمن التبعية والانحطاط، تبقى كلمة الحق مرهونة بأمثال العلماء الأحرار الذين لا يبيعون دينهم بدنيا غيرهم. والفتوى التي تصدر في بلاط السلطان لا تُلزم الأمة، ولا تمثلها، بل تمثل السلطة التي دفعت ثمنها مقدمًا.
"سيبقى الربا حرامًا ولو أباحه ألف مفتي، وستبقى كلمة الله هي العليا ولو باعها العلماء الرسميون تحت راية الانقلاب."
https://x.com/drassagheer/status/1990848187888709719

