في صباح السابع عشر من أكتوبر 2025، استيقظ المصريون على نبأ صادم: رفع جديد في أسعار البنزين والسولار والغاز المنزلي. خطوة لم تكن مبررة لا اقتصاديًا ولا سياسيًا، خصوصًا في ظل انخفاض أسعار النفط عالميًا إلى 62 دولارًا للبرميل وتراجع سعر الدولار إلى 48 جنيهًا. ورغم ذلك، اختارت الحكومة التصعيد، لتزيد من أعباء المعيشة في ظل أزمة تضخم مستمرة.
 

قرارات بلا مبرر اقتصادي حقيقي
ويقول الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني في تحليله للأزمة الاقتصادية في مصر، إن المفارقة تكمن في أن الحكومة نفسها كانت قد قدّرت في موازنتها العامة سعر برميل النفط عند 75 دولارًا، أي أعلى من السعر الفعلي. وأشار إلى أن هذا يلغي أي مبرر فني أو مالي للزيادة الجديدة.
وأضاف أن رئيس الوزراء كان قد صرّح قبل أسابيع بأنها ستكون "الزيادة الأخيرة"، إلا أن التصريحات لم تصمد طويلًا، حيث عاد وأعلن استمرار الأسعار لعام كامل مع احتمال زيادات أخرى في أكتوبر 2026.
 

تحميل المواطن تكلفة العجز
ويرى الميرغني أن القرار لم يكن اقتصاديًا بحتًا، بل محاولة مكشوفة لسد العجز المالي المتفاقم.
وأوضح أن الحكومة بدلًا من الاتجاه نحو إصلاح ضريبي حقيقي أو التوسع في الإنتاج، قررت تحميل المواطن تكلفة الفشل المالي.
وهو ما اعتبره تجسيدًا لغياب العدالة الاقتصادية وتحميل الطبقة الوسطى والفقيرة أعباءًا لا يمكنهم تحملها.
 

من البنزين إلى الطعام: التضخم بالعدوى
وأشار الميرغني إلى أن رفع أسعار الوقود يشعل باقي الأسواق.
فمع أول يوم بعد الإعلان، ارتفعت أسعار النقل، ثم الخضروات والفاكهة، فاللحوم والدواجن، وحتى السلع غير الغذائية.
وأكد أن تأثيرات القرار تمتد حتى إلى تذكرة الأتوبيس العام التي ارتفعت من 15 إلى 18 جنيهًا، في مؤشر على أن كل جوانب الحياة اليومية باتت مهددة.
 

أرقام صادمة تفضح الفجوة الطبقية
وذكر الميرغني أن المقارنة بين نسب زيادة أسعار الوقود والدخول تكشف فداحة الوضع:

  • بنزين 80 ارتفع بنسبة 1109%
  • السولار ارتفع بنسبة 972%
  • أنبوبة الغاز المنزلي بنسبة 2813%

في المقابل، ارتفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 583%، والمعاشات بنسبة 498% فقط، ما يعكس اختلالًا خطيرًا في التوازن الاجتماعي.
 

من غلاء الأسعار إلى الفقر الغذائي
وقال الميرغني إن الغلاء لم يعد فقط أزمة مالية بل أصبح أزمة غذائية وصحية، حيث اضطر كثير من الأسر إلى الاستغناء عن البروتينات والاعتماد على النشويات.
وأكد أن هذا التحول أدى إلى ارتفاع معدلات السمنة والأنيميا والتقزم، وفقًا لتقارير طبية، ما يعني تدهور جودة الحياة.
 

الاحتجاج الصامت داخل الطبقات المطحونة
ويرى الميرغني أن الغليان الشعبي يتصاعد، وإن لم يكن في شكل مظاهرات، لكنه واضح في احتجاجات عمالية، وشكاوى من الأجور اليومية المتدنية، خاصة في القطاع غير الرسمي الذي يضم أكثر من 7.5 مليون عامل دون أي حماية اجتماعية.
 

البدائل موجودة لكن الإرادة غائبة
وأوضح الميرغني أن الدولة تملك بدائل حقيقية: كفرض ضرائب تصاعدية على الأرباح والثروات، وترشيد الإنفاق في المشروعات غير المنتجة، وتوجيه الدعم بشكل نقدي للفئات المستحقة.
لكنه أكد أن غياب الإرادة السياسية هو ما يعطّل هذه الحلول.
 

الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من جيوب الفقراء
واختتم الميرغني تحليله محذرًا من أن استمرار رفع الأسعار دون حماية للفئات الضعيفة سيدفع نحو انفجار اجتماعي.
وقال: "قد تحقق الحكومة توازنًا ماليًا مؤقتًا، لكنها تدفع ثمنًا اجتماعيًا باهظًا"، مضيفًا أن الاقتصاد لا يُقاس فقط بالعجز والنمو، بل بقدرة المواطنين على الحياة الكريمة