في خطوة وُصفت بأنها تتويج لقمة شرم الشيخ للسلام، نشر البيت الأبيض مساء الاثنين 13 أكتوبر 2025، النص الكامل للوثيقة الرسمية التي حملت عنوان "إعلان ترامب للسلام والازدهار"، والتي جاءت تتويجًا لاتفاق أنهى الحرب الدامية في قطاع غزة بعد أكثر من عامين من المواجهات العنيفة.

ورغم ما حمله الإعلان من عبارات تفاؤلية حول "بداية جديدة للسلام"، إلا أن لغته العامة وغياب التفاصيل التنفيذية أثارا تساؤلات واسعة حول حقيقة الالتزامات التي تضمنها، وحدود الدور الأمريكي في صياغة مستقبل المنطقة وفق رؤيته الخاصة.

 

قادة الموقعين ودلالات المشاركة

وقّع على الوثيقة أربعة من أبرز القادة الذين أدّوا أدوارًا محورية في التوصل للاتفاق، وهم: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،   السيسي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بحضور أكثر من عشرين زعيمًا من مختلف دول العالم.

هذا التشكيل الرباعي يعكس، في ظاهره، تحالفًا غير مسبوق بين عواصم متباينة المصالح، إلا أن القراءة السياسية تشير إلى أن الولايات المتحدة كانت الممسك الحقيقي بخيوط الوثيقة، فيما اكتفت الأطراف الإقليمية بدور الموقّع والمؤيد دون صلاحيات فعلية في تحديد آليات التنفيذ.

 

مضامين الإعلان: عناوين براقة بلا التزامات واضحة

الوثيقة التي جاءت في خمس صفحات تضمنت مبادئ عامة، أبرزها:

إنهاء الحرب في غزة والدعوة لمرحلة جديدة من "الأمن والازدهار".

دعم القيادة الأمريكية ممثلة في دونالد ترامب باعتباره "مهندس الاتفاق".

احترام حقوق الإنسان و"صون الكرامة الفلسطينية والإسرائيلية".

نبذ التطرف ومكافحته "من خلال التعليم والفرص والاحترام المتبادل".

الالتزام بالدبلوماسية بدلًا من الصراع.

رؤية مستقبلية لمنطقة "يسودها التسامح والتعاون والفرص المتكافئة".

حماية الأديان والمواقع المقدسة كرمز للتعايش المشترك.

غير أن المتابعين لاحظوا أن هذه البنود جاءت منفصلة عن أي جدول زمني أو آلية تنفيذية واضحة، ما جعلها أقرب إلى إعلان نوايا سياسية منها إلى اتفاق سلام حقيقي قابل للتطبيق.

 

سلام أمريكي الصياغة.. وغموض فلسطيني المصير

ورغم أن الوثيقة تحدثت عن الفلسطينيين والإسرائيليين بصيغة "المتساويين في الحقوق"، فإنها تجنبت تمامًا الإشارة إلى القضايا الجوهرية التي تمثل أساس الصراع، مثل القدس، اللاجئين، المستوطنات، وحل الدولتين.

هذا التجاهل المتعمّد اعتبره مراقبون مؤشرًا على رغبة واشنطن في فرض تسوية مشروطة ومحدودة، تركز على وقف القتال وتطبيع العلاقات دون معالجة الجذور السياسية والإنسانية للأزمة.

كما أن التكرار اللافت لاسم ترامب في النص — الذي ورد أكثر من عشر مرات — كشف عن محاولة واضحة لتثبيت الاتفاق كـ"إرث سياسي شخصي"، أكثر من كونه مشروعًا دوليًا متوازنًا.

 

تحليل سياسي: قمة شرم الشيخ بين الرمزية والواقعية

من حيث الشكل، بدت قمة شرم الشيخ انتصارًا للدبلوماسية الجماعية بعد عامين من الحرب المدمرة في غزة، لكن من حيث المضمون، جاءت الوثيقة امتدادًا للنهج الأمريكي التقليدي الذي يركز على الأمن الإسرائيلي أولًا، ويؤجل القضايا الفلسطينية الجوهرية إلى أجل غير مسمى.

ويقول دبلوماسيون حضروا الاجتماعات المغلقة إن النقاشات الحقيقية كانت تدور حول ترتيبات أمنية وإعادة إعمار مشروطة، أكثر من كونها تسوية سياسية شاملة. بمعنى آخر، ما تم التوصل إليه هو "هدنة طويلة المدى"، لا "سلام نهائي".

أما الدور المصري — الذي روّجت له القاهرة إعلاميًا باعتباره "نجاحًا تاريخيًا" — فقد اقتصر عمليًا على توفير المنصة والوساطة اللوجستية، دون قدرة على فرض رؤية عربية موحدة أو ضمانات حقيقية لحماية الحقوق الفلسطينية.

 

ردود الفعل: بين الترحيب والتحفّظ

قوبل الإعلان بترحيب واسع في العواصم الغربية، حيث وصفه الاتحاد الأوروبي بأنه "خطوة مهمة نحو شرق أوسط أكثر استقرارًا"، فيما أصدرت الأمم المتحدة بيانًا مقتضبًا رحبت فيه بـ"الالتزام بوقف إطلاق النار"، دون التعليق على مضمون الوثيقة نفسها.

في المقابل، أبدت فصائل فلسطينية ومحللون عرب تشكيكًا عميقًا في جدية الإعلان، معتبرين أنه مجرد إعادة صياغة لـ"صفقة القرن" القديمة بثوب جديد، تهدف إلى فرض واقع سياسي واقتصادي جديد في المنطقة تحت شعار "الازدهار مقابل الصمت".

 

وأخيرًا فانه سلام مؤجل تحت الهيمنة الأمريكية

في نهاية المطاف، يبدو "إعلان ترامب للسلام والازدهار" أقرب إلى وثيقة استعراض سياسي منه إلى اتفاق حقيقي يضمن العدالة والاستقرار. فبينما ترفع واشنطن راية السلام، تبقى تفاصيل الميدان — من القدس إلى غزة — شاهدة على استمرار الاحتلال وسياسات القوة.

لقد كتب البيت الأبيض وثيقته بلغة مثالية عن التسامح والتعاون، لكنها أُخفيت وراءها خريطة شرق أوسط جديد مرسومة بالحبر الأمريكي، تُعيد ترتيب الأولويات، وتُطوّع الواقع الفلسطيني والإقليمي تحت مظلة "سلام بلا سيادة، وازدهار بلا حرية".