سجلت أسعار زيت الطعام "السائب" في مصر ارتفاعًا حادًا بنسبة 15% خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر وأكتوبر 2025، حيث وصل سعر الطن إلى 62 ألف جنيه مقابل 54 ألف جنيه الأسبوع السابق، ما زاد العبء على المستهلك المصري.
ويشير كثير من خبراء القطاع إلى أن هذا الارتفاع لا يبرره انخفاض سعر صرف الدولار، الذي هبط إلى أقل من 48 جنيهًا مقابل الدولار في أكتوبر 2025، فضلًا عن تراجع أسعار الزيوت عالميًا خلال الفترة نفسها.
ويبرر المتابعون هذا الارتفاع بممارسات احتكارية من قبل شركات الزيوت الكبرى بهدف قتل المنافسة، كما كشف أحمد المنوفي، أحد منظمي المعارض السلعية، في تصريحات لـ "الشروق" يوم 8 أكتوبر 2025.
الغرف التجارية من جانبها متهمة بالتهاون أو التواطؤ، حيث لا تقدم أية حلول فعالة وإنما تكتفي بتقديم دراسات تدعو لتأسيس شركات وتعزيز الاستثمار، مع غياب التدخل القوي لمنع ارتفاعات الأسعار والاحتكار في أسواق الغذاء الأساسية.
لماذا تغاضت حكومة الانقلاب عن هذه الزيادات؟
رغم تأثير ارتفاع أسعار الزيوت بشكل مباشر على المواطنين، تتغاضى الحكومة بشكل ملحوظ عن معالجة الأزمة، بل لم تصدر أي قرارات صارمة لمنع الاحتكار أو تخفيض الأسعار، ويعود ذلك جزئياً إلى توجهات اقتصادية تعتمد على مراجعة الدعم تدريجيًا، مما يؤدي إلى تسعير أعلى لبعض السلع الأساسية بهدف تقليل أعباء الدعم الحكومي على الميزانية مجازيًا، على حساب المواطن.
بالإضافة إلى ذلك، تبرز الإشكالية في أن حكومة الانقلاب تركز على مشاريع إعادة الهيكلة الاقتصادية التي تحمل عبئًا على الطبقات الفقيرة، ولا توفر حلولًا جذرية لوقف ارتفاع الأسعار أو كبح جماح ممارسات الشركات الكبرى واحتكارها للأسواق الأساسية، في ظل غياب شفافية ومحاسبة حقيقية.
لماذا لا توجد حلول لحكومة الانقلاب؟
يبدو أن غياب الحلول ينبع من الفشل المكرر للعسكر في إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، تتكرر موجات الغلاء والتضخم المتصاعد، حيث سجلت مصر خلال خمس سنوات معدل تضخم تراكمي بلغ 116%، ما جعلها تحتل المركز الثالث عالميًا في ارتفاع الأسعار.
رغم الوعود الحكومية المتكررة بدعم الصناعة والاستثمار لتوفير فرص اقتصادية جديدة، إلا أن هذه المبادرات لم تغير من واقع الزيادة المفرطة في أسعار السلع أو من قدرة المواطن على تحمل الأعباء، خصوصًا مع استمرار ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وارتفاع عبء الدين العام.
كما أنه لا يوجد دور رقابي فعال أو قانوني للحد من الممارسات الاحتكارية لشركات كبرى، مما يزيد من معاناة المواطن الاقتصادي.
صمت رسمي وتبريرات متهاونة
الحكومة تحت قيادة رئيس حكومة الانقلاب ووزارات الاقتصاد والبترول بررت سابقًا زيادات في أسعار الطاقة والوقود بضرورة "تقليل الإنفاق على الدعم" وملاءمة الأسعار مع التزامات برنامج صندوق النقد الدولي، كما ظهر ذلك في رفع أسعار الوقود بحلول أبريل 2025 بزيادات بلغت حوالى 15% في بعض المنتجات، لكن عندما يتعلق الأمر بزيادات في سلع غذائية يوجهها سوق خاص أو تكتلات شركات، يغلب على ردة الفعل الرسمية الهدوء أو بيانات عامة لا تتضمن إجراءات تطبيقية ضد الاحتكار أو حوافز لاستقرار السوق.
ذلك التباين بين الحزم في موضوع الدعم والطاقة واللین في معالجة ممارسات الشركات يطرح سؤالًا سياسيًا عن أولويات إدارة الاقتصاد.
لماذا تتغاضى حكومة الانقلاب؟
مصلحة النظام والضغوط الخارجية والاقتصادية ترتبط الإجابة بثلاثة عوامل متداخلة:
أولاً، المسار الاقتصادي الرسمي يرتكز على سياسات تحرير الأسعار وتخفيف أعباء الدعم كجزء من برامج إصلاح اقتصادي مرتبطة بالقروض والمساعدات الدولية، ما يجعل الحكومة أكثر حرصًا على ضبط فاتورة الدعم من جهة وأقل تدخلًا في تدخلات سوقية خاصة من جهة أخرى.
ثانيًا، وجود شبكات مصالح تجارية واقتصادية تُحاط أحيانًا بحماية سياسية أو مالية يقلل من رغبة السلطة في مواجهة هذه الشبكات.
ثالثًا، ضعف قدرات مؤسسات الرقابة والعدالة الاقتصادية وعدم تنفيذ عقوبات رادعة يجعل التخاطف الاحتكاري أقل تكلفة على الشركات المتهمة.
هذه العوامل مجتمعة تشرح صمتًا أو تخففًا يبدو مدروسًا.
لماذا لا توجد حلول فعلية؟ فشل سياساتي مؤسسي متواصِل
غياب حلول جذريّة يعود إلى خلل مؤسسي؛ أجهزة حماية المستهلك وجهات الرقابة قد تصدر بيانات وتوصيات، لكنها تفتقر إلى أدوات تنفيذ فعّالة (تحقيقات سريعة، مصادرة كميات، أو فرض غرامات رادعة وتنظيم توزيع الطلبيات).
بالإضافة، السياسة الاقتصادية التي تقودها الحكومة تركز على مشاريع كبرى وبناء بنية تحتية بينما تتراجع الأولويات المتعلقة بحماية القدرة الشرائية للمواطنيين، نتج عنها مبادرات "خفض الأسعار" ذات أثر مؤقت أو شكلي، بينما تبقى الأسباب البنيوية (سلسلة التوريد، الاحتكار، تذبذب الأسعار العالمية) دون معالجة حقيقية.
إنفاق الدعم والميزانية وتقلبات السوق
تشير تقديرات موازنة 2025/26 إلى محاولات لخفض فاتورة دعم الوقود إلى حدود مخصّصة، بينما تستورد مصر كميات ليست قليلة من الزيوت النباتية والدهون الغذائية، مما يجعل الأسعار المحلية عرضة لتقلبات السوق العالمية وأسعار الشحن واللوجستيات.
ارتفاعات ضريبة أو رسوم الشحن والتعويم المستمر للجنيه يزيدان الضغط على أسعار السلع المستوردة.
هذه الصورة المالية تعني أن أي ارتفاع عالمي أو شبه احتكاري محلي سينعكس بسرعة على رف المواطن.
حذّر رئيس حكومة الانقلاب في مناسبات عدة من أن أي تصاعد للأوضاع الإقليمية قد يرفع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، ودعا إلى تشكيل لجان أزمات للتعامل مع التأثيرات، بينما لم تظهر إجراءات صارمة على مستوى محاسبة سلاسل التوريد المحلية المتهمة بالاحتكار.
هذا التباين بين تحذير المسؤولين الوطنية والتسامح المحلي يضع مسؤولية مباشرة على حكومة الانقلاب في تفسير فشلها في تقديم حلول ملموسة.
ما يظهر اليوم هو أن الارتفاعات مثل +15 % في أسفل سلة غذائية حيوية ليست حادثة عابرة بل نتيجة تراكب سياسات تحرير الدعم، ضعف تطبيق القوانين المناهضة للاحتكار، وشبكات مصالح اقتصادية متحكمة، والمؤشرات والوقائع تمنح حكم الواقع وصف فشل مؤسسي.