في تحليل سياسي لافت، تناول الكاتب الصحفي سليم عزوز أزمة الإعلامي إبراهيم عيسى مع النظام المصري، واصفاً إياها بأنها "دراسة حالة لفشل المقربين من السلطة في فهم طبيعتها الجديدة". ويرى عزوز أن عيسى، مثل غيره من الوجوه الإعلامية القريبة من دوائر الحكم، تعامل مع نظام عبد الفتاح السيسي بذات الأسلوب الذي اعتاد عليه في عهد حسني مبارك، وهو ما قاده إلى مأزق سياسي وإعلامي حاد.
خديعة "الكتالوج القديم"
يفسر عزوز أصل الأزمة بأن عيسى "لم يدرك بعد أن قواعد اللعبة تغيّرت". ففي عهد مبارك، كما يقول، كان المجال يسمح بهوامش حركة محسوبة: يمكنك أن تهاجم رأس النظام أو بعض أركانه ثم تعود لتتودد إليه لاحقاً. كانت المعادلة بسيطة: تهاجم وزيراً فيفرح وزير آخر، أو تنتقد مشروع التوريث فتجد دعماً من خصومه داخل النظام. وحتى إن سقط أحد الصحفيين في أزمة، كان هناك من يتدخل لإنقاذه من كبار الوسطاء مثل صفوت الشريف أو إبراهيم نافع أو مكرم محمد أحمد.
أما اليوم، فالمعادلة تغيرت بالكامل. يوضح عزوز أن عيسى ظن أنه يستطيع استخدام الأسلوب نفسه: الهجوم حين يُوقف برنامجه ثم العودة للإشادة بالسيسي عندما تهدأ العاصفة. لكنه فشل لأن "تكتيكات مبارك لا تصلح مع السيسي"، فالأخير لا يتأثر بهذه الألعاب الإعلامية، ولا يكترث بحملات المديح أو النقد اللحظي.
"الحاكم مش واحد صاحبك"
في تحليله، يذهب عزوز إلى ما هو أبعد من حالة إبراهيم عيسى، ليفتح النقاش حول مشكلة عامة في العلاقة بين السلطة والمقربين منها. فالكثير من الإعلاميين ورجال الأعمال، كما يقول، "يفقدون الإحساس بالحدود بين الصورة التلفزيونية والواقع السياسي"، فيتصورون أن قربهم من الحاكم يمنحهم حصانة دائمة.
ويذكّر عزوز بقصص مشابهة في تاريخ مصر الحديث، لرجال أعمال ظنوا أن قربهم من رأس السلطة يجعلهم فوق المساءلة، مثل رشاد عثمان وحسام أبو الفتوح، قبل أن ينقلب عليهم النظام نفسه. ويقارن ذلك بنموذج الصحفي موسى صبري في عهد السادات، الذي حافظ رغم قربه الشديد من الحاكم على مسافة تحميه من التورط في صراعات السلطة.
"الحاكم"، يقول عزوز، "ليس نجماً سينمائياً مثل حسين فهمي، بل صاحب أدوات قوة تكفي لتعديلك أو إقصائك في لحظة واحدة".
السيسي ليس مبارك
جوهر تحليل عزوز يتمحور حول الفارق الجوهري بين شخصيتي مبارك والسيسي. فالأول، كما يصفه، "كان ضيق الخُلق، لكنه لا يحب التفاصيل، ويميل إلى التجاهل"، ما كان يترك مساحات للتفاهم أو المناورة. أما السيسي، فهو على النقيض: "يعشق التفاصيل، يملك قواعده الخاصة، ولا يسمح لأي تأثيرات جانبية أن تغيّر قراراته".
من هذا المنطلق، فإن كل محاولات المقربين لاسترضائه أو استفزازه محكومة بالفشل. "لن تجد من يذهب إلى السيسي ليقول له: يا ريس، إبراهيم عيسى بيهاجم النظام"، يضيف عزوز، "ولو حدث فلن يتلقى إلا جواباً واحداً: انسى!".
الدرس الأخير
في ختام تحليله، يرى سليم عزوز أن تجربة إبراهيم عيسى تمثل إنذاراً لبقية المقرّبين من السلطة: "الحكام لا يتسولون المواقف من الرعية". فزمن توظيف المديح أو النقد لتسجيل الحضور أو كسب النفوذ قد انتهى.
ويؤكد أن فهم طبيعة الحاكم وأسلوبه في إدارة السلطة هو "أصل المسائل" في العمل الإعلامي والسياسي. ومن يخطئ في قراءتها، حتى لو كان الأقرب إلى دوائر النفوذ، سيكون مصيره، على حد تعبيره، "أن يضيع في الكازوزة".