في خطوة صنفها مراقبون بأنها إعلان رسمي عن نهاية "الاستثناء الكويتي" في مجال الحريات، ودخول الدولة الخليجية في نفق القمع المماثل لجاراتها، أصدرت السلطات الكويتية في ديسمبر 2025 مرسومًا أميريًا يقضي بسحب الجنسية من الدكتور طارق السويدان، المفكر الإسلامي وخبير الإدارة العالمي، ومعه أفراد من أسرته.

 

القرار الذي وقعه أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، بناءً على عرض وزير الداخلية، لم يكن مجرد إجراء إداري، بل رسالة سياسية شديدة اللهجة تؤكد أن "العهد الجديد" في الكويت لم يعد يحتمل الأصوات المغردة خارج السرب، خاصة المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين أو الداعمة لقضايا الربيع العربي وفلسطين.

 

ويأتي هذا القرار الصادم بحق شخصية صُنفت ضمن أكثر 500 شخصية إسلامية تأثيرًا في العالم، ليكشف عن تحول جذري في العقيدة السياسية للكويت، حيث يتم استخدام "سلاح الجنسية" لتصفية الحسابات السياسية والفكرية، وسط اتهامات بوجود ضغوط إقليمية دفعت نحو هذا التصعيد.

 

العلم لا حدود له

 

من جهته علق الداعية الإسلامي الشيخ سلامة عبدالقوي: نجح المستعمِر في جعل الورقة أهم من الإنسان، والجنسية أرفع من قيمة المواطن، مع أن الأصل أن الإنسان هو الذي يمنح وطنه قيمته؛ فما معنى وطنٍ بلا مواطن؟! ود. #طارق_السويدان أكبر من أن تُحصر مكانته داخل حدود جنسية، فعلمه تجاوز الحدود والأوطان، فالجنسية حدود… أما العلم فلا حدود له.

 

وأضافت الإعلامية دينا ذكريا : سحب الجنسية عن د. طارق السويدان في توقيت حساس زي ده رسالة سلبية جدًا لكل عقل حر… لما الصوت الواعي يتحاسب لمجرد رأيه، يبقى الخوف هو اللي بيحكم! امر محزن و صعب في توقيت أصعب!! طب لو الجنسية بتتسحب علشان كلمة… يبقى فين الوطن؟أتوقع تبعات أصعب و لا حول و لا قوة إلا بالله.

 

صدمة في الشارع الكويتي: "دولة هامشية"

 

أحدث القرار انقسامًا حادًا وصدمة واسعة في الأوساط الكويتية والعربية، حيث رأى فيه كثيرون تراجعًا عن قيم الديمقراطية التي ميزت الكويت لعقود. وعبر منصات التواصل، انفجر الغضب الشعبي والنخبوي، حيث وصف المدون محمد دريس الوضع الحالي بالمؤلم، مشيرًا إلى تحول الكويت في عهد الشيخ مشعل إلى "دولة قمع وسحب جناسي"، ومحذرًا من تراجع مكانة البلاد لتصبح "دولة هامشية" لا تتناسب مع تاريخها الرائد.

 

 

من جانبه، أكد حساب "صمود" أن الخاسر الأكبر هو الكويت وليس السويدان، واصفًا إياه بالأكاديمي الذي تتمناه أي دولة، في إشارة إلى أن القرار يفرغ الدولة من كفاءاتها الوطنية إرضاءً لأجندات خارجية وصفها بـ "شيطان العرب".

 

بصمات "الذباب الإلكتروني" وتصفية الحسابات

 

لم يخلُ المشهد من الشماتة التي قادتها حسابات محسوبة على ما يُعرف بـ "الذباب الإلكتروني" السعودي والإماراتي، والتي سارعت لتأييد القرار واعتباره انتصارًا على "مشروع الإخوان". وهاجم حساب يُدعى عبد الله الجديع الدكتور السويدان، زاعمًا أن "تحرير الحرمين" الذي دعا له السويدان انقلب عليه بتحريره من جنسيته، في تبنٍ صريح للسردية التي تعادي تيارات الإسلام السياسي.

 

وفي المقابل، تصدى نشطاء لهذه الحملات، حيث رد حساب "كريم سيف" بحدة، واصفًا المهاجمين بـ "شهود الزور"، ومؤكدًا أن السويدان سينصره الله على "كل خائن مدخلي"، في إشارة إلى التيارات الدينية الموالية للأنظمة التي تشرعن قرارات الحاكم دون نقاش.

 

 

 

هذا الاستقطاب يعكس بوضوح أن القرار يتجاوز الشأن الداخلي الكويتي، ليكون جزءًا من معركة إقليمية أوسع ضد رموز الفكر الإسلامي المستقل.

 

انقلاب ناعم وأجندات إقليمية

 

تحت هذا العنوان، ذهب محللون إلى ربط القرار بالتحولات السياسية التي شهدتها الكويت منذ تولي الشيخ مشعل الحكم أواخر 2023. الصحفي ياسين عز الدين تساءل عما إذا كان ما يجري هو "انقلاب إماراتي ناعم"، مشيرًا إلى تراجع الحريات بشكل غير مسبوق، وحل مجلس الأمة، والتضييق حتى على التضامن مع فلسطين. واعتبر عز الدين أن سحب الجنسية من عائلة كويتية "أبًا عن جد" يعكس عقلية التعامل مع الوطن كـ "مزرعة خاصة".

 

وفي السياق ذاته، كشف حساب @dailytimespress عن أبعاد خفية للقرار، مؤكدًا أن السبب الحقيقي ليس قانونيًا بل سياسي بامتياز، يتعلق برفض السويدان للانقلابات العسكرية في مصر وتدخّل الإمارات في شؤون المنطقة. وأشار التحليل إلى أن أمير الكويت ربما "رضخ للضغوط" الخارجية، محذرًا مواطني الخليج من أن جنسياتهم لم تعد تحميها دساتير أو محاكم في ظل غياب المؤسسات الضامنة.

 

 

 

استهداف الرمز والفكر

 

 

وسط هذا الضجيج السياسي، برز صوت تلامذة ومحبي السويدان ليذكروا بقيمته العلمية والفكرية. الداعية الكويتي طارق المطيري أكد أن التتلمذ على يد السويدان شرف، واصفًا إياه بالأنموذج للداعية الذي يحمل هم أمته، ومشددًا على أن مكانته محفورة في القلوب قبل الأوراق الثبوتية.

 

والدكتور السويدان ليس مجرد داعية تقليدي، بل هو قامة علمية جمعت بين هندسة البترول التي نال فيها الدكتوراه من الولايات المتحدة، وبين الفكر الإداري والاستراتيجي. صاحب "فلسطين.. التاريخ المصور" و"صناعة القائد"، يمتلك رصيدًا معرفيًا جعله عابرًا للحدود، وهو ما جعل فهد الربخي يعلق ردًا على المهاجمين بأن السويدان "مفكر وإعلامي، وليس صاحب قرار تنفيذي"، وأن محاربته تعكس خوف الأنظمة من "الكلمة والفكرة".

 

الخلاصة: الجنسية كسلاح سياسي

 

يؤشر قرار سحب الجنسية من طارق السويدان إلى مرحلة جديدة في الخليج، حيث تتماهى الكويت -التي كانت يومًا واحة للديمقراطية النسبية- مع السياسات الأمنية الصارمة لجيرانها. وبحسب المراقبين، فإن الرسالة واضحة: الولاء السياسي للسلطة وتوجهاتها الإقليمية الجديدة هو المعيار الوحيد للمواطنة، أما الكفاءة والتاريخ والجذور، فلم تعد تشفع لصاحبها إذا ما غرد خارج السرب الرسمي. السويدان قد يفقد وثيقة سفره، لكن الكويت هي من تفقد رصيدها من القوة الناعمة ومصداقيتها الحقوقية أمام العالم.