بعد مرور سبعة أعوام كاملة على واقعة اعتقال 6 أفراد من أسرة واحدة، لا يزال مصير شابين مجهولًا، في واحدة من القضايا التي تعكس، وفق منظمات حقوقية، استمرار جريمة الإخفاء القسري وسط غياب أي رد رسمي أو تحرك قضائي فعّال.
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أعلنت، في تقرير حقوقي موسّع، توثيقها استمرار الإخفاء القسري بحق كل من مصعب محمود عبد الحكيم، البالغ من العمر 31 عامًا، وعبد الله حنفي عبد الحكيم، 33 عامًا، منذ فجر يوم 28 يناير 2019 وحتى اليوم، رغم الشهادات المتطابقة التي تؤكد واقعة اعتقالهما ومشاهدتهما لاحقًا داخل أحد مقار جهاز الأمن الوطني.
من هما المختفيان قسرًا؟
مصعب محمود عبد الحكيم، طالب بكلية التجارة في جامعة القاهرة، كان يعمل إلى جانب دراسته في محل مملوك لوالده لبيع وصيانة أجهزة الحاسب الآلي، بينما عبد الله حنفي عبد الحكيم، ابن عم مصعب، أب لطفلة رضيعة لم يتجاوز عمرها عدة أشهر وقت اعتقاله، وكان يعمل في مزرعة والده بوادي النطرون.
تقول الشبكة إن الاثنين لم يكونا مطلوبين على ذمة أي قضايا معلنة، ولم يتم إخطار أسرتهما بأسباب القبض عليهما أو مكان احتجازهما، في مخالفة صريحة للقانون والدستور المصري.
فجر الاقتحام: بداية المأساة
بحسب شهادات شهود عيان وثقتها الشبكة، داهمت قوات الأمن فجر يوم 28 يناير 2019 مزرعة مملوكة للأستاذ حنفي عبد الحكيم، عمّ مصعب، والكائنة بمنطقة وادي النطرون. القوات حاصرت المكان واقتحمته دون إبراز أي إذن قضائي، في عملية وُصفت بالعنيفة والمباغتة.
وأسفر الاقتحام عن اعتقال ستة من أفراد الأسرة، هم:
الحاج حنفي عبد الحكيم
أبناؤه: عبد الحكيم، محمد، وليد، وعبد الله حنفي عبد الحكيم
إلى جانب ابن شقيقه، الطالب مصعب محمود عبد الحكيم
كما تم احتجاز عدد من أطفال العائلة الذين تصادف وجودهم داخل المزرعة، إضافة إلى أحد العاملين بها.
احتجاز الأطفال ووفاة الأب
جرى اقتياد جميع المحتجزين إلى أحد مقار الشرطة. وأُفرج لاحقًا عن الأطفال والعامل، فيما خضع الحاج حنفي عبد الحكيم للتحقيق، وتم حبسه بسجن وادي النطرون. وبعد قرابة عام من الاحتجاز، صدر قرار بإخلاء سبيله.
لكن المأساة لم تتوقف عند هذا الحد؛ إذ توفي الأب بعد الإفراج عنه بأشهر قليلة، متأثرًا بحالة من الحزن والقهر، بحسب أسرته، نتيجة استمرار إخفاء نجليه وأفراد من عائلته قسرًا، وعلى رأسهم مصعب وعبد الله، دون أي معلومات عن مصيرهما.
ظهور جزئي.. وغياب مستمر
في أواخر عام 2019، ظهر ثلاثة من المختفين قسرًا من أبناء الأسرة، وهم:
محمد حنفي عبد الحكيم
وليد حنفي عبد الحكيم
عبد الحكيم حنفي عبد الحكيم
بينما استمر الإخفاء القسري بحق عبد الله حنفي عبد الحكيم ومصعب محمود عبد الحكيم حتى الآن، للعام السابع على التوالي.
وتشير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن هذا “الظهور الجزئي” لا ينفي وقوع جريمة الإخفاء القسري، بل يؤكدها، خاصة مع استمرار احتجاز اثنين من الأسرة في مكان غير معلوم، دون عرضهما على أي جهة تحقيق.
شهادات من داخل مقار الأمن
التقرير الحقوقي استند إلى شهادات عدد من المعتقلين الذين ظهروا لاحقًا بعد تعرضهم للإخفاء القسري، وأكدوا أنهم شاهدوا عبد الله ومصعب داخل مقر جهاز الأمن الوطني بمنطقة الشيخ زايد خلال شهر أكتوبر 2019.
وبحسب تلك الشهادات، فقد تم نقل الشابين فجر أحد أيام شهر سبتمبر 2019، برفقة ستة محتجزين آخرين، على مجموعتين، إلى جهة غير معلومة، لتنقطع أخبارهم بشكل كامل منذ ذلك الحين، ما يثير مخاوف جدية ومتزايدة على حياتهما وسلامتهما الجسدية والنفسية.
طرق قانونية مسدودة وصمت رسمي
أكدت الأسرة أنها اتخذت جميع الإجراءات القانونية المتاحة، وقدمت بلاغات رسمية إلى الجهات المعنية بشأن واقعة الإخفاء القسري المستمرة، كما ناشدت مرارًا الجهات المختصة الكشف عن مصير ذويها.
إلا أن هذه الجهود، بحسب التقرير، قوبلت بـ“الصمت التام”، دون أي استجابة أو تحرك فعلي، رغم وجود شهادات شهود عيان وتوثيق حقوقي واضح.
تحميل المسؤولية والمطالب الحقوقية
حمّلت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان السلطات الأمنية وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني، المسؤولية القانونية الكاملة عن سلامة وحياة كل من مصعب محمود عبد الحكيم وعبد الله حنفي عبد الحكيم، كما حمّلت النائب العام المصري المستشار محمد شوقي مسؤولية التحقيق في الواقعة.
وطالبت الشبكة بـ: الكشف الفوري عن مكان احتجاز الشابين ومصيرهما، والإفراج عنهما دون قيد أو شرط في حال عدم وجود اتهامات قانونية، أو عرضهما فورًا على جهة تحقيق مستقلة، وتمكينهما من جميع ضمانات المحاكمة العادلة في حال وجود اتهامات.
وأكدت أن استمرار إخفائهما يُعد انتهاكًا صارخًا للدستور والاتفاقيات الدولية الملزمة لمصر، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة الاختفاء القسري.

