تحوّل خطاب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80 إلى صفعة دبلوماسية غير مسبوقة، بعدما شهد القاعة الرئيسية "تسونامي انسحاب" كما وصفته الصحافة العبرية. فقد غادر عشرات الوفود مقاعدهم احتجاجًا على جرائم الاحتلال في غزة، تاركين نتنياهو يواجه مقاعد شبه فارغة. ورغم هذا المشهد الذي عكس عزلة الاحتلال المتزايدة، بقيت 48 دولة فقط من أصل 193 عضوًا في القاعة، بينهم دول عربية مثل الإمارات والبحرين وموريتانيا، ما أثار جدلاً واسعًا وانتقادات لاذعة.
انسحاب أممي يعرّي الاحتلال
الانسحاب الكثيف من القاعة حمل رسالة أخلاقية وسياسية شديدة الوضوح: العالم لم يعد يقبل الصمت على المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. صور الكراسي الفارغة جسدت حجم الغضب الدولي من سياسات الاحتلال، وأثبتت أن "إسرائيل" لم تعد قادرة على فرض روايتها كما في السابق. هذا المشهد شكل نقطة تحول في إدراك الرأي العام العالمي لمدى عزلة الاحتلال، خاصة في ظل التغطية الإعلامية الواسعة له.
الموقف العربي.. انسحاب واسع وبقاء مثير للجدل
رغم أن أغلب الدول العربية انسحبت، بقيت الإمارات والبحرين وموريتانيا، وهو ما اعتبره مراقبون خروجًا عن الإجماع العربي الشعبي والرسمي في لحظة حساسة. هذه الخطوة بدت وكأنها تمنح نتنياهو غطاءً دبلوماسيًا، بدلاً من إرسال رسالة رفض واضحة للجرائم في غزة. وبقاء هذه الدول قوبل بانتقادات شديدة في الأوساط العربية التي رأت أن هذا الموقف يسيء لصورة التضامن مع فلسطين.
48 دولة فقط من أصل 193
ما رصدته "عربي21" من خلال مشاهد الأمم المتحدة كشف أن 48 دولة فقط بقيت داخل القاعة، مقابل انسحاب غالبية الأعضاء. وبين هذه الدول الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان وكندا، إلى جانب دول صغيرة مثل جزر مارشال وبالاو. هذا العدد المحدود أبرز حجم المقاطعة، وأكد أن خطاب نتنياهو لم يعد يحظى بالشرعية الدولية التي كان يسعى إليها.
حلفاء تقليديون مقابل دول هامشية
قائمة الحاضرين عكست مفارقة لافتة: فمن جهة، حضرت قوى كبرى مرتبطة بتحالف استراتيجي مع الاحتلال، مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا. ومن جهة أخرى، بقيت دول صغيرة لا تملك ثقلًا سياسيًا أو تأثيرًا يذكر. هذا التباين يوضح أن الدعم المتبقي للاحتلال يعتمد على الولاءات التقليدية والمصالح الضيقة، وليس على قناعة بشرعية سياساته أو عدالة قضيته.
رسائل سياسية عابرة للقاعة
الانسحاب لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي بل رسالة سياسية حادة. الدول المنسحبة أرادت أن تقول إن الجرائم في غزة لا يمكن أن تُشرعن بخطاب سياسي، وإن العدالة والحقوق لا تسقط أمام حسابات التحالفات. أما الدول الباقية، فقدمت صورة مغايرة، تُظهر كيف يمكن للمصالح الاقتصادية أو الضغوط السياسية أن تتغلب على الاعتبارات الإنسانية. هذه الرسائل المتناقضة تعكس الانقسام الدولي الحاد في التعاطي مع الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
وأخيرا فإن خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة سيُسجّل كأحد أكثر خطاباته إحراجًا في المحافل الدولية، بعدما تحوّل إلى مرآة تعكس عزلة الاحتلال.
فبينما انسحبت الأغلبية الساحقة رفضًا لسياساته، اختارت 48 دولة فقط البقاء، بعضها بدافع التحالفات التقليدية، وأخرى بسبب حسابات ضيقة.
لكن الأهم أن "تسونامي الانسحاب" أكد أن الرأي العام الدولي لم يعد يقبل التواطؤ مع جرائم الاحتلال، وأن الزمن الذي كان فيه قادة "إسرائيل" يخاطبون العالم وسط التصفيق قد انتهى بلا رجعة.