أشعل قرار حكومة السيسي بإسقاط الجنسية عن المواطن الأميركي من أصول مصرية أكرم السماك وابنيه ياسين وعلي، موجة من الجدل الحاد، بعدما برّأهما المدعي العام في نيويورك من التهم التي وُجهت إليهما عقب واقعة التظاهر أمام مقر البعثة المصرية في الأمم المتحدة.

وبينما ترى السلطات المصرية أن الواقعة ارتبطت بأعمال تخريب ومحاولة اقتحام واعتداء على موظفين، تظهر الفيديوهات –وفق السماك– أنه جرى سحب ابنيه من الشارع إلى داخل المقر الدبلوماسي والاعتداء عليهما، قبل أن تسقط التهم عن الصغير في اليوم التالي مباشرة، وعن شقيقه الأكبر لاحقًا لعدم كفاية الأدلة. القرار المصري فتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول استخدام "سلاح الجنسية" في مواجهة معارضين بالخارج، في ظل وقائع مشابهة سابقة أثارت انتقادات حقوقية واسعة.

 

فيديوهات تثبت البراءة وتكشف الاعتداء

انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في أغسطس الماضي مقاطع مصورة لواقعة الاعتداء، أظهرت عناصر من البعثة المصرية وهم يسحبون طفلًا ومراهقًا إلى داخل المقر بالقوة. وأكد أكرم السماك أن تفريغ كاميرات المراقبة من قِبل النيابة العامة في نيويورك أثبت براءة ابنه ياسين، وأسقطت جميع التهم عنه نهائيًا، فيما جرى إسقاط الاتهامات عن شقيقه علي للأسباب ذاتها. وأوضح السماك أنه بصدد نشر هذه المقاطع لتفنيد الرواية الرسمية المصرية التي اتهمت أبناءه بمحاولة التخريب.

 

صمت رسمي من البعثة المصرية

 عقب تبرئة النيابة الأميركية لابني السماك، حاول مراسل "العربي الجديد" الحصول على تعليق من البعثة المصرية في الأمم المتحدة، غير أن المسؤولين رفضوا الرد على الأسئلة المتعلقة بإسقاط التهم. هذا الصمت الرسمي زاد من حدة الانتقادات الموجهة للحكومة المصرية، خصوصًا مع تمسكها بخطاب يتحدث عن "أعمال شغب"، في الوقت الذي أظهر فيه القضاء الأميركي العكس تمامًا.

 

إسقاط الجنسية… من معاقبة الأفراد إلى استهداف الهوية

 في تصريحات خاصة، سخر أكرم السماك من قرار إسقاط الجنسية عنه وعن ابنيه قائلاً: "لقد تخلوا سابقًا عن تيران وصنافير… أسقطوا الجنسية عن الأرض، ولن نكون أغلى من تيران وصنافير". وأضاف: "أنا مصري وسأظل مصريًا مهما فعلوا".

وأشار إلى أنه لم يجدد جواز سفره المصري منذ عام 1999، ومع ذلك ظل محتفظًا بهويته الوطنية. بالنسبة له، فإن الجنسية ليست ورقة رسمية بقدر ما هي انتماء لا يمكن سلبه.

 

ثغرات قانونية وتضارب في المبررات

 كشف السماك عن نيته عقد مؤتمر صحافي قريبًا لعرض المستندات التي تثبت إخطار السلطات المصرية بازدواج جنسيته وجنسية أبنائه منذ سنوات، مشيرًا إلى أنه استخرج شهادة ميلاد مصرية لابنه ياسين عام 2003 وأرسل جميع المستندات للجهات المعنية. وأضاف أن المفارقة تكمن في عدم إسقاط الجنسية عن ابنه الأكبر أحمد، الذي يملك أيضًا شهادة ميلاد مصرية، قائلاً بسخرية: "يبدو أنهم يحتاجون إلى المساعدة في البحث عن معلوماتهم".

 

تظاهرات أمام البعثة المصرية ومطالبات بفتح رفح

جاءت الواقعة في سياق احتجاجات نظمها مصريون وأميركيون أمام مقر البعثة المصرية بنيويورك الشهر الماضي، للتنديد باستمرار إغلاق معبر رفح والمطالبة بإدخال المساعدات إلى غزة. وخلال هذه التظاهرات، حاول أحد المشاركين إغلاق أبواب البعثة بسلسلة حديدية لكنه فشل، فيما أكد السماك أن ابنيه لم يشاركا في ذلك، بل كانا يتظاهران سلميًا.

غير أن الاعتداء عليهما واحتجازهما من قِبل أفراد البعثة أثار انتقادات واسعة، وطرح تساؤلات حول مدى قانونية تدخل الدبلوماسيين في مواجهة المتظاهرين.

وأخيرا ما بين تبرئة القضاء الأميركي وقرار إسقاط الجنسية المصري، تظل قضية أكرم السماك وأبنائه مرآة تعكس صراعًا أكبر حول استخدام الهوية الوطنية كسلاح سياسي. فبينما يصر السماك على أنه "مصري بالانتماء قبل الأوراق"،

يثير القرار الرسمي قلقًا واسعًا بشأن مستقبل حقوق المواطنين المصريين في الخارج، واحتمال تحوّل الجنسية من رابطة هوية إلى أداة ضغط بيد السلطة. في المقابل، تبقى معركة السماك وعائلته مع الحكومة المصرية مفتوحة، ليس فقط في قاعات المحاكم أو المؤتمرات الصحافية، بل أيضًا في ساحة الرأي العام حيث تتقاطع قضايا الحرية والكرامة والانتماء.