تدور أنباء متزايدة منذ 25 سبتمبر 2025 عن عرض "تحالف خليجي ضخم" لشراء قطعة أرض أرض المعارض في مدينة نصر، والواقعة على طريق صلاح سالم والمسجلة بمساحة تقارب 311,000 متر مربع (حوالي 74 فداناً).
إذا تأكدت هذه الأنباء أو حتى لو تحولت إلى اتفاقية شراكة مشبوهة فإن المسألة لا تقتصر على خطوة استثمارية بل تطرح سؤالاً سيادياً عن مَن يملك قرار الموارد الوطنية ومَن يستفيد منها.
مركز مصر للمعارض الدولية في مدينة نصر بُنِي وفق بيانات رسمية على مساحة 311 ألف متر مربع وتم افتتاحه في ديسمبر 2017.
تقارير محلية (انفرادات صحفية منذ 25 سبتمبر 2025) تحدثت عن عرض مقدم من شركات سعودية وإماراتية لشراء الأرض المملوكة لبنك الاستثمار القومي المصري في صفقة استثمارية كبرى، لكن التفاصيل المالية لم تُنشر رسمياً حتى الآن.
هذا التعتيم يذكرنا بسجل صفقات سابقة كُتبت لها التسريبات قبل العقود الرسمية.
سياق أوسع: بيع أراضٍ ومشروعات كبرى لسداد عجز العملة والديون
هذا العرض يأتي على خلفية عقدٍ أكبر وأكثر إثارة للجدل؛ اتفاقية تطوير رأس الحكمة التي أُعلنت في فبراير- مارس 2024 مع صندوق إماراتي (ADQ) بقيمة يُعلن عنها بين 24 و 35 مليار دولار ويتم القول أيضاً إن المشروع قد يجلب استثمارات إضافية بقيمة تصل إلى 150 مليار دولار خلال تنفيذ المراحل، وقد رُوّج له رسمياً على أنه إنقاذ اقتصادي، لسد عجز العملة الأجنبية.
نقاش عام ومحلّي اتهم حكومة الانقلاب بالتعامل مع الأراضي الاستراتيجية كأداة لسد عجز موازنة الدولة، وليس كأصول يُديرها المواطن.
انتقد صحفيون ومحلّلون الصفقة الكبرى واعتبروها بيعاً للأصول تحت ضغوط مالية، قال تيموثي كالْداس من معهد التحرير للدراسات (Tahrir Institute) إن المشهد "بيع أصول عامة تحت الإكراه" وأن هذه الصفقات تُمنح مزايا كبيرة للمستثمرين الأجانب مع غموض حول الشفافية وحقوق الشعب المصري في العوائد.
إعلام الدولة من جانبه اعتبر مثل هذه الصفقات نقاط تحول جاذبة للاستثمار، وهو تباين يعكس الخلاف حول مآلات هذه الصفقات.
لماذا تلجأ حكومة الانقلاب إلى هذه الصفقات؟
بحسب بيانات الاحتياطي المركزي وتقارير البنك الدولي وصناديق دولية، ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى مستويات قياسية تجاوزت 150 مليار دولار في 2024–2025، في حين ظلّ عبء خدمة الديون ومعدلات الفائدة يضغطان على الموازنة.
تقديرات مؤسسات دولية تشير إلى أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي بلغت مستويات بين 80–90 % في تلك الفترة، مع عجز موازنة متوقع أن يرتفع في سياقات معينة.
هذا الضغط المالي يفسر لكنه لا يبرر لجوء النظام إلى صفقات بيع أو شراكات طويلة الأمد على أصول استراتيجية.
لماذا هذا التفريط؟ الأسباب والدوافع
- فقدان السيطرة على موقع محوري: أرض المعارض في مدينة نصر تُعد شرياناً ثقافياً واقتصادياً لاستضافة معارض دولية وسياحة ومؤتمرات.
بيعها أو تغيير ملكيتها يقلّص من قدرة الدولة على إدارة نشاط متكرر يدرّ دخلاً.
- الصفقات تحت ضغوط السيولة: عندما تُباع الأصول لسداد فجوات نقدية قصيرة الأجل، فإن الدولة قد تتخلى عن موارد دخل طويلة الأمد مقابل أموال آنية.
تقارير عن ربط تحويل ودائع خليجية أو تحويلها إلى استثمارات تظهر أن جزءاً من الآليات المالية المستخدمة تُماثل تصفية أصول لتغطية عجز العملة.
- غياب الشفافية والمساءلة: غياب نشر تفاصيل الثمن، بنود الحفظ على حقوق مصر، وآليات تحقق من العائدات يُبقي الباب مفتوحاً على الصفقات التي تخدم شبكات مصالح مقربة من السلطة.
تداعيات متوقعة على المدى المتوسط
لو أُبرمت صفقة بيع أرض المعارض بسعر رمزي أو بشروط تفضيلية، فالعواقب ستكون:
- فقدان دخل ثابت (المعارض، المؤتمرات، التأجير)
- تأثير على سوق العقارات المحيطة (ارتفاع أسعارٍ لفئات محددة مع تراجع عوائد الدولة)
- خطر إضفاء طابع احتكاري على نشاط اقتصادي في قلب القاهرة.
- كما أن الأمر يفاقم الشعور العام بأن السياسات تُدار لخدمة تطلعات تمويلية قصيرة وليس لمصلحة عامة مستدامة.
المواطنون والنواب والقوى السياسية المعنية بحقوق الأمة يحقّ لهم مطالبة الحكومة بنشر بنود أيّ عرض أو عقود تخصّ 311 ألف متر من أرض معرض دولي، ونشر التقييم المستقل للسعر، وتحديد كيف ستُستخدم العائدات تحديداً لسداد الديون أو للاستثمار العام.
النزاهة والشفافية ليست ترفاً في زمن الأزمة، بل هي الحدّ الأدنى لوقف التفريط في موارد وطنية قد تبقي الأجيال القادمة محرومة من دخلٍ دائم وحضورٍ دولي.