تساءل الاقتصادي د.مراد على عن من يحدد استراتيجية الدولة المصرية في التعامل مع تهديد وجودي مثل سد النهضة؟

وفي تغريدة له كشف أن رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي أشاد أول أمس بما وصفه بـ"نوايا إثيوبيا الطيبة"، ولم تمضِ 24 ساعة حتى ظهر وزير الري، وهو المسؤول الفني المباشر عن هذا الملف، ليحذّر بوضوح من أن ما تقوم به إثيوبيا يمثل عبثًا خطيرًا بأمن مصر.

وتهكم أما رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، وهما المعنيان الأولان بأمن البلاد القومي، فغائبان تمامًا عن المشهد، وكأن القضية لا تستوجب موقفًا سياسيًا أو عسكريًا حازمًا.

ونوه أنه في المقابل، عندما واجهت باكستان تهديدًا مشابهًا بمحاولة الهند بناء سد يؤثر على حصتها المائية، خرج وزير الدفاع الباكستاني ليعلن بوضوح أن بلاده ستقصف السد إن تم بناؤه، ما أجبر الهند على التراجع الفوري.

مختتما، فكيف نفهم ما وراء غياب المؤسسة العسكرية، واستبعاد قيادات الجيش المصري عن المشهد؟.

https://x.com/mouradaly/status/1943629961685864816

وكانت التصريحات المتبادلة والمطمئنة بين رئيس الوزراء مصطفى مدبولي،  ونظيره الإثيوبي قد تزايدت الأيام الماضية،  حيث قال المصري إن الدولة اتخذت إجراءات عدة لتحييد آثار عملية ملء سد النهضة مؤكدًا أن مصر لم تتأثر سلبًا من عملية الملء حتى الآن،بينما قال  آبي أحمد في تصريحاته أمام البرلمان الإثيوبي ، إنه "لم ينقص ليتر واحد من حصة مصر" خلال سنوات الملء، وتأكيده خلال قمة البريكس لا مساس بحق مصر، قلق المصريين الذين يرون ويعيشون الآثار السلبية والعجز المائي منذ بدء بناء سد النهضة.

وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي:  إن إثيوبيا طلبت استئناف التفاوض مع مصر خلال قمة بريكس وطالبنا بتوقيع وثيقة اتفاق بما يحول التصريحات الأخيرة لالتزام مكتوب، مؤكدا إن علاقاتنا مع الدول الأفريقية تقوم على الاحترام المتبادل، ولدينا موقف ثابت بشأن حماية حقوق مصر المائية، ونثق في نوايا إثيوبيا الطيبة.

 

كلاكيت تاني مرة

وتأتي تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بعدم المساس بحق المصريين في مياه النيل مراواغة ثانية بعد توقيع اتفاق المنقلب معه في 2015 وضياع حقوق مصر المائية ، وربما يكون هذا التصريح تكملة لتاريخه في المراوغات حيث أنه تنصل من عقد أي اتفاق مكتوب واكتفى بالوعود الزائفة واليمين الباطلة

لم تستجب أديس أبابا للمساعي الدبلوماسية المصرية بشأن تنظيم كمية المياه التي تصل إلى دولتي المصب (مصر والسودان) في فترات الجفاف عند تعارض حاجات توليد الكهرباء مع وصول كميات كافية من المياه إلى دولتي المصب، وكيفية حل أي خلافات مستقبلية.

 ومضت إثيوبيا في خطتها حيث عملت على ملء خزان السد على مدار السنوات الخمس مما أسفر عن تضرر حصة مصر من مياه نهر النيل. وزعم آبي أحمد في تصريحاته أمام البرلمان الإثيوبي الخميس الماضي، إنه "لم ينقص ليتر واحد من حصة مصر" خلال سنوات الملء.

 

خفض 60 مليون متر مكعب من حصة مصر

وفند عدد من الخبراء والمعنيون، مزاعم رئيس الوزراء الإثيوبي.

ويقول مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية محمد حجازي، إن ما ذكره رئيس الوزراء الإثيوبي هو مخالف للأعراف الفنية، فحديثه عن أن مصر والسودان لم تنقص حصتهم قطرة مياه واحدة هو أمر مجافي للحقيقة.

 وأوضح أن "الأعوام الأربعة السابقة كان فيضان النيل فيها عالياً لدرجة سمحت بامتلاء السدود في البلدان الثلاثة، ولكن نعلم جميعاً أن نهر النيل له دورة للفيضانات تكون مرتفعة أحياناً كما حدث في الأربع سنوات السابقة ولكن تعود لأن تكون ضعيفة أو متوسطة وشحيحة أو شديدة الشح وهنا تكمن المشكلة عندما ينخفض إيراد النهر وتسحب إثيوبيا من احتياطات سد النهضة وتعيد ملأه، فسوف نتعرض حتماً للجفاف، والجفاف الممتد يُعرض دولتي المصب لمشكلات وأخطار جمة".

وأوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية عباس شراقي، أنه تم تخزين 60مليار متر مكعب في خزان سد النهضة على مدار السنوات الخمس الماضية وحتى سبتمبر (أيلول) 2024، وهذه المياه كانت من المفترض أن تصل مصر، مستنكراً "هل حجز 60 ملياراً كانت متجهة إلى مصر أليس هذا ضرراً؟".

وأضاف أن على سبيل المثال تم حجز 20 مليار متر مكعب من المياه العام الماضي من إجمالي حصة مصر البالغة 55.5 مليار متر مكعب أي نحو 40 في المئة من حصة مصر الإجمالية، بينما تعاني مصر بالفعل من عجز مياه بنسبة نحو 50 في المئة.


خسائر وتكلفة تصل إلى 500 مليار

وللتعامل مع تلك الخسائر المائية الضخمة، أوضح شراقي أن مصر تقوم بمعالجة أكثر من مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي سنوياً لاستخدامها في الزراعة مرة تانية، مضيفاً أن تكلفة إنتاج مليار متر مكعب من المياه المعالجة يبلغ 15 مليار جنيه، إذ "بلغت كلفة المشروعات التي نفذتها مصر للتغلب على العجز المائي 500 مليار جنيه مصري".

كما اضطرت مصر إلى تقليص زراعة بعض المحاصيل التي تحتاج وفرة مياه؛ مثل الرز الذي قلصت زراعته من مليوني ونصف فدان إلى فدان واحد، لافتاً إلى أن "عائد المليون فدان قد يصل إلى 5 مليارات دولار سنوياً"، مما يشكل خسارة كبيرة، كما استبدلت الري بالغمر بالري الحديث.

وتابع أن مشروع تبطين الترع كلف مصر أكثر من 20 مليار جنيه، وفي النهاية اضطرت الحكومة للتوقف عن المشروع لأسباب اقتصادية.

ويهدف تبطين الترع لتوفير جزء من المياه التي تُخزن في السد العالي واستخدامها في أوقات تخزين المياه في سد النهضة.

ووفق تصريحات لوزير الري المصري في ديسمبر 2024، فإن مصر تعمل على التوسع في معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بإجمالي نحو 21 مليار متر مكعب سنوياً.

 

هل خسرت مصر حقها في مياه النيل؟

يبقي السؤال الشائك، هل خسرت مصر قضية مياه نهر النيل وأنه بات ينبغي التعامل مع الأضرار التي يفرضها الواقع الجديد؟ أم لا تزال هناك خيارات أخرى من شأنها أن تُثني إثيوبيا عن موقفها المتعنت بشأن رفض التفاوض حول تشغيل وإدارة السد؟

بالعودة إلى وزراء الري المصريين السابقين، فإنهم لم يبدوا رغبة في الحديث عن الأمر.

وفي حين امتنع الوزير السابق محمد نصر علام الذي تولي وزارة الري بين عامي 2009 و2011، عن التعليق مكتفياً بالإشارة إلى منشور كتبه على صفحته بتطبيق "فيسبوك"، فإن الوزير السابق حسام الدين مغازي الذي تولى المنصب بين 2014 و2016 عندما وقعت مصر اتفاقية المبادئ مع إثيوبيا، أكد إن "مصر تحتفظ بحقها في اتخاذ الإجراءات المناسبة حال تأثرت حصتها المائية بوجود السد الإثيوبي وتم إعلان ذلك مراراً من خلال القيادة السياسية... أما بالنسبة للإجراءات الداخلية فإن مصر تعمل حالياً على توسيع إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي المعالج وأيضاً التوسع في تحلية مياه البحر مع أن هذه المشاريع تكلف أموالاً طائلة".