في تكرارٍ مأساوي بات معتاداً في عهد النظام الحالي، شهدت منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية يوم 22 يونيو 2025 انهيار عقار سكني مكوّن من خمسة طوابق، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص بينهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 12 آخرين بجروح متفاوتة.
فرق الحماية المدنية وصلت متأخرة بأكثر من ساعة، مما أثار استياء الأهالي الذين تجمهروا وسط صرخات الغضب والذهول.
العقار المنهار لم يكن مرخصًا، بحسب تصريحات مسؤولين محليين، رغم أنه مأهول منذ أكثر من 10 سنوات، في منطقة تعاني من التهميش الشديد وغياب الرقابة.
السكان أفادوا أنهم قدّموا شكاوى متكررة للحي دون جدوى، لكن كالمعتاد، لم يتم التحرك قبل الكارثة.
أزمة المباني الآيلة للسقوط..
بحسب تقرير رسمي صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2023، فإن مصر تضم أكثر من 380 ألف مبنى مهدد بالانهيار، منها ما يزيد عن 22 ألف عقار مصنّف تحت بند "خطورة داهمة"، أي مهدد بالانهيار الفوري، القاهرة وحدها تضم 4,500 من هذه المباني، خاصة في مناطق مثل السيدة زينب، منشأة ناصر، وشبرا.
في مقابل ذلك، يواصل نظام الانقلاب بقيادة السيسي التفاخر بإنشاء "عاصمة إدارية جديدة" بتكلفة تجاوزت 58 مليار دولار، بينما يعيش ملايين المصريين تحت سقوفٍ متهالكة دون أدنى درجات الأمان.
سجل دموي من الانهيارات.. ضحايا بلا ثمن
لم تكن حادثة شبرا الأخيرة هي الأولى من نوعها، فقد شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الانهيارات المأساوية، الانهيارات العقارية لم تعد أحداثًا طارئة في مصر، بل تحوّلت إلى مشهد دوري:
- في سبتمبر 2021، انهار عقار في شبرا الخيمة، مما أسفر عن وفاة أربعة أشخاص.
- في فبراير 2023، انهار عقار مكون من 5 طوابق في حي الوايلي بالقاهرة، مما أسفر عن وفاة 4 أشخاص.
- في يناير 2024، لقي 9 أشخاص مصرعهم في انهيار عقار بمنطقة جسر السويس.
- وفي مارس 2025، تسببت سلسلة انهيارات في الإسكندرية بمقتل ما يزيد عن 15 شخصًا في أقل من أسبوع.
بذلك، تكون الحصيلة خلال عامين فقط قد تجاوزت 70 قتيلاً وأكثر من 150 مصابًا في حوادث انهيار مبانٍ، دون أن يتم الإعلان عن محاسبة جادة لأي مسؤول كبير.
لماذا تتكرر هذه الانهيارات ومن المسؤول؟
السبب الرئيسي في تكرار انهيارات المباني ليس فقط ضعف البنية التحتية، بل تفشي الفساد في الإدارات المحلية، في ظل غياب الشفافية وغياب رقابة برلمانية حقيقية، تُمنح تصاريح البناء في كثير من الأحيان عبر الرشاوى، بينما تُغضّ الجهات المعنية الطرف عن المخالفات مقابل "الإتاوات".
تتعدد الأسباب التي تقف وراء تكرار انهيار العقارات في مصر، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- البناء العشوائي: يلجأ الكثير من المواطنين إلى بناء منازلهم دون تراخيص أو دراسات هندسية، بسبب ارتفاع أسعار العقارات وندرة الوحدات السكنية الرسمية، مما يؤدي إلى إنشاء مبانٍ غير آمنة.
- ضعف الرقابة الحكومية: تعاني الجهات المسؤولة عن مراقبة البناء من قصور في الإمكانيات والموارد، إضافة إلى وجود فساد يعيق تطبيق القوانين بشكل صارم.
- الإيجار القديم: يعيق نظام الإيجار القديم تحديث المباني أو إخلائها، حيث يرفض المستأجرون المغادرة، مما يحول دون إجراء الصيانة اللازمة.
- استخدام مواد بناء مغشوشة: انتشار المواد غير المطابقة للمواصفات أو منتهية الصلاحية يضعف البنية التحتية للمباني.
- الإهمال في الصيانة: ضعف الوعي أو العجز المالي لدى الملاك يؤدي إلى تأجيل أو تجاهل أعمال الصيانة الضرورية.
- التدخلات الهندسية الخاطئة: إزالة أعمدة أو جدران حاملة دون دراسات هندسية سليمة يؤدي إلى انهيار المباني.
اللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية بحكومة الانقلاب، صرّح في مارس 2024 أن هناك خطة لمتابعة المباني المخالفة، لكن لم تُعلن أية نتائج واضحة لهذه "الخطة"، كما لم يتم تحديد توقيتات أو آليات تنفيذ حقيقية، بل إن أغلب ما يُنفذ يتم عشوائيًا بعد وقوع الكوارث لا قبلها.
من المسؤول؟
في نظامٍ عسكري شمولي يسيطر فيه السيسي على كافة مفاصل الدولة، يصبح تحميل المسؤولية لمن هم في قاع الهرم الإداري وسيلة سهلة للهروب من المحاسبة، يتم دائمًا تعليق الأخطاء على "المالك" أو "المقاول"، بينما لا يُحاسب المحافظون ولا رؤساء الأحياء، ولا حتى الوزراء.
المسؤولية تقع بشكل رئيسي على الحكومة والسلطات المحلية التي فشلت في فرض رقابة فعالة على البناء المخالف، وعدم توفير بدائل سكنية مناسبة للسكان الذين يعيشون في مبانٍ متهالكة. كما يتحمل بعض الملاك مسؤولية الإهمال في الصيانة، إضافة إلى وجود فساد وتراخي في تطبيق القوانين.
الحقوقي جمال عيد صرّح في 2024 أن "الدولة تعامل المواطنين في الأحياء الشعبية كأنهم عبء، ليس لهم الحق في السكن الآمن، بينما تُهدر المليارات في مشروعات استعراضية لا يستفيد منها المواطن العادي."
الدولة تبني للأغنياء وتهدم على الفقراء
وفي الوقت الذي يتساقط فيه البسطاء تحت أنقاض منازلهم، يواصل نظام السيسي إطلاق مشروعات إسكانية فارهة مثل "الماسة كابيتال" و"أبراج العلمين"، التي تجاوزت كلفة بنائها عشرات المليارات، ولا يستطيع الغالبية حتى الاقتراب منها.
تقرير للبنك الدولي عام 2022 كشف أن 32 % من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، ومع ذلك لا توجد خطة واضحة لإسكان آمن لذوي الدخل المحدود، رغم تعهد السيسي في خطاب له عام 2014 بأن "كل مصري هيعيش في شقة محترمة".
كوارث متكررة تحت حكم يتجاهل الحياة
الانهيارات العقارية في مصر ليست سوى عرض لأزمة أكبر،حكم لا يعبأ بأرواح الفقراء، ومؤسسات فاسدة عاجزة عن الرقابة أو الإنقاذ، وبينما يواصل النظام إنفاق المليارات على القصور والمدن الذكية، تواصل الجدران الهشة في شبرا والسيدة زينب ومنشأة ناصر حصد أرواح الأبرياء.