تعطلّت صباح اليوم خدمات رقمية أساسية في البنك الأهلي المصري وبنك مصر، بالتزامن مع توقف واسع لخدمة التحويلات الفورية عبر تطبيق إنستاباي، ما شلّ المعاملات الإلكترونية لملايين العملاء في ذروة صرف الرواتب والمعاشات. وبينما سارع البنكان لوصف ما حدث بأنه “عائق تقني مؤقت”، تجاهلت حكومة الانقلاب والجهات الرقابية الإجابة عن سؤالين جوهريين: ما طبيعة هذا العطل بالضبط؟ وهل أموال المودعين في مأمن أم أن هناك ثغرات أعمق تهدد ودائعهم في أي لحظة؟

 

انهيار مفاجئ للخدمات الرقمية

 

مصادر مصرفية وتقارير صحفية أكدت أن عملاء بنك مصر والبنك الأهلي واجهوا منذ ساعات الصباح الأولى صعوبة في استخدام تطبيقات الموبايل بانكنج والإنترنت البنكي، إضافة إلى تعطل التحويلات عبر إنستاباي من وإلى حسابات البنكين. كثيرون لم يتمكنوا من فتح التطبيقات أو تنفيذ أي عملية، فيما ظهرت رسائل تفيد بعدم إتاحة الخدمة من جانب البنك.

 

إلى جانب ذلك، أبلغ مستخدمون عن توقف عمليات التحويل اللحظي عبر إنستاباي على مستوى عدد من البنوك، وهو نمط تكرر في أعطال سابقة مطلع العام الحالي، عندما تعطلت التحويلات والاستعلام عن الأرصدة لساعات قبل الإعلان عن عودة الخدمة تدريجيًا. هذا الاعتماد المكثف على منصة واحدة للتحويلات الفورية، مع غياب خطط طوارئ شفافة، حوّل أي خلل تقني إلى شلل شبه كامل للنظام المصرفي الرقمي.

 

ما الذي قالته البنوك عن طبيعة العطل؟

 

في بيان مقتضب، أعلن بنك مصر عن “عائق تقني طارئ” أثّر على عدد من خدماته الرقمية، وعلى رأسها التحويلات اللحظية عبر إنستاباي، مع تأكيد العمل على الإصلاح السريع واعتذار رسمي للعملاء. تقارير متطابقة تشير إلى أن العطل نجم عن خلل في أنظمة البنك الداخلية، ما أدى إلى إبطاء أو تعطيل معالجة العمليات الإلكترونية.

 

أما في البنك الأهلي المصري، فكشفت تقارير صحفية عن صعوبات مماثلة في فتح تطبيق الموبايل البنكي والإنترنت البنكي، وتعطل جزء من التحويلات المرتبطة بإنستاباي، قبل أن تعلن منصات إعلامية موالية عودة الخدمات “إلى طبيعتها” بعد ساعات، مع ربط ما حدث بعمليات تحديث فنية. ورغم حجم الضرر، لم يصدر عن أي جهة رقابية ـ كالبنك المركزي أو هيئة حماية المستهلك ـ شرح تفصيلي لما جرى، ولا تقييم للمخاطر التي كشفها هذا الانهيار المتزامن.

 

هل أموال المصريين في أمان؟

 

رسميًا، لم يعلن أي بنك عن فقدان أرصدة أو اختراق أمني، وكل البيانات تصف ما حدث بأنه عطل تقني في أنظمة تقديم الخدمة، لا في سجلات الحسابات أو أرصدة العملاء. كما أن الأعطال السابقة لإنستاباي قُدمت إعلاميًا على أنها نتيجة تحديثات أو مشاكل فنية، مع تأكيد من القائمين على المنصة بأن التطبيق نفسه يعمل وأن الخلل غالبًا في أنظمة بعض البنوك المشاركة.

 

لكن غياب الشفافية التفصيلية يترك الباب مفتوحًا للشك المشروع؛ فالمواطن الذي تُعلق تحويلاته لساعات، أو يُرفض طلبه لدفع الرواتب والفواتير، لن يطمئنه بيان مقتضب من سطرين بلا أي معلومات عن نوع العطل، ومدى تأثيره على بياناته، وما إذا كانت هناك اختبارات اختراق أو مراجعات مستقلة للبنية التكنولوجية. في الأنظمة المستقرة، تُنشر تقارير دورية عن الأعطال الكبرى، زمنها، عدد العمليات المتأثرة، وخطط منع التكرار؛ أما في ظل حكم الانقلاب، فكل شيء يدور في غرف مغلقة، والمواطن مطالب بأن يصدق وعود نفس المنظومة التي تتهرب من أبسط أشكال المحاسبة.

 

ملايين المتضررين بلا تعويض أو اعتذار سياسي

 

بنك مصر وحده يقول إنه يخدم أكثر من 17 مليون عميل عبر فروعه وقنواته الرقمية، بينما يُعد البنك الأهلي الأكبر من حيث الأصول وعدد العملاء في السوق المصرفية. ومع توسع استخدام إنستاباي كمنصة للتحويلات اللحظية على مدار الساعة، يعني تعطّل هذه المنظومة عمليًا تعطيل تحويل الرواتب ومدفوعات الشركات والأفراد في كل القطاعات تقريبًا.

 

ورغم هذا الأثر الواسع، اختُزلت الأزمة في “منشورات فيسبوك” للبنوك، دون أي مساءلة سياسية لحكومة الانقلاب أو للبنك المركزي الذي دفع بقوة نحو “التحول اللانقدي” وفرض الرسوم والقيود على السحب والتحويلات لجرّ الناس إلى القنوات الرقمية نفسها التي تنهار مع كل بداية شهر. لا حديث عن تعويضات للمتضررين، ولا عن مسؤول إداري واحد قدّم استقالته أو وُضع تحت التحقيق بعد تعطل خدمات أساسية لقطاع يصفه النظام بأنه “شريان الاقتصاد الوطني”.

 

خلل بنيوي لا مجرد عطل عابر

 

تكرار الأعطال في إنستاباي والبنى الرقمية للبنوك خلال العامين الأخيرين، من توقفات رأس السنة إلى انقطاعات متفرقة في شهور مختلفة، يشير إلى أزمة أعمق من “مشكلة تقنية مؤقتة”. المشكلة الحقيقية في تصميم منظومة مصرفية رقمية مركزية دون استثمار كاف في البنية التحتية والأمن السيبراني وخطط استمرارية الأعمال، بالتوازي مع غياب رقابة مستقلة وحق الجمهور في المعرفة.

 

في دولة ديمقراطية، عطل بهذا الحجم يفتح نقاشًا برلمانيًا عاجلًا ولجان تقصي حقائق علنية؛ أمّا في جمهورية السيسي، فيُعامل الأمر كـ“عطل سيستم عادي”، بينما تُترك ملايين المعاملات معلّقة، وملايين المواطنين تحت رحمة نظام مصرفي رقمي هش، لا يملك أحد فيه شجاعة الاعتراف بحجم الخلل أو تحمل مسؤوليته. وفي ظل هذا الواقع، قد تكون أموال المصريين محفوظة “على الورق”، لكنها عمليًا رهينة نظام يمكن أن يتوقف في أي لحظة، بلا إنذار ولا محاسبة.