مقدمة في إطار المتابعة الدورية لصندوق النقد الدولي للأوضاع الاقتصادية في مصر، أرسلت مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا رسالة واضحة للحكومة المصرية بضرورة تسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها. وصرحت جورجييفا بأن الوضع يتطلب تنفيذ هذه الإصلاحات خلال الأيام العشرة القادمة من أجل ضمان استمرار برنامج القرض البالغ قيمته ثمانية مليارات دولار. هذا التحذير يأتي في وقت تشهد فيه مصر ضغوطاً اقتصادية غير مسبوقة ناتجة عن التوترات الإقليمية وارتفاع معدلات التضخم، ما يضع الحكومة المصرية أمام تحديات صعبة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. تحذيرات صندوق النقد وأولوياته أعلنت كريستالينا جورجييفا أن برنامج القرض لا يزال مناسبا لتلبية احتياجات الاقتصاد المصري، لكنها شددت على أن التأخير في تنفيذ الإصلاحات قد يهدد استمراره. وفي حديثها عن برنامج الحماية الاجتماعية، أكدت جورجييفا أن الصندوق سيضع تقييم هذه البرامج ضمن أولوياته عند مراجعة الأداء الاقتصادي لمصر، مشيرة إلى أن الصندوق مستعد لتعديل بعض عناصر البرنامج إذا لزم الأمر، لكن بشرط الالتزام بالمسار الإصلاحي المرسوم. جاء هذا التصريح خلال مؤتمر صحفي عقدته جورجييفا تحت عنوان "أجندة السياسة العالمية لصندوق النقد الدولي لعام 2024"، حيث ناقشت فيه أبرز التحديات التي تواجه الأسواق الناشئة، وخصّت مصر بتحذيرها بضرورة الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لضمان صرف الشرائح المتبقية من القرض. تأثيرات التأخير في الإصلاحات على الاقتصاد المصري بحسب تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر عن الصندوق، يُتوقع أن يصل معدل التضخم في مصر إلى 33.3% خلال العام الجاري، مقارنة بـ 24.4% في عام 2023، ما يضع أعباء إضافية على الاقتصاد المحلي ويزيد من الضغوط على المواطنين. ويرى صندوق النقد أن التأخير في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية قد يؤدي إلى مزيد من تراجع الاستقرار المالي وزيادة معدلات الفقر، مما يؤكد حاجة مصر إلى تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل عاجل. هذا التضخم المرتفع يعكس مدى حاجة الاقتصاد المصري للإصلاحات الهيكلية التي تمكنه من استعادة النمو والاستقرار، حيث تأثرت الأسواق المحلية بارتفاع تكاليف المعيشة وضعف العملة المحلية، مما أدى إلى تزايد الاعتماد على السلع المستوردة ورفع الأسعار بشكل مباشر على المواطنين. موقف الحكومة المصرية ومحاولات التأجيل أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، بهدف تعديل بعض الأهداف والتوقيتات المحددة في البرنامج، خصوصاً بعد تزايد الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الأحداث الإقليمية مثل العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، وكذلك تراجع إيرادات قناة السويس جراء التوترات في البحر الأحمر. وأوضح مدبولي أن برنامج الإصلاح يتضمن أهدافاً وتوقيتات محددة، مشيراً إلى أن بعثة صندوق النقد ستصل قريباً لإجراء المراجعة الرابعة، حيث سيتم مناقشة إمكانية تعديل البرنامج لتخفيف العبء عن المواطن المصري. تحرير أسعار الوقود وتأثيره على حياة المواطنين من ضمن المطالب الإصلاحية التي اتفق عليها صندوق النقد مع الحكومة المصرية، تحرير أسعار الوقود والطاقة، وهو ما دفع الحكومة إلى زيادة أسعار البنزين ثلاث مرات منذ بداية العام الحالي، ورفع سعر السولار المستخدم في النقل والمواصلات العامة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير وزيادة أعباء المواطنين. في ظل هذا الواقع، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي حكومته إلى مراجعة الاتفاقيات مع الصندوق بعد موجة من الغضب الشعبي بسبب الزيادات المستمرة في أسعار الوقود. ويأتي هذا التحرير استجابة لطلب صندوق النقد الدولي كشرط للإفراج عن الشريحة المقبلة من القرض، والتي تبلغ 1.3 مليار دولار. ويُعد تحرير أسعار الوقود خطوة ضرورية لتحقيق أهداف الصندوق بتحقيق سوق حرة، إلا أنها تؤدي بشكل مباشر إلى رفع أسعار السلع والخدمات وزيادة العبء المالي على المواطنين، ما يزيد من التوتر الاجتماعي. التحديات الإقليمية تزيد من الضغوط الاقتصادية أثرت التوترات الإقليمية في المنطقة، خاصةً النزاع الجاري في غزة ولبنان، بشكل كبير على الاقتصاد المصري، حيث تراجعت إيرادات قناة السويس التي تُعد أحد مصادر النقد الأجنبي الأساسية، كما ارتفعت تكلفة المواد الأساسية بسبب زيادة الطلب الإقليمي عليها. وترافق ذلك مع تراجع في صادرات الغاز نتيجة الأزمات العالمية، ما أدى إلى ضعف الأداء الاقتصادي وتزايد الحاجة إلى النقد الأجنبي.
رسالة قوية من الصندوق: ضرورة الالتزام بتنفيذ الإصلاحات تأتي زيارة كريستالينا جورجييفا إلى مصر كإشارة قوية إلى إصرار صندوق النقد الدولي على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة دون تأخير، وقد يشير هذا الموقف إلى نفاد صبر الصندوق إزاء تباطؤ الإصلاحات. ورغم استعداد الصندوق لتعديل البرنامج بما يخفف من وطأته على المواطن، إلا أن الصندوق يؤكد أن الحلول الجزئية أو التأجيل لن تكون كافية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب. يبدو أن مصر تواجه مرحلة حرجة، حيث قد يؤدي التأخر في الإصلاحات إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة، ويضع الحكومة أمام خيار صعب: إما الالتزام بالإصلاحات لتحقيق الاستقرار والنمو، أو تحمل تبعات التأجيل واستمرار الضغوط الاقتصادية المتصاعدة.

