أثار قرار وزارة الصحة برفع أسعار خدمات الإسعاف للحالات غير الطارئة، والتي تتعلق بنقل المرضى بين المحافظات أو داخل المحافظة، جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والبرلمانية. حيث ارتفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 1800 جنيه لحالات النقل بين المحافظات البعيدة، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه القرارات على الفئات الأكثر فقراً في المجتمع المصري.
الخدمات الإسعافية ودورها في إنقاذ الأرواح
تعد خدمات الإسعاف ضرورة حياتية لحالات الطوارئ، وهي متخصصة في تقديم الإسعافات الأولية والعناية الطبية الفورية للحالات الحرجة بهدف إنقاذ الأرواح أو تخفيف الأضرار. هذه الخدمة كانت دائمًا تحظى بتقدير كبير بسبب دورها المحوري في إنقاذ المرضى والمصابين.
ومع ذلك، رفع أسعار هذه الخدمات للحالات غير الطارئة، ألقى بظلال من القلق على قدرة المواطنين ذوي الدخل المحدود على الاستفادة منها.
تختلف تكاليف الخدمة حسب المسافة؛ إذ ارتفعت بنسبة 300% داخل المحافظة لتصل إلى 450 جنيهًا للمسافة حتى 25 كيلو مترًا، وإلى 3775 جنيهًا للمسافة 500 كيلو متر داخل المحافظة. أما في النقل بين المحافظات، فإن التكاليف وصلت إلى 1150 جنيهًا للنقل بين القاهرة والإسماعيلية، و1800 جنيه للنقل بين القاهرة والإسكندرية. هذه الزيادات أثارت جدلاً واسعاً حول الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية بتكلفة معقولة، خاصةً في ضوء الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها معظم المصريين.
مخالفة دستورية؟
نصت المادة 18 من الدستور المصري على أن الدولة تكفل الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة وتعمل على دعمها، بهدف رفع كفاءتها وتوسيع انتشارها جغرافياً بشكل عادل. في هذا السياق، اعتبرت النائبة سميرة الجزار، عضوة لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن رفع أسعار خدمات الإسعاف للحالات غير الطارئة يتعارض مع هذه المبادئ، ويزيد من معاناة محدودي الدخل. وطالبت بتخصيص سيارات إسعاف مجانية للفئات الفقيرة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.
تتطلب هذه الفئات خدمات صحية مستمرة، ولكنها قد تكون غير قادرة على تحمل هذه التكلفة العالية. ولهذا، ترى النائبة أن الدولة ملزمة بتقديم هذه الخدمات بشكل مجاني أو بأسعار معقولة، حيث أن الهدف الأساسي هو ضمان حق المواطن في الوصول إلى الرعاية الصحية.
موقف وزارة الصحة
في المقابل، أكدت وزارة الصحة عبر المتحدث باسمها، حسام عبد الغفار، أن الخدمات الإسعافية تظل مجانية لغير القادرين، وخاصة لحاملي معاش "تكافل وكرامة" أو كارت "الخدمات المتكاملة" لذوي الهمم. كما أشار إلى أن رفع الأسعار للحالات غير الطارئة يأتي في إطار تقليل العبء على مرفق الإسعاف، الذي يواجه تحديات مالية بسبب ارتفاع تكاليف الوقود والصيانة والعمالة. وأوضح عبد الغفار أن بعض المواطنين يطلبون الإسعاف للحالات التي لا تستدعي الطوارئ، مثل تأمين تجمعات تصوير الأفلام أو نقل المرضى المتعافين، ما يفرض ضرورة فرض رسوم على هذه الخدمات للحفاظ على قدرة المرفق على العمل بفعالية.
ومع زيادة أسعار الوقود التي أعلنتها لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، والتي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار البنزين والسولار، تأثرت ميزانية هيئة الإسعاف بشكل كبير. فقد بلغت مخصصات الوقود للهيئة 130.25 مليون جنيه، في حين تم تخصيص 705.2 ملايين جنيه للصيانة.
قلق من تأثير القرار على ذوي الأمراض المزمنة
تأتي زيادة أسعار خدمات الإسعاف في ظل قلق كبير من تأثيرها على المرضى المصابين بأمراض مزمنة مثل السكري، الفشل الكلوي، وأمراض الكبد. هذه الفئات تعتمد بشكل كبير على الرعاية الطارئة في حالات الطوارئ الصحية المفاجئة، والتي قد تتطلب نقلًا فوريًا للمستشفيات. وقد أشار العديد من الخبراء إلى أن التمييز بين الحالات الطارئة وغير الطارئة قد يكون صعبًا في بعض الأحيان، مما يعرض حياة هؤلاء المرضى للخطر.
وفقًا لإحصائيات وزارة الصحة، يعاني حوالي 11 مليون مواطن مصري من مرض السكري، فيما يحتاج 59 ألف مريض لخدمات الغسيل الكلوي بشكل دوري. ولهذا، فإن أي تقليص أو زيادة في تكلفة خدمات الإسعاف سيؤثر بشكل مباشر على هؤلاء المرضى، الذين يحتاجون إلى وصول سريع وفعال إلى المستشفيات في حالات الطوارئ.
الخلاف حول طبيعة خدمات الإسعاف
من جانبه، يعترض الدكتور علاء الغنام، خبير السياسات الصحية ومدير برنامج الحق في الصحة، على تصنيف خدمات الإسعاف إلى "طارئة" و"غير طارئة". ويؤكد الغنام أن مفهوم الإسعاف يقوم أساسًا على تقديم الرعاية الطارئة، مشيرًا إلى أن جميع الحالات التي تتطلب إسعافًا تعتبر حالات حرجة، ويجب التعامل معها على هذا الأساس.
وأضاف الغنام أن الدستور المصري يضمن تقديم الرعاية الصحية الطارئة بالمجان لمدة 72 ساعة في جميع المستشفيات، سواء كانت حكومية أو خاصة. وبالتالي، فإن فرض رسوم عالية على خدمات الإسعاف يعد مخالفة لمبادئ الدستور التي تضمن الحق في الرعاية الصحية.
كما أن هناك دعوات لإعادة النظر في رسوم خدمات الإسعاف خلال الفعاليات والمباريات، حيث يعتبر البعض أن فرض رسوم على تواجد سيارات الإسعاف في هذه المناسبات قد يؤدي إلى تأخر التدخل الطبي في حالات الطوارئ.

