في ظل التقارير المستمرة عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، تبرز قضية التعذيب الممنهج داخل السجون كواحدة من أخطر الملفات التي تحتاج إلى كشف كامل وتحقيق عاجل. من بين هذه السجون، يبرز "عنبر 4" في سجن الوادي الجديد المعروف بـ"عنبر الدواعي الأمنية"، حيث يتعرض المعتقلون السياسيون فيه لممارسات تعذيب ممنهجة شملت جميع أشكال الانتهاكات البدنية والنفسية.

وفقًا للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإن هناك معلومات موثقة تشير إلى وقوع انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين في هذا السجن، حيث تمت عملية اقتحام عنيف لزنازين المعتقلين السياسيين في 13 أغسطس الماضي، استمرت لأكثر من خمس ساعات متواصلة.

هذه العملية قادتها قوة ضاربة تابعة للأمن الوطني، بمشاركة جنائيين مسلحين بالعصي، وبتوجيهات مباشرة من الضباط المسؤولين عن إدارة السجن. تم خلال العملية ضرب المعتقلين بشكل وحشي، وتجريدهم من كافة متعلقاتهم الشخصية، بما في ذلك المصاحف والبطاطين والمياه.

مشاهد التعذيب الوحشي

أحد أكثر المشاهد المروعة التي تم توثيقها كانت تعليق المعتقلين على الحوائط وضربهم بشكل مبرح دون مراعاة لأعمارهم أو حالتهم الصحية. كان المعتقلون يُضربون بالعصي الكهربائية، ويُسحبون لمسافات تصل إلى 25 مترًا داخل السجن. وقد أسفر ذلك عن إصابات بالغة بين المعتقلين، في ظل انعدام الرعاية الطبية الكافية. وفي إحدى الحالات المأساوية، حاول أحد المعتقلين الانتحار بسبب اليأس من سوء المعاملة، مستخدمًا قطعة من السيراميك لقطع رقبته.

غياب العدالة وتستر الإدارة

الممارسات القمعية التي شهدها "عنبر 4" لم تقف عند التعذيب الجسدي فحسب، بل شملت أيضًا محاولة التستر على الانتهاكات. فعلى الرغم من محاولة أحد المعتقلين الانتحار، لم تقم إدارة السجن بتحرير محضر بالواقعة كما تقتضي اللوائح، بل اكتفت بتكسير أرضية الغرف واستبدالها بأخرى خرسانية لمنع تكرار الواقعة.

يثير هذا التستر تساؤلات حول مدى التزام السلطات المصرية بحماية حقوق المعتقلين، ومدى إمكانية تحقيق العدالة في ظل هذه الانتهاكات المستمرة.

الضغوط النفسية والإضراب عن الطعام

نتيجة للانتهاكات المتكررة، دخل عدد من المعتقلين في إضراب عن الطعام احتجاجًا على المعاملة القاسية والظروف غير الإنسانية التي يعيشونها داخل السجن. إلا أن هذا الإضراب قوبل بمزيد من التعذيب والضغط النفسي.

تم إجبار المعتقلين على فك إضرابهم تحت تهديد الضرب والتعذيب. كما أشارت المعلومات إلى أن إدارة السجن قامت بنقل أحد المعتقلين إلى غرفة أخرى في حالة صحية حرجة، دون أي معلومات مؤكدة عن مصيره حتى الآن.

تشديد القيود على الزيارات

في الأسابيع الأخيرة، فرضت إدارة السجن قيودًا صارمة على زيارات المعتقلين، حيث تم السماح بزيارة فرد واحد فقط لكل معتقل، ولمدة تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق تحت رقابة مشددة من عناصر الأمن. يأتي ذلك في ظل الضغوط النفسية التي يعاني منها المعتقلون، حيث يفضلون عدم استقبال ذويهم خوفًا من تعرضهم للانتهاكات أثناء الزيارة.

وفاة المعتقلين في ظل الظروف القاسية

تفاقمت الأزمة الإنسانية في سجن الوادي الجديد مع وفاة عدد من المعتقلين نتيجة التعذيب والإهمال الطبي. خلال الشهر الماضي، وثقت الشبكة المصرية وفاة المعتقل محمد زكي بعد ثلاثة أسابيع من وصوله إلى السجن. كما توفي الرائد طارق أبو العزم في الثاني من سبتمبر نتيجة تدهور حالته الصحية بعد معاناة مع التعذيب والإجراءات القاسية على مدى ست سنوات.

دعوات للتحقيق ومحاسبة المسؤولين

في ضوء هذه الانتهاكات، دعت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان النائب العام ووزارة الداخلية المصرية إلى السماح للمؤسسات الحقوقية المستقلة بزيارة السجن، وخاصة "عنبر 4"، للتحقيق في ما جرى يوم 13 أغسطس والوقوف على حقيقة الظروف المعيشية للمعتقلين.

كما طالبت بمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وفقًا للقوانين والدستور المصري.

ختامًا ؛ تظل الانتهاكات الجسيمة التي تحدث في سجون مصر، وتحديدًا في سجن الوادي الجديد، جرحًا مفتوحًا يتطلب التدخل العاجل من قبل المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية. إن استمرار مثل هذه الممارسات يضع النظام المصري في مواجهة مع مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، ويزيد من حالة التوتر والاضطراب داخل السجون.