في تقرير يُعدّ من أدق الوثائق الدولية التي تكشف فظائع جرائم الحرب في السودان، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مقتل 1013 مدنياً على يد قوات الدعم السريع في هجومها الوحشي على مخيم زمزم للنازحين بمدينة الفاشر خلال ثلاثة أيام فقط في أبريل الماضي.
هذه المجزرة ليست حادثاً منفصلاً، بل هي حلقة في سلسلة جرائم منظمة يرتكبها ما يُسمى بـ"حكومة الانقلاب" العسكري ضد شعبها، حيث تحولت قوات الدعم السريع من ميليشيا حكومية إلى آلة قتل وإبادة جماعية تستهدف المدنيين بشكل ممنهج.
مجزرة زمزم: إعدامات ميدانية وعنف جنسي منظم
خلال الفترة من 11 إلى 13 أبريل 2025، اقتحم مئات المقاتلين المدججين بالسلاح مخيم زمزم الواقع على بعد 12 كيلومتراً من الفاشر، وهم يطلقون النار عشوائياً على المدنيين العزل.
وثّق التقرير الأممي أن ما لا يقل عن 319 شخصاً أُعدموا بإجراءات موجزة، مما يؤكد تنفيذ عمليات قتل ميدانية خارج نطاق القانون بشكل منهجي. لم تكتفِ القوات بذلك، بل نفذت عمليات تفتيش منزلية بحثاً عن عناصر من الجيش السوداني، وأسفرت هذه العمليات عن إعدامات ميدانية للرجال واغتصاب النساء أمام أسرهن.
العنف الجنسي كان سلاحاً من أسلحة الحرب المستخدمة بشكل واسع، حيث وثّق المكتب الأممي 66 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع بين 11 أبريل و20 مايو 2025، طالت 104 ضحايا بينهم 75 امرأة و26 فتاة و3 فتيان، بما في ذلك حالات اغتصاب جماعي.
هذه الأرقام المرعبة تعكس سياسة متعمدة لاستخدام الاغتصاب كأداة للترويع والإذلال الجماعي. كما نهبت القوات السوق والمرافق الطبية والإمدادات والوقود، وأضرمت النار في المنازل والسوق الرئيسي، لتترك النازحين بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء في صحراء دارفور.
تاريخ أسود: جرائم الدعم السريع ضد الإنسانية
مجزرة زمزم ليست الأولى ولا الأخيرة في سجل الدعم السريع الدموي. منذ انطلاق الحرب في أبريل 2023، ارتكبت هذه القوات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في جميع أنحاء السودان، خاصة في دارفور حيث تسيطر الآن على الولايات الخمس. في أكتوبر 2024، سيطرت القوات على الفاشر نفسها بعد حصار دام أشهر، وارتكبت مجازر بحق المدنيين وقسّمت البلاد جغرافياً وفقاً لأجندة عرقية.
الانتهاكات الموثقة تشير إلى دوافع عرقية واضحة، حيث يُستهدف الضحايا على أساس الانتماء القبلي. يُعدّ هذا الأمر جريمة إبادة جماعية بموجب القانون الدولي، خاصة مع استهداف الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بشكل متعمد. ومع سيطرة الدعم السريع على كامل دارفور، أصبحت المنطقة مسرحاً لجرائم منظمة لا تُعاقب، حيث يُعدم المدنيون في الشوارع ويُغتصب النساء في بيوتهن ويُحرق الأطفال أحياءً في مخيماتهم.
كارثة إنسانية: نزوح جماعي ومجاعة متفشية
أدت جرائم الدعم السريع إلى نزوح نحو 13 مليون شخص، أي ربع سكان السودان البالغ عددهم 50 مليون نسمة، ليصبحوا لاجئين في بلدهم أو في دول الجوار. معظم النازحين يعيشون في مخيمات مثل زمزم تفتقر لأدنى مقومات الحياة، ولا يجدون ما يأكلونه أو يشربونه. التقارير الدولية تؤكد أن السودان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع انتشار المجاعة في عدة مناطق، خاصة في دارفور التي تُحاصرها قوات الدعم السريع.
الحصار المفروض على المناطق التي تسيطر عليها القوات يمنع وصول المساعدات الإنسانية، مما يُفاقم الكارثة. الأطفال يموتون من الجوع والأمراض، والنساء يُغتصبن، والرجال يُعدمون، والعالم يتفرج. المجتمع الدولي يُصدر التقارير ويُدين بالكلمات، لكنه لا يتخذ إجراءات عملية لوقف هذه المذبحة. تستمر جرائم الحرب هذه لأن المسؤولين عنها يعلمون أنهم لن يُحاسبوا، وأن مصالحهم السياسية والاقتصادية محمية بشكل أفضل من حماية المدنيين العزل.
في الختام، تقف مذبحة زمزم كشاهد دامغ على فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين وعلى وحشية "حكومة الانقلاب" التي تستخدم الإبادة كأداة للحكم. يجب أن تتحول التحقيقات الأممية إلى محاكمات فورية، وأن يُحال مجرمو الدعم السريع إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأن الصمت على هذه الجرائم يعني الموافقة على تكريس الإفلات من العقاب وإهداراً لكل القيم الإنسانية.

