على خلاف المتوقع، تراجعت نسبة التصويت في المرحلة الثانية، والدوائر الملغاة من المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب بشكل ملفت للانتباه، حتى إن كثيرًا من المرشحين الذين حققوا أرقامًا كبيرة في الجولة الأولى لم يسجلوا بالكاد بضعة آلاف أو مئات من الأصوات، وهو ما يطعن في شرعية البرلمان الوليد.  

 

واختتم التصويت، الخميس، في 30 دائرة انتخابية سبق أن ألغت المحكمة الإدارية العليا نتائجها ضمن محافظات المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب. 

 

وتنافس في هذه الدوائر، التي بدأ الاقتراع فيها الأربعاء الماضي، 623 مرشحًا على 58 مقعدًا، باستثناء 6 مقاعد تم حسمها في 4 دوائر، هي الجيزة والمنتزه والمحمودية وأول أسوان، ولا تزال قضاياها منظورة أمام محكمة النقض.

 

وعلى الرغم من غياب التقديرات رسمية لمعدلات المشاركة، فإن منظمات حقوقية ترصد العملية الانتخابية سجّلت ملاحظات واضحة بشأن انخفاض مستوى التصويت. 

 

وأكد "المركز الإعلامي لحقوق الإنسان"-من أبرز الجهات المراقبة- أن فرقَه المنتشرة في المحافظات العشر رصدت يومي الأربعاء والخميس تراجعًا ملحوظًا في أعداد الناخبين بعدد من اللجان، مقارنة بالجولات الانتخابية السابقة.

 

وأظهر رصد نشرته صحيفة "الشروق"، ضعف نسب المشاركة في الدوائر الانتخابية بمحافظة الجيزة، حبث بلغت النسبة في دوائر الجيزة والدقي (1.7 بالمائة)، وأكتوبر والواحات (2 بالمائة)، والمنتزه (2.8 بالمائة)، والهرم (2.9 بالمائة)، وبولاق الدكرور (3.6 بالمائة).

 

وفجرت نسبة الحضور الضعيفة في الدوائر الانتخابية، صدمة كبيرة بين الإعلاميين الموالين للأجهزة الأمنية، مما دفع عمرو أديب إلى التعليق، قائلاً: "إحنا بنعمل ده ليه.. لازم نرجع لأصل الأشياء".

 

وأضاف: "إحنا ليه عاملين انتخابات والداخلية تتعب معانا والقضاء.. إحنا عاملينها ليه"، مؤكدًا أن الغرض من الانتخابات أن يعبر المواطن عن رأيه وأن يكون هناك ممثلون عن الشعب ويعبرون عنه.

 

وتابع: "الناس اللى كانت جايبة أرقام فى البداية، لما جات فى الإعادة ما جابتش رقمها... فيه واحد لو كان عامل عزومة كان عدد الحاضرين أكتر من الأصوات اللى أخدها".

 

وقال إن مشهد تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات أمر يتكرر منذ فترة ولا يتم اتخاذ أي فعل تجاهه. 

 


وفي دائرة إمبابة نحو 27 ألف ناخب فقط من أصل نصف مليون مسجل، بنسبة لا تتجاوز 5.1 في المائة.
 

 

فقدان الثقة في العملية الانتخابية

 

ويقول مراقبون إن ضعف التصويت يرجع في الأساس إلى فقدان الثقة في العملية الانتخابية برمتها، فضلاً عن ضعف الحضور الشعبي للأحزاب المتنافسة، واختيار مرشحين لا يحظون بالشعبية في الدوائر المرشحين عنها.

 

واعتمدت اختيارات أحزاب الموالاة، وفي مقدمتها "مستقبل وطن"، و"الجبهة الوطنية"، و"حماة وطن" على اختيار مرشحين أثرياء، دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، حيث وصل قيمة ما يدفعه كل مرشح إلى ما يتراوح ما بين 50 إلى 70 مليون جنيه.

 

وعقب تدخل قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في الجولة الأولى من الانتخابات، على إثر تلقيه تقارير عن "بعض الأحداث" في دوائر انتخابية محددة، خصوصًا في الدوائر ذات المنافسة الفردية القوية، طالب الهيئة الوطنية للانتخابات بـ"التدقيق الكامل" في الطعون والشكاوى، مؤكّدًا استقلاليتها وضرورة اتخاذ ما يلزم للحفاظ على إرادة الناخبين، بما في ذلك إعادة الانتخابات إذا اقتضت الحاجة.

 

وعقب دعوة السيسي تم إلغاء الانتخابات في 19 دائرة انتخابية بقرار من الهيئة الوطنية للانتخابات، وشمل الإلغاء بعض المحافظات بالكامل، من بينها محافظة قنا التي أُلغيت نتائج التصويت فيها كاملة على المقاعد الفردية.
 

فضلاً عن صدور أحكام من المحكمة الإدارية العليا بإبطال نتائج الانتخابات في 29 دائرة في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، بناءً على طعون تقدم بها مرشحون أو من ينوب عنهم، وكذلك بعد فحص ملفات الطعون مع محاضر الفرز وتقارير المفوضين. 

 

عزوف شعبي عنن التصويت

 

وأثار ذلك أجواءً من التفاؤل عكسه تعليقات الإعلام الموالي للأجهزة الأمنية الذي أشاد في البداية بشفافية ونزاهة الانتخابات، قبل أن يهلل لقرار الهيئة الوطنية للانتخابات، والمحكمة الإدارية العليا، وسط توقعات بأن يكون ذلك دافعًا للناخبين للتصويت بكثافة في الإعادة والدوائر الملغاة والجولة الثانية من الانتخابات.

 

لكن الأرقام عكست عزوفًا شعبيًا عن المشاركة، ووفقًا للأرقام التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات، فقد بلغ إجمالي عدد الناخبين في المرحلة الثانية في دائرة قطاع القاهرة ووسط وجنوب الدلتا التي تضم سبع محافظات، 26 مليونًا و58 ألفًا و246 ناخبًا، أدلى منهم أربعة ملايين و288 ألفًا و157 ناخبًا بأصواتهم بنسبة 16.46 بالمائة، من بينهم ثلاثة ملايين و376 ألفًا و53 صوتًا صحيحًا، و912 ألفًا و104 أصوات باطلة. 

 

وفي دائرة قطاع شرق الدلتا (ست محافظات)، أدلى مليون و702 ألف و174 ناخبًا بأصواتهم، من أصل ثمانية ملايين و553 ألفًا و745 ناخبًا مسجلين بقاعدة البيانات بنسبة 19.90 بالمائة، من بينهم مليون و329 ألفًا و358 صوتًا صحيحًا، و372 ألفًا و816 صوتًا باطلاً. 

 

وبذلك تراجعت نسبة المشاركة في المرحلة الثانية بنحو الثلث مقارنة بالمرحلة الأولى، التي بلغت النسبة فيها 24.2 بالمائة لانتخابات القوائم. كما تضاعف عدد الأصوات الباطلة مسجلاً رقمًا قياسيًا في دائرة واحدة هي قطاع القاهرة والدلتا، حيث اقترب من نحو مليون صوت.

 

حل مجلس النواب


وفيما منحت أرقام ونسب المشاركة الهزيلة، الفرصة للتشكيك في العملية الانتخاببة، برزت مطالبات بإعادة الانتخابات بالكامل، أو حل مجلس النواب القادم. 

 

وقال مصطفى الفقي، مدير مكتب الرئيس الأسبق حسني مبارك للمعلومات في مقابلة تلفزيونية، إنه لا يتوقع أن يستمر هذا المجلس طوال مدته كاملة، وإن الملاحظات التي أبداها السيسي تجعل المجلس يعاني من "عوار" في بعض الجوانب.


فيما دعا عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية الأسبق إلى ضرورة إعادة الانتخابات البرلمانية مهما كانت التكاليف.

 

واستند موسى إلى اعتراف السيسي بوجود مشكلات رافقت العملية الانتخابية، إلى جانب صدور أحكام من المحاكم ببطلان نتائج عدد من الدوائر، مما يثير تساؤلات حول نزاهة الانتخابات الحالية.

 

وشدد موسى على أن تشكيل برلمان قوي أصبح ضرورة ملحة في هذه المرحلة، إلا أن الوضع الراهن يثير علامات استفهام حول قدرة البرلمان المرتقب على أداء دوره بالشكل المطلوب.


وأكد موسى أن القائمة الانتخابية لا تكون دستورية إذا لم تنافسها قوائم أخرى، في إشارة إلى خوض الانتخابات بقائمة واحدة تألفت من الأحزاب الموالية للنظام، وأبرزها "مستقبل وطن". 
 

وتُجرى جولة الإعادة للمرحلة الثانية للانتخابات يومي 17 و18 ديسمبر، وذلك دون إلغاء أي من دوائرها، بعدما قضت المحكمة الإدارية العليا برفض 211 طعناً قُدّمت ضد نتائج جولتها الأولى.

 

وتنوّعت الطعون المرفوضة بين اعتراضات على "سلامة إجراءات الفرز والتجميع، وتشكيك في دقة الأرقام المعلنة، وادعاءات بوجود أخطاء في محاضر اللجان، فضلاً عن مزاعم بشأن وقوع تجاوزات خلال عملية الاقتراع".