بينما تنشغل حكومة الانقلاب بالتباهي بمشاريع وهمية وقصور رئاسية، تدق أجراس الخطر معلنة عن كارثة اجتماعية واقتصادية وشيكة تهدد بقطع أرزاق مئات الآلاف من المصريين. التحذيرات التي أطلقها شريف الجبلي، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية، لم تكن مجرد تصريحات عابرة، بل هي صرخة استغاثة تكشف العجز الحكومي الفادح في التعامل مع التحديات العالمية.
الاعتراف بأن 200 ألف عامل في صناعة البلاستيك مهددون بفقدان وظائفهم ليس مجرد رقم، بل هو حكم بالإعدام المعيشي على 200 ألف أسرة مصرية ستنضم قريبًا إلى طوابير البطالة والجوع، في ظل غياب أي رؤية استراتيجية للدولة لحماية صناعاتها الوطنية أو التكيف مع المتغيرات الدولية.
هذا التهديد الوجودي لقطاع حيوي كالبلاستيك يأتي متزامنًا مع فشل ذريع في ملف الصادرات الأفريقية، حيث تظل المنتجات المصرية غائبة عن أسواق القارة السمراء بسبب البيروقراطية وغياب الدعم اللوجستي، لتكتفي الحكومة بدور "المتفرج" بينما تنهار القلاع الصناعية واحدة تلو الأخرى.
"تسونامي" البطالة القادم.. والحكومة في غيبوبة
تصريحات الجبلي عن التوجه العالمي للحد من صناعة البلاستيك ليست مفاجأة، بل هي تحول عالمي معروف منذ سنوات. لكن الكارثة تكمن في أن حكومة السيسي لم تحرك ساكنًا للاستعداد لهذا "تسونامي". أين خطط تطوير الصناعة؟ أين برامج التدريب التحويلي للعمالة؟ أين الاستثمار في بدائل البلاستيك الصديقة للبيئة؟
الإجابة هي "لا شيء". فبدلاً من أن تقود الدولة تحولاً صناعيًا يحمي هؤلاء العمال، تركت المصانع تواجه مصيرها المحتوم أمام التشدد الأوروبي والعالمي. الحديث عن "شعبة متخصصة لإعادة التدوير" داخل الغرفة هو جهد مشكور للقطاع الخاص، لكنه يظل نقطة في بحر أمام تقاعس الدولة التي كان يجب أن تضع هذا الملف على رأس أولوياتها منذ سنوات، بدلاً من إهدار المليارات في "الخرسانة". إن ترك 200 ألف عامل يواجهون المجهول هو جريمة دولة بامتياز.
إفريقيا.. الكنز المفقود والفشل اللوجستي
وفي سياق الفشل المتراكم، جاءت اعترافات الجبلي حول ضعف التواجد المصري في الأسواق الأفريقية لتفضح أكذوبة "الريادة" التي يروج لها النظام. كيف يعقل أن دولة بحجم مصر، تدعي أنها بوابة إفريقيا، تعجز عن إيصال منتجاتها لأسواق القارة بسبب "عدم توافر خطوط شحن مباشرة"؟
هذا الاعتراف هو إدانة صارخة لوزارة النقل والحكومة بأكملها. فبينما يتم إنفاق المليارات على "المونوريل" والقطار الكهربائي لخدمة العاصمة الإدارية، تفشل الدولة في توفير خطوط ملاحية تربط مصانعنا بأسواق إفريقيا المتعطشة للمنتجات. إن غياب التواجد المصري المباشر وترك الساحة للمنافسين الدوليين هو نتيجة طبيعية لسياسات نظام لا يرى أبعد من "الشو الإعلامي"، ويفتقر لأي رؤية اقتصادية عملية لتعزيز الصادرات.
القطاع الخاص يصرخ.. والدولة "أذن من طين"
دعوة الجبلي لتعزيز التواجد المصري عبر فتح مكاتب تجارية وتأسيس شركات داخل إفريقيا هي الحل العملي الذي يطالب به الصناع منذ عقود. لكن من يستمع؟ الحكومة منشغلة بمزاحمة القطاع الخاص في الداخل، وفرض الضرائب والرسوم، بدلاً من دعمه لغزو الأسواق الخارجية.
إن مطالبة القطاع الخاص بـ"حماية الصناعة الوطنية" و"تعزيز قدرتها التنافسية" في ظل هذه الظروف، تبدو وكأنها صرخة في وادٍ. فكيف تنافس الصناعة المصرية وهي مكبلة بأسعار طاقة مرتفعة، وضرائب متزايدة، وبنية لوجستية متهالكة للصادرات؟
صناعة تنهار ومستقبل مظلم
إن ما كشفه شريف الجبلي هو جرس إنذار أخير. إذا لم تتحرك الدولة فورًا بقرارات ثورية لحماية صناعة البلاستيك ودعم الصادرات، فإننا سنكون أمام كارثة اجتماعية بتسريح 200 ألف عامل، وكارثة اقتصادية بفقدان المزيد من الأسواق التصديرية.
لكن، ومع الأسف، التجارب السابقة تؤكد أن حكومة الانقلاب لا تجيد سوى "إدارة الأزمات" بعد وقوعها، أو بالأحرى "إنكارها". سيبقى العمال مهددين، وستظل الصادرات حبيسة الشعارات، طالما أن من يدير الدفة لا يملك سوى عقلية "المقاول" لا عقلية "رجل الدولة".

