جاء قانون الإيجار القديم الجديد، الذي أقرته حكومة قائد الانقلاب السيسي وصادق عليه في أغسطس الماضي، ليعمّق أزمات السكن ويهدد ملايين الأسر بالتشريد الفعلي، دون مراعاة للتوازن الاجتماعي والحقوق الدستورية.
تصاعد الاحتجاجات، وتقديم أول دعوى دستورية تطعن في دستورية القانون، كشفا مدى استبداد النظام وتغول مصالح رأس المال على حقوق المواطنين، في ظل انعدام أي استراتيجية حقيقية للإسكان أو الحماية الاجتماعية للفئات الأشد هشاشة.
نصوص كارثية وصدام مباشر مع الدستور
لم تكتفِ السلطة بفرض تعديلات جائرة، بل تعمدت مصادرة حقوق المستأجرين عبر مواد هي الأخطر على الإطلاق، خصوصًا الثانية والسابعة، اللتين اختزلتا أزمة السكن إلى معادلة أرقام وجداول زمنية لا تراعى أي بعد اجتماعي.
المادة الثانية قيدت مستقبل ملايين العائلات بفترة سبع سنوات، بعدها يلقى المستأجر وأسرته إلى المجهول، في تصادم صريح مع أحكام المحكمة الدستورية العليا التي أقرت بامتداد الحماية لجيل واحد على الأقل.
أما المادة السابعة ففتحت باب الطرد الفوري لمواطنين بلا رحمة، إذا امتلكوا وحدة بديلة أو تُرك المسكن مغلقًا لسنة، متجاهلة أحكامًا قضائية قاطعة أقرت بحق المواطن في الاحتفاظ بأكثر من مسكن.
تجاهلت الحكومة بشكل فاضح ضوابط العدالة الدستورية ومبادئ العقد شريعة المتعاقدين، ما دفع ممثلي المستأجرين للطعن فورًا على القانون أمام المحكمة الدستورية العليا، في أول مواجهة قانونية كبرى بين الضحايا ونظام السيسي.
تسريع التهجير.. واللجان تجهز الكارثة
لم تكتفِ الحكومة بالتهديد النظري، بل سارعت لجان الحصر بالمحافظات إلى تصنيف الأحياء ورفع القيم الإيجارية، في خطوة عملية هدفها تسريع موجات التهجير، بدءًا من المنيا والدقهلية والجيزة التي أعلنت تطبيق النظام الجديد.
بذلك، يعيد نظام السيسي إنتاج تجربة تهجير سكان المناطق العشوائية بذريعة "تطوير العمران"، في تجاهل متعمد لأي بدائل عملية تحترم حق المواطن في السكن وتضمن الاستقرار للأسرة المصرية.
صراع اجتماعي مفتوح... والفقراء الضحايا
القانون الجديد دفع البلد بأكملها إلى صدام طبقي واجتماعي واسع: الملاك يسعون لاسترداد العقارات ورفع الإيجارات في أقصر فترة، والمستأجرون يتخوفون من المستقبل بعد طردهم المحتوم بحجة انتهاء الفترة الانتقالية أو الملكية البديلة.
حكومة السيسي لم تقدم بدائل إسكان واقعية أو آليات حماية، مجرّدة القانون من أي بعد إنساني أو رؤية تنموية مكتفية بوعود إعلامية هشة حول "تسكين المؤهلين" دون تفاصيل أو جدول زمني يضمن التنفيذ الفعلي.
انقلاب على الحق في السكن... والدستور بلا قيمة
أخطر دلالات القانون أنه يمثل انقلابًا علنيًا على المادة 78 من الدستور التي تلزم الدولة بضمان المسكن الآمن والملائم للمواطن، وعصفًا بكل الاجتهادات القضائية السابقة في حماية عقود الإيجار بعقود ورثة المستأجر الأصلي.
القضاء المصري مُلزم عبر المحكمة الدستورية العليا بنظر الطعن، لكن سيناريو تمرير النصوص كما يريد النظام يظل قائمًا ما دامت سلطة السيسي تتحكم في التشريع والتنفيذ بلا محاسبة أو حوار مجتمعي حقيقي.
وأخيرا فإن قانون الإيجار القديم الجديد يرسخ أن دولة السيسي ليست سوى أداة لتمكين أقلية من أصحاب المصالح على حساب ملايين المستأجرين، ضاربة عرض الحائط بالحقوق الدستورية والاجتماعية والآدمية لأوسع طبقات المجتمع.
معركة الطعن أمام المحكمة الدستورية هي اختبار حاسم لإرادة الفقراء في مواجهة تحالف الدولة مع رأس المال، في وقت تتفاقم فيه أزمات السكن والعدالة الاجتماعية بفعل سياسات حكومة انقلابية فقطعت كل صلة بالعدالة والدستور والمصلحة الوطنية.

