زهير هواري
باحث وأكاديمي
يعاني الاقتصاد المصري من مأزق كبير اندفعت معه السلطة السياسية إلى الحصول على مساعدات خارجية، وقروض من صندوق النقد الدولي، وبيع حصص الدولة في شركات القطاع العام لمستثمرين عرب وأجانب.
لكن مظاهر الأزمة ما زالت تتجلى في ارتفاع نسبة الدين الخارجي، وتصاعد التضخم، مع تهاوي سعر صرف الجنيه المصري، وترتفع بالتبعية أسعار الاحتياجات الأساسية، كما تتعرض العديد من الضروريات إلى رفع الدعم عن أسعارها، ما يجعل فئات واسعة عاجزة عن الحصول عليها.
ويؤكد هذا الواقع أن هناك معضلة تضغط بثقلها على المواطنين عمومًا، وفي مقدمتهم خريجو الجامعات الذين كانوا ينتظرون الدخول إلى سوق عمل يبدو مقفلًا أمام كفاءاتهم. في موازاة هذا، تعرضت كليات التجارة والحقوق والآداب والعلوم الاجتماعية لحملة رسمية، باعتبارها أكثر الكليات التي يعاني خريجوها من البطالة، وشارك في الحملة عدد من كبار المسؤولين، بهدف تهميشها لصالح ما يصفونه بأنه تخصصات المستقبل.
ودون مزيد من الشرح، يمكن القول إن علاج الوضع القائم لا يمكن أن يحدث عبر استشراف نظري لسوق العمل ومتطلباته، بعيدًا عن النظرة الشمولية التي تحيط بكل عناصر الواقع المؤثرة في مساراته.
توقع وزير التعليم العالي المصري، خالد عبد الغفار، خلال لقاء "الجامعات والطلبة الجدد: مستقبل مشترك"، اختفاء 85 مليون وظيفة بحلول 2025، بينما المطلوب لسوق العمل يتحدد بعدد من الاختصاصات الحديثة، كمحللي البيانات، ومتخصصي الذكاء الاصصناعي والبيانات الضخمة، والتسويق الرقمي، وتطوير البرمجيات، وأمن المعلومات.
وصدرت العديد من التوقعات من جانب خبراء وباحثين تتحدث عن كون الذكاء الاصطناعي سيقود إلى انقراض وظائف ومهن كثيرة يمكنه القيام بها بكفاءة، بالنظر إلى قدرة الحواسيب المتطورة على القيام بها بكلفة متدنية وبدقة متناهية.
مصر إذن أمام مشكلة مزدوجة، ففي جانب هناك الأزمة الاقتصادية المعطوفة طبعًا على الأزمات السياسية التي تحيط بها، فمن الغرب ليبيا، ومن الجنوب السودان، ومن الشرق قطاع غزة، ولكل من تلك الأزمات تأثيرها وقيودها، ما يدفع ثمنه ملايين من المؤهلين الذين لا قدرة لسوق العمل على استيعابهم، وهناك أيضًا الأزمة الاقتصادية، فالعوائد الناتجة عن الموارد الأساسية، مثل قناة السويس والسياحة، والأموال التي يرسلها المهاجرون تكفي بالكاد لتوفير المواد الغذائية الحيوية كالقمح، ثم إن هذه الموارد المتاحة معرضة للخسارة عند حدوث أي مشكلة إقليمية أو دولية.
يعني كل ذلك أن مصادر الأزمة متنوعة، فبعضها يرتبط بوضع الإقليم، وبعضها الآخر مصدره الداخل. والتحدي المطروح يتمثل في القدرة على إحداث نقلة تدفع البلاد إلى دخول ثورة التكنولوجيا، وبالتالي تجاوز حال الاستهلاك إلى الإنتاج، بعد أن تخلفت لعقود عن هذا.

