يتجدّد الجدل في القاهرة حول مصير المساحات الخضراء والحدائق التراثية، وهذه المرّة في قلب حي الزمالك، حيث عبّرت جمعية «تنمية الزمالك» عن قلق متزايد إزاء ما تردد مؤخرًا عن احتمالات تسليم حديقة النهر التراثية إلى جهة جديدة تتولى إدارتها، من دون أن تُعلن الحكومة أي تفاصيل أو خرائط أو خطط واضحة بشأن طبيعة التطوير المنتظر أو الاستخدام النهائي للحديقة.

 

الجمعية قالت في بيانها الصادر أمس إن «الصمت الرسمي» تجاه ما يجري يفتح الباب أمام مخاوف مشروعة من تكرار سيناريو حديقة المسلّة، التي شهدت—وفق تعبير الجمعية—تغييرات جوهرية في هويتها التراثية بعد عملية تطوير انتهت بافتتاحها الشهر الماضي ضمن مشروع «القاهرة كمتحف مفتوح».

 

مخاوف من تكرار تجربة المسلّة

 

وترى الجمعية أن تجربة تطوير حديقة المسلة مثّلت مؤشرًا على توجه جديد يقلّص من مساحة الحدائق العامة لصالح إنشاء مرافق تجارية، مثل المطاعم والمقاهي، وهو ما تعتبره «انتقاصًا من القيمة البيئية والثقافية للمكان، وتغييرًا جوهريًا في وظيفة الحديقة الأصلية كمتنفس عام».

 

وتحذّر الجمعية من أن نقل إدارة حديقة النهر إلى جهة جديدة من دون وضع تصور مُعلن قد يمهّد لسيناريو مشابه، بما قد يؤدي إلى ضغوط جديدة على البنية المرورية للمنطقة، خاصة عند المدخل الرئيسي لحي الزمالك المعروف أصلًا بكثافة الحركة.

 

دعوة لحوار علني وشفافية كاملة

 

وطالبت جمعية «تنمية الزمالك» بعقد نقاش مفتوح مع الجهات الحكومية ذات الاختصاص، بما يضمن صياغة رؤية تنموية تراعي الحساسية التاريخية للمكان، وتستند إلى تصور اقتصادي قابل للتنفيذ لا يغيّر هوية الحديقة ولا يمس دورها البيئي والاجتماعي.

 

وشددت الجمعية على ضرورة الالتزام الصارم باشتراطات الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، التي لا تسمح بالبناء على أكثر من 2% من مساحة الحدائق التراثية، وتضع «حماية الهوية التاريخية» في مقدمة الاعتبارات التي يجب تقديمها على أي أهداف اقتصادية أو استثمارية أخرى.

 

الحدائق التراثية.. رئة الزمالك وواجهة للقاهرة

 

وأكدت الجمعية أن حدائق الزمالك ليست مجرد مساحات خضراء؛ بل عنصر محوري في الجاذبية العمرانية للحي، ورافد مهم لدعم جهود الدولة في تعزيز النشاط السياحي وزيادة الطاقة الفندقية بالقاهرة. وحذرت من أن فقدان الحدائق لصالح مشاريع تجارية سيؤثر سلبًا على البيئة الحضرية ويقضي على ما تبقى من مساحات عامة تتيح للسكان فرصة التريض والاستمتاع بالطبيعة، «كما يكفله الدستور والقانون»، وفق البيان.

 

مناشدة سابقة للسيسي.. وخلاف حول هوية التطوير

 

وكانت الجمعية قد وجّهت في أكتوبر الماضي مناشدة لعبد الفتاح السيسي للتدخل ووقف ما وصفته بـ«تحويل حدائق الزمالك التراثية إلى مشاريع تجارية»، مؤكدة أن «كل متر أخضر يُستبدل بالإسمنت يمثل خسارة لا تُعوض للمدينة وللأجيال القادمة».