في ليلة دامية أعادت إلى الأذهان أفظع صور الإبادة الجماعية، مزق جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس الأربعاء، ستار الهدنة الهشة بسلسلة غارات وحشية استهدفت خيام النازحين والمنازل المأهولة في قطاع غزة، مما أدى إلى ارتقاء 29 شهيدًا وإصابة العشرات، معظمهم من الأطفال والنساء.
هذه المجزرة المتعمدة، التي بررتها حكومة نتنياهو المتطرفة بذريعة "إطلاق نار" لم تثبتها سوى رواية الناطق باسم جيش الإرهاب الصهيوني، تكشف عن النوايا الحقيقية للاحتلال: نسف أي أفق للحلول السياسية، وتصدير الأزمة الداخلية لحكومة اليمين الفاشي عبر إشعال حرب جديدة على شعب أعزل.
#عاجل 🔴 في وقت سابق اليوم أطلق مخربون النار نحو المنطقة التي تعمل فيها قوات جيش الدفاع في خانيونس بما يشكل خرقًا لاتفاق وقف النار دون وقوع اصابات.
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) November 19, 2025
⭕️ردًّا على ذلك بدأ جيش الدفاع بمهاجمة أهداف ارهابية لحماس في أنحاء قطاع غزة.
⭕️تبقى قوات جيش الدفاع منتشرة في المنطقة وستواصل…
غدر الدم.. استهداف النائمين في الخيام
لم يكن اختيار الأهداف عشوائيًا، بل كان مدروسًا بعناية لتحقيق أقصى درجات الإيلام والترويع.
ففي حي عسقولة وسط غزة، تحولت غرفة إسمنتية تؤوي عائلة من خمسة أفراد، بعد أن دمر الاحتلال منزلهم سابقًا، إلى مقبرة جماعية لهم، في مشهد يختزل وحشية المحتل الذي لا يكتفي بتشريد ضحاياه، بل يلاحقهم حتى في ملاجئهم الأخيرة.
المشهد تكرر ببشاعة مماثلة في حي الشجاعية، حيث استهدفت الطائرات شابين وفتاة داخل خيامهم، وفي جباليا والتفاح، أمطرت الطائرات المسيرة قنابلها على تجمعات النازحين.
أما في جنوب القطاع، فتحولت خيام المواصي ومنازل حي الأمل في خانيونس إلى أهداف مشروعة لبنك الأهداف الإجرامي، حيث ارتقى 15 شهيدًا في قصف طالهم دون سابق إنذار.
هذه الجرائم تؤكد أن ما يسمى بـ"الخط الأصفر" ليس إلا وهمًا، وأن كل شبر في غزة وكل فلسطيني هو هدف مشروع في عقيدة جيش الاحتلال الإرهابي.
المستشفيات.. الشاهد الصامت على الجريمة
الوضع في المستشفيات يعكس حجم الكارثة التي يتعمد الاحتلال صناعتها. مصادر طبية من داخل مستشفى الشفاء ومجمع ناصر أكدت لـ"العربي الجديد" أن غالبية الإصابات التي وصلت كانت من الأطفال والنساء، ومعظمها إصابات حرجة وحروق وتشوهات ناتجة عن استخدام أسلحة محرمة دولياً تهدف لإحداث أكبر قدر من الإعاقة والألم.
هذا الاستهداف الممنهج للمنظومة الصحية، ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية عبر المعابر المغلقة، هو جزء لا يتجزأ من جريمة "الإبادة الجماعية". فالاحتلال لا يكتفي بالقتل المباشر بالقصف، بل يمارس القتل البطيء بمنع العلاج، في محاولة لكسر الحاضنة الشعبية للمقاومة ودفع الناس إلى اليأس والهجرة.
حماس تفضح الأكاذيب وتتمسك بحق الدفاع
في مواجهة هذه الوحشية، جاء رد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" حازمًا وواضحًا، إذ أدانت المجزرة ووصفتها بأنها "تصعيد خطير يسعى من خلاله مجرم الحرب نتنياهو إلى استئناف الإبادة"
الحركة، التي تمثل رأس حربة الدفاع عن الشعب الفلسطيني، فندت رواية الاحتلال الكاذبة حول تعرض قواته لإطلاق نار، مؤكدة أنها مجرد "ذريعة لتبرير الخروقات والانتهاكات المستمرة منذ وقف إطلاق النار".
إن موقف حماس هنا لا يمثل فقط دفاعًا عن الحقيقة، بل هو تجسيد لإرادة شعب يرفض الاستسلام لمنطق القوة الغاشمة.
فالحركة، ومن خلال توثيقها لمقتل أكثر من 300 فلسطيني منذ بدء الهدنة واستمرار هدم المنازل وإغلاق المعابر، تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وتؤكد أن الصمت على جرائم الاحتلال هو ضوء أخضر لمزيد من القتل والدمار.
إن تمسك المقاومة بحقها في الرد ليس خيارًا، بل هو واجب وطني وأخلاقي للدفاع عن أرواح المدنيين التي يستبيحها عدو لا يفهم إلا لغة القوة.
صمود أسطوري في وجه آلة القتل
إن ما جرى مساء أمس ليس مجرد خرق للهدنة، بل هو اختبار لإرادة المقاومة والشعب الفلسطيني. الاحتلال، الغارق في أزماته السياسية وانقساماته الداخلية، يعتقد مخطئًا أن إحياء سياسة "الأرض المحروقة" قد يرمم صورته المهتزة أو يحقق له نصرًا لم يستطع تحقيقه في الميدان. لكنه ينسى أنه يواجه شعبًا ومقاومة عصية على الكسر، حولت كل بيت وكل زقاق إلى قلعة للصمود، وجعلت من دماء شهدائها وقودًا لاستمرار مسيرة التحرير.
اليوم، وبعد هذه المجزرة النكراء، تقف المقاومة الفلسطينية أمام مسؤولية تاريخية، ليس فقط بالرد على العدوان لردع المحتل، بل أيضًا بتعزيز الوحدة الداخلية وتصليب الجبهة الشعبية في وجه محاولات الاحتلال لزرع اليأس والإحباط.
إن صمود الأمس وثبات اليوم يؤكدان حقيقة واحدة: أن غزة، بشهدائها وجرحاها ومقاوميها، ستبقى شوكة في حلق المشروع الصهيوني، وأن زمن الهزائم قد ولى، وأن النصر، مهما طال الطريق وكثرت التضحيات، هو قدر هذا الشعب الصابر والمجاهد.

