أصدر تحالف “المادة 55”، الذي يضم عدداً من المنظمات الحقوقية المصرية المستقلة، نشرته الدورية الشهرية لرصد وتوثيق الانتهاكات التي تشهدها السجون ومقار الاحتجاز في مصر، وذلك خلال الفترة من 1 سبتمبر إلى 31 سبتمبر 2025.
التقرير الذي صدر تحت عنوان “الانتهاكات داخل مقار الاحتجاز في مصر”، كشف عن تدهور خطير في الأوضاع الحقوقية داخل السجون، إلى جانب استمرار الانتهاكات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، واعتبر أن غياب المساءلة القانونية أدى إلى ترسيخ نمط ممنهج من سوء المعاملة والإهمال الطبي والتعذيب، إضافة إلى تصاعد الوفيات والانتحار والإضرابات.
السياق العام: سبتمبر شهر الأزمات السياسية والاقتصادية
رصدت النشرة أن شهر سبتمبر 2025 جاء في ظل أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة.
فعلى الصعيد الإقليمي، تواصل الحصار المفروض على غزة، مع استمرار منع دخول المساعدات المتكدسة في سيناء، رغم المحاولات المتكررة لإدخالها. وقد دفع ذلك نشطاء إلى إطلاق مبادرة “أسطول الصمود العالمي” من مدينة برشلونة، متجهًا إلى عدة دول ومنها إلى غزة، بمشاركة 50 سفينة صغيرة و300 ناشط من 44 دولة، في محاولة رمزية لكسر الحصار.
وفي الوقت ذاته، أثارت الضربة التي تعرضت لها دولة قطر موجة تضامن واسعة، وخلقت مخاوف من استهداف قادة فصائل داخل الأراضي المصرية، قبل أن تعلن القاهرة رفضها لأي مساس بالمفاوضين على أراضيها، في حين عقدت الدوحة قمة سياسية لم تحقق آمال الشعوب في وقف الحرب.
اقتصاديًا، نقل التقرير تصريحات محمود محيي الدين، مبعوث الأمم المتحدة لتمويل التنمية، الذي أكد أن الاقتصاد المصري ظل على مدى عقد كامل يدور في فلك إدارة الأزمات، داعيًا إلى التخلي عن سياسات صندوق النقد الدولي واعتماد مسار جديد، في ظل ثبات معدلات النمو وعجز البرامج الحالية عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
ملف حقوق الإنسان: إفراج محدود واعتقالات متجددة
على الصعيد الحقوقي، رصد تحالف “المادة 55” استمرار النهج الأمني تجاه الصحفيين والباحثين والنشطاء، رغم بعض الإفراجات الرمزية.
فقد صدر قرار بالإفراج عن الناشط علاء عبد الفتاح، وهو ما اعتبرته الأوساط الحقوقية خطوة إيجابية، لكن سرعان ما أعقبته إعادة اعتقال الباحث إسماعيل الإسكندراني أثناء عودته من مرسى مطروح. ووفق التقرير، فقد عُرض الإسكندراني على النيابة التي أمرت بحبسه مجددًا رغم أنه قضى سبع سنوات في السجن سابقًا على خلفية تهم بنشر “أخبار كاذبة” عبر فيسبوك.
وفي الجانب الاجتماعي، وثّق التقرير وفاة 13 عاملًا وإصابة 38 آخرين في حادث انفجار غلاية بمصنع غزل البشبيشي بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، إضافة إلى دخول 4000 عامل من شركة مصر للألومنيوم في نجع حمادي بمحافظة قنا في إضراب مفتوح احتجاجًا على تخفيض حصصهم من الأرباح السنوية.
داخل السجون: وفيات، تعذيب، وانتحار
في قسم “انتهاكات مقار الاحتجاز”، وثّق التحالف سلسلة من الوقائع الصادمة التي تؤكد تدهور الوضع الإنساني داخل السجون.
أبرز الحالات شملت وفاة إبراهيم عيد صقر بأزمة قلبية أثناء الصلاة داخل محبسه في سجن وادي النطرون، حيث كان يخضع لإعادة محاكمة في قضية ذات طابع سياسي.
كما أشار التقرير إلى استمرار التعتيم الإعلامي على أوضاع المحتجزين في سجن بدر 3، مع منعهم من حضور جلسات المحاكمة، وارتفاع حالات الانتحار والإضراب عن الطعام وسط عزلة تامة عن العالم الخارجي.
وتطرّق إلى تعرض باسم عودة، وزير التموين الأسبق، للضرب والتهديد من قبل أحد ضباط الأمن الوطني لإجباره على إنهاء إضرابه عن الطعام، فيما تعرض محمد البلتاجي إلى تعذيب جسدي ونفسي وعُزل في عنبر منفصل مع تهديدات مباشرة. كما أُشير إلى تعرض أنس البلتاجي للضرب والاعتداء المتكرر.
ورصد التحالف كذلك نقل 53 معتقلاً من سجن أبو زعبل إلى سجن الوادي الجديد رغم احتجاجاتهم وإضرابهم المفتوح، وسط تهديدات بعضهم بالانتحار، بالإضافة إلى حالة المعتقل هشام ممدوح الذي أرسل رسالة وصف فيها معاناته داخل قسم الخليفة في القاهرة، متحدثًا عن تعذيبٍ وإهمالٍ طبيٍ متعمدٍ ومحاولاته المتكررة للانتحار.
غياب المحاسبة وتطبيع الانتهاك
أكدت منظمات التحالف أن ما يحدث داخل السجون ومراكز الاحتجاز ليس تجاوزات فردية، بل يعكس نظامًا ممنهجًا في إدارة السجون، يعتمد على الإهمال والحرمان كأداة للسيطرة.
وأشار التقرير إلى أن غياب آليات المساءلة واستمرار سياسة الإفلات من العقاب ساهم في تطبيع الانتهاكات وتحويلها إلى جزء من البنية المؤسسية للمؤسسات العقابية المصرية.
وطالب التحالف بضرورة فتح تحقيق مستقل وشامل في هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها وفقًا للقانون المصري والمعايير الدولية، مع ضمان توفير بيئة احتجاز إنسانية تحترم الكرامة وتكفل الحق في الرعاية الصحية والزيارة والمحاكمة العادلة.
وأخيرا فخلص تحالف “المادة 55” إلى أن الواقع الحقوقي في مصر لا يزال في تراجع مستمر رغم الوعود الحكومية بالإصلاح.
فبينما تتصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تتواصل الانتهاكات داخل السجون، ما يجعل الحديث عن “حوار وطني” أو “انفراجة سياسية” مجرد شعارات فارغة أمام واقعٍ قاسٍ يعيشه آلاف المعتقلين.
وحذر التحالف من أن استمرار هذا النهج لن يؤدي سوى إلى تعميق العزلة الدولية لمصر وتآكل الثقة في مؤسساتها العدلية، ما لم تُتخذ خطوات فورية للإفراج عن سجناء الرأي وإغلاق ملف التعذيب والإهمال الطبي نهائيًا.

