وخف يَا أخي من لسَانك، أشد من خوفك من السَّبع الضاري الْقَرِيب المتمكن من أخذك، فَإِن قَتِيل السَّبع من أهل الايمان ثَوَابه الْجنَّة، وقتيل اللِّسَان عُقُوبَته النَّار إِلَّا أَن يعْفُو الله.

فإياك يَا اخي؛ والغفلة عَن اللِّسَان، فَإِنَّهُ سبع ضار وَأول فريسته صَاحبه.

فأغلق بَاب الْكَلَام من نَفسك بغلق وثيق، ثمَّ لَا تفتحه إِلَّا فِيمَا لَابُد لَك مِنْهُ، فَإِذا فَتحته فاحذر، وَخذ من الْكَلَام حَاجَتك الَّتِي لَابُد لَك مِنْهَا وأغلق الْبَاب.

وَإِيَّاك والغفلة عَن ذَلِك، والتمادي فِي الحَدِيث، وَأَن يستمد بك الْكَلَام فتهلك نَفسك، فَإِنَّهُ يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لِمعَاذ: "وَهل يكب النَّاس على مناخرهم فِي جَهَنَّم إِلَّا حصائد ألسنتهم".

وَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ: مَا أتقي؟. فَقَالَ: هَذَا، يَعْنِي لِسَانه

وَقَالَ لَهُ رجل: مَا أخوف مَا تخَاف عَليّ، فَقَالَ: "هَذَا، وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَان نَفسه".

وَقَالَ لَهُ آخر: مَا النجَاة؟ فَقَالَ: "أمسك عَلَيْك لسَانك، وليسعك بَيْتك، وابك على خطيئتك".

وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "من صمت نجا".

وَقَالَ: "من سره أن يسلم فليلزم الصمت"

وَورد عمر بن الْخطاب على أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا، وَهُوَ آخذ بِطرف لِسَانه يبصبصه، فَقَالَ: مَا تصنع، فَقَالَ: هَذَا أوردني الْمَوَارِد.

وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود: لَيْسَ شئ أَحَق بطول سجن من لِسَان.

فإياك يَا أخي والغفلة عَنهُ فَإِنَّهُ أعظم جوارحك عَلَيْك جِنَايَة، وَأكْثر مَا تَجِد فِي صحيفَة أعمالك يَوْم الْقِيَامَة من الشَّرّ مَا أملاه عَلَيْك لسَانك، وَأكْثر مَا تَجدهُ فِي صحيفتك من الْخَيْر مَا اكْتَسبهُ قَلْبك.

آداب النفوس - الحارث المحاسبي