مصطفي الشورة

نظرة قانونية وسياسية وشرعية تتجسد في مواد قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012 مادة تلو الأخرى فضلاً عن كونه قرارا متوازناً يخرج البلاد من الأزمات القانونية والسياسية التي تمر بها في الوقت الراهن ويتضح ذلك في عدة نقاط هي :-

• المادة الأولي ( التأكيد علي تسليم السلطة للرئيس المنتخب ) .
تأتي المادة الأولي من قرار رئيس الجمهورية المشار اليه لتؤكد تسليم السلطة لرئيس منتخب تسليماً حقيقيا واقعيا فعلياً لا شكلياً حيث نصت علي سحب القرار رقم 350 لسنة 2012 الصادر بحل مجلس الشعب وأري في ذلك اختبار حقيقي للمجلس العسكري فيما يقرره ويعلنه دائما من تسليم السلطة للرئيس محمد مرسي الذي من حقه وفق ذلك كرئيس أن يباشر اختصاصاته في تأييد ما يراه من قرارات اتخذت وإلغاء وتعديل ما يراه من قرارات أخري ومن ثم فإذا كان رد المجلس العسكري الذي يمثل المؤسسة العسكرية ايجابياً بقبول القرار فإنه يؤكد بذلك تسليمه للسلطة بصورة حقيقية فعليه ويدعم وقوفه بجانب الشرعية وحينئذ سيقف الشعب بأثره له احتراماً وتقديراً وإجلالا ، أما إذا كان رد الفعل سلبياً فسيوصف ذلك بأن الحديث عن تسليم السلطة وهم كبير نعيشه دون أن يتحقق وبذلك يكون المجلس العسكري قد أطاح بحلم شعب أراد أن يكون صاحب السلطة الفعلية بعد جهاد سنوات ضد الاحتلال والحكم الدكتاتوري وهو ما لا نتمناه أن يحدث وإن شاء الله لن يحدث لأن هذا شعب عظيم.

• المادة الثانية ( التأكيد علي سيادة الشعب وأنه مصدر السلطات)
ثم تأتي المادة الثانية من القرار لتؤكد سيادة الشعب باختياره مجلساً يعبر عنه وهو مجلس الشعب الذي انتخبه ما يزيد عن ثلاثين مليون مصري في انتخابات شهد لها العالم بالنزاهة والحيدة ووصفت بأنها أفضل انتخابات نزيه شهدنها مصر والوطن العربي جاءت لتمكن مجلس الشعب من ممارسة كافة اختصاصاته في الفترة القادمة لحين انتخاب مجلس جديد طبقا لدستور جديد يحدد فيه موقع المجلس منه وفي ذلك احترام للإرادة الشعبية التي لا يجب أن نهدرها خاصة بعد ثورة عظيمة قام بها شعب عظيم . فضلاً علي أن ذلك يعالج فراغ تشريعي وقع فيه البلاد بعد الإعلان العسكري المكمل والذي أوقف بشكل واضح التشريع والرقابة . ويعد ذلك من الضرورات التي تحصن قرار رئيس الجمهورية من الطعن عليه لاختصاصه بتقدير حالة الضرورة . ولا أتصور بأي حال من الأحوال أن تلغي شرعية شعبية انتخبت مجلساً بهذا العدد من الناخبين ونمنعها من ممارسة عملها القانوني لسلطة أخري استثنائية غير منتخبة وهي المجلس العسكري ومن ثم فإن سيادة الشعب أولي بالإتباع اذا كنا نريد تأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم علي مبدأ الشعب مصدر السلطات.

• المادة الثالثة ( التأكيد علي احترام أحكام القضاء ) .
جاءت المادة الثالثة من القرار لتؤكد علي حجية واحترام الأحكام القضائية أياً كانت الجهة القضائية التي أصدرتها فحين تنص المادة الثالثة علي إجراء انتخابات مبكرة لمجلس الشعب خلال 60 يوما من موافقة الشعب علي الدستور الجديد يضع الرئيس بهذا حكم المحكمة الدستورية في موضع التنفيذ وليس مجرد الاحترام فقط ، علماً بأنه يجب أن نفرق بين أمرين هامين :
الأول : أن حكم المحكمة الدستورية قد صدر من المحكمة بوصفها المختصة بالفصل في مدي دستورية القوانين من عدمه - فالمحكمة تصدر أحكام تتعلق بشكل واضح ومحدد بدستورية القوانين من عدمه دون أن تتدخل في آلية وكيفية تنفيذ الحكم الصادر.
الثاني : أن آلية تنفيذ هذا الحكم هي من اختصاص رئيس الجمهورية دون سواه فالمهم أن ينفذ الحكم ولا يجب أن يفسر عودة البرلمان لممارسة اختصاصاته بإهدار حجية حكم المحكمة الدستورية والتعدي علي السلطة القضائية وهدمها ...الخ لأن دعوة الناخبين لانتخابات مبكرة هي تنفيذا واقعياً للحكم مثال ذلك حين يكون لدينا قانون يراد تعديله أو استبداله بقانون أخر فإن القانون يستمر تنفيذه رغم عواره حتي يصدر قانون آخر ولا يوقف حينئذ تنفيذ القانون لحين صدور التعديل أو الاستبدال لما في ذلك من هدم لسيادة القانون واحترامه ودخول البلاد في فوضي تشريعية ، و من ثم فلابد علي المحكمة الدستورية أن تنأى بنفسها عن الدخول في معترك السياسة وتحتفظ بوصفها سلطة قضائية تفصل بين الخصوم دون الانحياز لطرف علي آخر لأن احترام أحكام القضاء منبعه استقلال القضاء عن أطراف الخصومة وكافة المؤثرات الأخرى مما ينتج حكما محايدا يصنع الاحترام ويمنح التقدير للمحكمة وما أصدرته من أحكام .

• المادة الرابعة ( التأكيد علي احترام القانون )
نشر القرار في الجريدة الرسمية يؤكد صدوره وفق الإجراءات القانونية المنصوص عليها لإصدار مثل هذه القرارات فضلا علي احترام مؤسسات الدولة التي تختص بإصدار مثل هذه القرارات وهو ما يدفعنا إلي خضوع كافة المؤسسات لتنفيذ القرار والتعامل معه بصورة رسمية تؤكد مبدأ سيادة القانون .

وختاماً : نؤكد علي :-

• اذا كان الرئيس هو الحكم بين السلطات كما تعارف عليه دستورياً وقانونياً فقد استطاع الرئيس بهذا القرار المتوازن الحكيم أن يفصل بين السلطة القضائية فيما أصدرته من أحكام سبقها مناوشات من السلطة التشريعية في النظر في قانون المحكمة الدستورية وتشكيلها وبين حق السلطة التشريعية في أن تمارس اختصاصاتها دون أن تكون مهددة من قبل السلطة القضائية بالحل وهو ما أعطي لكل سلطة حقها فاحترم القرار الحكم الصادر من المحكمة الدستورية وقام بتنفيذه من خلال المادة الثالثة منه وأعطي السلطة التشريعية حقها من خلال المادة الثانية من ذات القرار بعودتها لممارسة اختصاصاتها لحين إجراء انتخابات مبكرة .

• ما يطرحه البعض من أنه كان الأولي بالرئيس عرض الأمر علي الاستفتاء فإن ذلك مردود عليه بأن الحكمة تقتضي عدم استنزاف موارد الدولة في انتخابات متكررة لأنه لو كانت نتيجة الاستفتاء مع الحل سنكون مضطرين لإجراء انتخابات أخري بعد الاستفتاء وهو ما يكبد الدولة نفقات باهظة هي أحوج ما تكون لها في هذه الظروف فضلاً عن تفسير البعض للاستفتاء بأنه تحايل علي تنفيذ حكم القضاء .

• أتمني من المجلس العسكري أن ينأى هو الآخر بنفسه من الدخول في معترك السياسة وتظل المؤسسة العسكرية الرائدة صاحبة الاحترام والتقدير من الجميع .

• كما أتمني من القانونيين والإعلاميين وغيرهم ممن يعملون بالعمل العام أن ينتبهوا بأن الشعب يفرز الأشخاص والهيئات في ظل هذه الظروف الصعبة الحرجة ويحدد لكل منهم موقفه فإما أن يكون طيباً وإما أن يكون خبيثاً ( ليميز الله الخبيث من الطيب ) فكونوا من الطيبين الصادقين الذي يشهد لهم التاريخ لا عليهم.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
_____________

* المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة
أمين صندوق نقابة المحامين بالغربية
أمين اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة