د/ محمد القاضي
أكتب إلى أحبابي بعد أن من الله علينا بفضله وكرمه وقام الأستاذ الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية المنتخب بأداء اليمين بالأمس القريب أمام شعب مصر العظيم الممثل له في ميدان التحرير محققا مطلبا هاما من مطالب الثورة ومؤكدا على احترامه على ما تعهد به من الحفاظ على مطالب القوى الثورية ، وقام بأدائها مرة ثانية احتراما للدستور والقانون أمام المحكمة الدستورية العليا ، ثم قام لاحقا في اليوم ذاته بأدائها مرة ثالثة أمام أعضاء مجلسي الشعب والشورى بجامعة القاهرة ليكون بذلك محققا مطالب الشعب والقانون ومحترما للجميع ، أقول بعد هذا الفضل العظيم من الله أرى لزاما عليً أن أتذكر مع من أحب بعض المعاني البسيطة وقد سبق أن كتبت إليهم سابقا بعد الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية معاني مشابهة كان فحواها: هو أن ما نحن فيه من خير ونعمه إنما هو فضل محض من الله و أن ما جاء من نصر جاء به الله سبحانه وتعالى في الوقت الذي قدره ، وبالصورة التي أرادها سبحانه و للغاية التي رسمها ، وليس لنا من الأمر شيء، وليس لنا في هذا النصر يد ، وليس لأشخاصنا فيه كسب ، وليس لذوات أنفسنا منه نصيب، وليس لنا منه حظ ، إنما هو أمر الله كان وسيكون تحقيقه بنا أو بغيرنا، وحسبنا منه أن نكون ممن يجريه الله على أيدينا - فنحن ستارا لقدرته سبحانه ونأخذ الأجرة - وأن نكون ممن يقيمنا على دينه حراسا ، ويجعلنا عليه أمناء ، هذا هو كل حظنا من فتح الله علينا ، كما كان لقدوتنا وسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة.
و كان مما كتبت أن من واجباتنا تجاه الله أن نسبحه ونحمده سبحانه على ما أولانا من منة ونعمة بأن جعلنا ممن ائتمنوا على دعوته و ممن درسوا دعوته سبحانه وعلى ما أولى البشرية كلها من رحمة إذا ما عملوا بمنهاجه بعد سنين وسنين من البعد عن منهجه، وكذلك أن نستغفره سبحانه من أي شائبة قد تكون قد حلت بقلوبنا جراء تصور أن لنا في هذا الأمر نصيب " إذا جاء نصر الله والفتح ( 1 ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( 2 ) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( 3 ). سورة النصر
وأن صفقتنا من هذا الأمر إنما هي صفقتين ، الأولى منها مع الله سبحانه وتعالى وذلك بشكره وحمده وطلب العون والمدد منه سبحانه فنحن لا حول لنا ولا قوة إلا بالاستعصام به وتجديد العهد والبيعة مع معه - سبحانه وتعالى- "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " التوبة: 111 ، و الثانية منها والتي تكمل الأولى فتكون بالعمل مع المجتمع والناس فخير الناس أنفعهم للناس، وكما قال الإمام الشهيد: أيها الإخوان، هل أنتم علي استعداد أن تجوعوا ليشبع الناس، و أن تسهروا لينام الناس، و أن تتعبوا ليستريح الناس، وأخيرا أن تموتوا لتحيا أمتكم، هكذا تكونون صادقين بحق مع الله"، ولا توجد صفقة ثالثة ، فنحن معشر الإخوان نقل عند المغنم ونكثر عند المغرم أو على الأقل هكذا يجب أن نكون، ومغنمنا الذي نريده هو جنة رضوانه ، وماعدا ذلك فحياتنا كلها مغرم .
غير أن سمات وتصرفات نسبة من الإخوان - صغرت أم كبرت ، في موضع المسئولية كانت أم من عموم الأفراد – فيما بعد الجولة ألأولى وما تلاها من انتخابات الشورى و تشكيل اللجنة التأسيسية - الأولى- لوضع الدستور أن شابها شيء من الخلل بل أكاد أقول أن بعضها للأسف وصل إلى مرحلة من الغرور وهذا ما لم نترب عليه ولم نسلكه في أي من مسارات حياتنا الدعوية أو غيرها ، بل هي من الأساس من متناقضات أدبياتنا التي ظل أساسها أن الله هو الغاية فلا يجب بأي حال أن نزيغ عنها فغايتنا واضحة ومن يبتغيها لا يرتضي لنفسه أي قدر من العلو في الأرض ، وتذكروا أيها الأحباب أن العمل المقبول في الإسلام ما كان لله وحده ، و ابتُغي به وجهه ، ولم يخالطه ظهور أو شهرة ، يؤديه المرء على وجهه الكامل سواء كان رئيساً أو مرؤوساً ، جندياً أو قائداً كما جاء في الحديث الشريف " طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه ، مغبره قدماه . إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ، إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع " وذلك لأنه جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض و منفعة . وهذا ما دعاني لأن أكتب ثانية.
فقد رأينا ما يخالف شكر المؤمن الحق الذي يجب أن يستشعر أن ما به من نعمه إنما هو من عند الله وليس له من الأمر شيء حتى لو أخذت بكل الأسباب فتبقى أخيرا أسبابا ولكن لا يجب أن ننسى المسبب للأمر (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ )النحل53.
و رأينا من تصور أو توهم إننا وصلنا إلى مرحلة التمكين وأن أي أمر نخوضه إنما هو تحصيل حاصل ونسي أو تناسى أننا مازلنا نحتاج إلى الكثير من تغيير في صفاتنا ونحتاج إلى مزيد من الجهد والبذل و التضحية و الثبات على المبادئ التي مازال يتعثر البعض من الوقوف صلبا على أرضيتها ، ونذكر أننا في حاجة دائمة لاستشعار قول الإمام الشهيد: " أن تكون الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في صفات أربع: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره"
رأينا من بعض القادة من لم يهتم برأي الشباب ولم يضعه في الاعتبار ، بل أن البعض أهملهم من الأساس ونسي أن الشباب هم عدة هذا الوطن ومستقبله ، رأينا من لم يدرك أو غفل عن التركيبة الجديدة للشباب عامة وشباب الإخوان بصفة اخص ، نعم قد يكون هناك خلل في بعض رؤاهم ولكن الزمن قد تغير كثيرا وما كان يرى بالأمس صحيحا فليس بالضرورة أن يكون اليوم بنفس الدرجة من الصحة ، أقول لأخواني في جميع مواقع المسئولية ، اقتربوا كثيرا من إخوانكم الشباب فهم الامتداد الطبيعي لكم ولنا شئنا أم أبينا وهذه هي سنة الحياة ودورتها ، أقول اقتربوا أكثر، أسمعوا لهم، علموهم ، ثقفوهم ، قوما على تربيتهم ، ضعوا أفكارهم محل اهتمام بل وتنفيذ إذا كان له اعتباره فتفكير الشباب يغلب عليه العاطفة التي تستعجل قطف الثمرة قبل أوانها ، وتفكير الشيوخ يستحوذ على إحكام العقل والتريث وقد يفوت أجل الأمر فيه ، وظني أن كلاهما مرفوض وإنما يجب أن يجمعهما خليط يتناول كل منها بالقدر الذي يحتاجها الموقف فنزوات العواطف ونظرات العقول لابد من تكاملهما وليس تفاضلهما، وكما قال الإمام الشهيد : ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، و أنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، و ألزموا الخيال صدق الحقيقة و الواقع، و اكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة. و لا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، و لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، و لكن غالبوها و استخدموها و حولوا تيارها و استعينوا ببعضها على بعض، و ترقبوا ساعة النصر و ما هي منكم ببعيد.”
و رأينا من بعض شباب الإخوان من يعزي إن النصر جاء بفضل حركتهم وتقربهم وتواصلهم من غيرهم من الليبراليين أو الأحزاب والاتجاهات الأخرى ، بل وصل الأمر أن طالب بعضهم بتنحي إخوانهم من مواقع المسئولية وإسنادها إلى من هم دونهم من الشباب الذي يتصور أنه هو الذي صنع هذا النصر ، نعم ، قد يكون جزء من هذا التصور صحيحا ولكنه بالكلية غير صحيح ، أقول إن الجميع قد تحرك ، والجميع قد بذل وضحى وتواصل وتنازل ، كل فعل ذلك في موضعه القائم عليه ولا يجب أن ينظر أحدنا إلى عمله وفعله ويتجاهل جهد الآخرين فإنما يعد ذلك من الغبن . وأكرر لإخواني وأبنائي من الشباب وأقول : في هذه المراحل الصعبة والدقيقة من حياة الأمم تتداخل الرؤى والأفكار وتتزاحم المشاعر و التصورات ، وتكون هناك الاجتهادات والحلول ، ونحن بشر أصبنا فيما سبق وأخطئنا، وسنصيب فيما هو آتٍ و سنخطئ ، ولكن تذكروا أن الخطأ إذا وجد سابقا فهو غير متعمد، والخطأ فيما هو آت ليس بمعد ، فلا أحد يرى في تفكيره الفشل ويصر عليه، لكننا الجميع يجتهد في خدمة أمته ودعوته قدرٍ الاستطاعة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" صحيح البخاري .
الأحبة الأعزاء: رئيس مصر الأستاذ الدكتور محمد مرسي لم يطلب المنصب ولم يسع إليه وإنما المنصب ذاته هو من سعى إليه وعندي يقين مطلق أن الله سبحانه وتعالى سيكون عونا له فمن طلب الإمارة وسعى إليه وكل إليها ومن جاءته من غير مسالة أعانه الله، والحكم في ذاته ليس غاية عند الإخوان وإنما هو هدف نسعى لتحقيقه بنا أو بغيرنا ممن يؤتمن على هذه البلاد ويسعى ليكون الدين كله لله وهو آت لا ريب فيه.
إنني على ثقة مطلقة بأن هذه الثورة بمجرياتها التي تسير بها حتى الآن إنما هي من صنع الله سبحانه وتعالى وأن الله يكيد لمن يكيدون لدينه و لشعب ومقدرات وثروات ومصر ، ولكن مع هذا نحن مطالبون أن نكون عند حسن ظن ربنا بنا وظن الناس بنا وأن نكون على قدر من التفاعل والاندماج والعمل والتضحية والإيثار في أن نقدم للشعب ما يراه حلما قبل اليوم ، نريد أن نحقق للشعب المصري أحلامه التي طالما أنتظر تحقيقها واقعا ، نعم نعلم أن الموانع عميقة والعقبات كثيرة ولكن إيماننا بالله وثقتنا به أعمق وأكبر ، وقد ظهرت بوادرها وانطلقت قافلة الحريّة ، وأقلعت مواكب العدالة وأجريت سفينة النهضة ، ولن تعطل أبدا وسترسى السفينة - بإذن الله - إلى برِّ العافية ، وشاطئ الأمان . ولا نملك إلا أن نقول :حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى الله راغبون، " والله غالبٌ على أمره ، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون " يوسف : 21.

