م / محمد شكري علوان
محطات سريعة
|
هزات عنيفة وزلازل شديدة تعرضت لها الثورة المصرية خلال الأيام المنصرمة ، ميزت الخبيث من الطيب، والخسيس من النفيس ، وسقطت خلال هذه الشدة أقنعة وحُجب وصدق الله العظيم حين قال مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:179]. |
ثورة مصر العظيمة التي أسقط الله بها أكبر فراعنة العصر ، وأدهشت العالم بروعة أدائها ، وروحها المتوثبة، وشجاعة شبابها ، أراد لها أصحاب الأهواء والمفاسد أن تكون موءودة في مهدها ، وكان الله لهم بالمرصاد فقد خاب سعيهم وانكشف أمرهم وبطل سحرهم ، وأتم الله علي مصر وشعبها النعمة ، بانتخاب وتولية أول رئيس مدني بإرادة حرة لشعب ثائر حر في مشهد عكس عظمة مصر وقدرة شعبها ، وتلك نعمة واجبة الشكر حتى ننال المزيد وفقا لسنة الله الماضية ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)
· فالحذر الحذر فأحيانا تنجح الثورات في معركة الهدم، فتهدُّ النظام القائم هدًّا، لكنها تفشل في معركة البناء، ويقطف ثمارها آخرون من بقايا النظام القديم، أو من تجار الثورات والحروب تحت غبار المعركة.
· ولما كانت الثورات تولد من رحم الأمل ولا تولد أبدا من اليأس ، فنحن في حاجة شديدة إلي أمل عريض وإيمان كامل بإمكانية التغيير وتحقيق ما تصبو إليه الثورة وما تنشده من أهداف ، لذا يجب إن يدرك الجميع أن نجاح الثورة يتبعه لا محالة ثورة مضادة تحاول وأد الثورة في مهدها، أو تحريفَها عن مسارها، أو السطو على ثمراتها. ويري البعض أن وجود الثورة المضادة هو أبلغ دليل على أن الثورة تحمل رسالة تغيير جدية.
· من الواجب علي كل قوي الشعب إدراك ما يحاك في الظلام وما يسعي إليه أساطين الثورة المضادة من عبيد الماضي والمصالح والأهواء ، فالمتمرسون بألاعيب الاستخبارات وفنون اغتيال الثورات لن يستسلموا بسهولة، وبالطبع توجد قوى دولية طامعة بدأت تندب حظها العاثر، وتتباكى على فقد سيطرتها على مصر ومقدراتها ، وتتلمظ غيظا علي نهاية استعبادها لشعب مصر . لذا يجب أن يكون الشعب كله لهؤلاء بالمرصاد لا يغفل عن ثورته ولا ينسي أهدافه حثي يتحقق العبور الآمن لمصر وأمتنا العربية والإسلامية
· كما يجب علي كل ثائر بحق وكل وطني غيور أن يُبصر الناسَ بصعوبة التركة ، والميراث المر لعهود استبداد مضت خلفت عقولا مدمرة وأخلاقا فاسدة تسربت إلي مفاصل الدولة كلها ، ظهر مدي خطورتها عندما كشرت الدولة العميقة – دولة القهر والفقر- عن أنيابها في الانتخابات الرئاسية ، وكان المجتمع القوي الثائر الواعي لها بالمرصاد ، فعادت روح الثورة إلى ميدان التحرير وكل ميادين مصر بعد أن كادت تقتل في دهاليز المكر السياسي وقاعات المحاكم . وهي رسالة إلي الجميع بأن روح مصر لم تمتْ، وأن المجتمع الواعي والشباب الثائر أقوى من البيروقراطية العتيقة.
ألغام في طريق نهضة مصر
** منذ اليوم الأول لولاية الرئيس محمد مرسي بل منذ إعلان النتيجة والأرض تُفخخ تحت أقدام الرجل ، وسوء الظن والتربص هو القائد والموجه لكتيبة تسميم المجتمع إعلاميا وسياسيا ، لقد بدأت الحرب الشاملة التي تنال من عقل وفكر الجماهير العريضة من الشعب يحمل وزرها العديد ممن يسمون بالنخب ، رُغم صدق الرجل وحسن سريرته وكفاءته النادرة وحرصه التام علي لم الشمل وتوحيد الصف .
** لقد بدأت حملات التشكيك والتزييف والتشويه لصرف الناس عن العمل والإنتاج ، ومحاولة إعادة نفس السيناريو الخبيث الذي كان قائما قبل الانتخابات الرئاسية لتكفير الناس بالثورة ، وصرفهم عن الالتفاف حول الرئيس المنتخب بالإرادة الحرة النزيهة ، فمما لاشك فيه أن ترحيب الشعب وحسن استقباله للرئيس الجديد أكل أكباد هؤلاء وأفقدهم صوابهم .
** ليس معني أن يسامح " فخامة الرئيس " في حقه أن نتطاول علي مقامه ،أو نقلل من هيبة مؤسسة الرئاسة ’ أو تنطلق الصحف الصفراء نهشا في حياة الرئيس الشخصية وشئون أسرته بالكذب والافتراء والبهتان ، بل العكس هو الواجب " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "
** أمر آخر أقوله وبحق لقد كثرت المظالم في العهد البائد وواجب أن يعود لكل ذي حق حقه فلا مناص، ولكن ألا يستدعي هذا التريث والصبر ، إن كل الإضرابات الفئوية والمطالب الفردية يجب أن تتوقف حتى تهدأ الأمواج وتستقر السفينة ويلتقط الربان الزمام لينطلق بها بفضل الله إلي النهضة والتقدم ، وعندها سيعود حتما لكل ذي حق حقه ، فقد وعد الرجل - ونسال الله له العون - لن أخون الله فيكم ، لن أخون هذا الشعب ، لن أخون هذا الوطن .
واجبنا
اختلال منظومة القيم لدينا أسوأ ميراث أخذناه عن الغرب ، فالمشروع العلماني في بلادنا أضر بالأخلاق والقيم ، فنشر قيم الأثرة والأنانية ، وافقد الفرد احترام الجماعة ، وأصبحت الكلمة العليا السائدة " أنا " دون نظر إلي تقدم الأمة أو رقي شأنها ، أو السعي للقيام بالرسالة الحضارية العظيمة التي رفع الله تعالي شأننا من خلالها وهي رسالة الحق والعدل والتحرر (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ) ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)
منطلقنا إلي النهضة أن تصبح مصر كلها دار عمل وجد ونشاط ، وتعليم وتعلم ، وابتكار وإبداع ، بعيدا عن الجدال المفرق ، ومنتديات الكلام الذي لا طائل منه ولا فائدة ، فقيم تراثنا تخبرنا بان العامل يعمل أول ما يعمل أداءً للواجب تجاه مجتمعه وأسرته ومن يعول ، ثم ينتظر العطاء والبركة من الله خالق الأرض والسماء الذي يري عمل كل عامل وسعي كل مجتهد ويجازي بالحسان إحسانا ، ثم يأتي بعد ذلك ما يطلبه الجميع من اجر مادي مكافئا لما بذل وسعي تاما غير منقوص .
لقد انتهى عهد المطالبة ، وبدأ عهد المغالبة ، عهد العزة والكرامة تحت شعار الثورة الرائع " ارفع رأسك فوق أنت مصري ".

